تمتعت الصحافة الأردنية بأهم ثمرات الانفراج الديموقراطي منذ نحو عشر سنوات وقد تتوج ذلك في العام 1993 مع صدور قانون ليبرالي للمطبوعات، يحظر تعطيل الصحف وسحب تراخيصها الا بأمر وحكم قضائيين، والافساح امام صدور صحف جديدة ضمن شروط ميسرة، هي اكثر يسراً بالنسبة للصحف الحزبية. غير ان الصحافة لم تحظ برضا شعبي او حكومي كاف. فالصحف اليومية توصف بأنها قريبة من الحكومة وشبه رسمية، والصحف الاسبوعية مهتمة بالإثارة والتهويل وضعف الصدقية، فيما تأخذ الحكومة الحكومات على الصحافة بعض الممارسات التي تنم عن الشطط والغلو وممالأة الشارع وعدم اخذ المصالح العليا دائماً في الحسبان. وقد تنامى هذا الند وجرى تتويجه في أيار مايو الماضي، بإصدار تعديلات على قانون المطبوعات، بصفة قانون موقت ذي طابع عاجل. وقد صدر القانون في وقت لم يكن فيه مجلس النواب السابق، الثاني عشر منعقداً، وقد أدى القانون الى اغلاق ثلاثة عشر صحيفة اسبوعية، اساساً لأنها لم تتوفر على رأس المال المطلوب وهو ثلاثمئة الف دينار اردني. وقد جوبهت تلك التعديلات باعتراضات شديدة شاركت فيها احزاب ونقابات وشخصيات العامة، اضافة الى الجسم الصحافي، كما اعترضت عليها منظمات صحافية غربية وخاصة منظمة "البند 19". وبينما كان مجلس النواب الجديد الثالث عشر والذي قاطعه الاسلاميون لأسباب من اهمها اصدار القانون الموقت للمطبوعات والنشر، يناقش هذا القانون الموقت في ظل انقسام واضح بين اعضائه، في هذه الاثناء نظرت محكمة العدل العليا وهي اعلى هيئة قضائية في البلاد وبعد عدة تأجيلات، في القانون الموقت وأصدرت قرارها في شباط فبراير الماضي ببطلانه وعدم دستوريته، وما ترتب عنه. وقد أثار القرار مفاجأة مذهلة اذ جاء متعاكساً مع التوجه الرسمي، كما أثار فور صدوره، ارتباكاً في الاوساط الحكومية التي لا تمتلك الاعتراض على حكم تصدره أعلى هيئة قضائية قراراتها غير قابلة للنقض والاستئناف. وقد تطلب الامر بعض الوقت قبل ان تعلن الحكومة "استلامها" القرار رسمياً واستجابتها له والعمل بمقتضاه. وبالوسع الآن الحكم على ما جرى بأنه مجرد عودة الى وضع كان قائماً في السابق، وأن الديموقراطية الأردنية لم تأت بجديد، سوى إشهار الحكومة نيتها تقييد الصحافة وهو ما لم تنجح به، لكن الصحافة بدورها لم تحقق انطلاقة جديدة. غير ان الامر يتعدى هذا التقييم الحسابي. اذ وبصرف النظر عن النوايا وعن اشكال الممانعة الظاهرة والمضمرة، فقد تم تسجيل نقطة بالغة الاهمية، وهي الفصل التام بين قرارات السلطة التنفيذية وأحكام السلطة القضائية. ويرتدي الامر اهمية مضاعفة كونه يشكل سابقة قضائية، من شأنها الحؤول دون اصدار قوانين موقتة في غيبة السلطة التشريعية، ومع انتفاء ظروف الاستعجال التي ينص عليها الدستور الأردني. ولذلك فإنه لم يكن من المبالغة في شيء ولا المداهنة اعتبار ما تحقق بأنه انجاز للحكومة، مع انها لم تسع اليه ولا هي تمنته. وذلك هو احد مزايا الديموقراطية. فإذا صح وصفها بأنها لعبة، فإن الاستغراق فيها من شأنه حمل اللاعبين على التقيد بقوانينها اكثر فأكثر. وبعبارة اخرى فإن الجميع يصبحون اسرى لقواعد اللعبة، اياً كانت النوايا والاستهدافات الخاصة بهذا الفريق او ذاك. وهكذا فإن الامر لم يكن مجرد الفوز بما كانت حرية التعبير فائزة به في الأصل قبل خمس سنوات، بل يتعدى ذلك الى اعادة تبني القانون الأصلي بحماية وحتى بحصانة قانونية ودستورية اشد وضوحاً. اما احترام حرية التعبير والارتقاء بها، وعدم اتخاذها مطية للتجارة وإثارة الغرائز والنعرات فذلك مرهون بتطور ثقافي عام ومنه تجديد وتطوير الاعلام الرسمي، وبتفعيل القانون.