شهدت الانتخابات البلدية في محافظة الشمال تقلبات في التحالفات لا بد من ان تضع ثاني اكبر محافظة في لبنان امام خارطة سياسية جديدة، على خلاف السقف السياسي الذي رعى الانتخابات النيابية صيف 1996، وأدى الى قيام تكتلات نيابية لم تصمد في وجه الاختبار البلدي. فهذا الاختبار اتاح ل"القوات اللبنانية" المحظورة ان تضفي على حضورها واقعاً سياسياً من خلال النجاح الذي حققته في مدينة بشري ومعظم قرى القضاء، اسوة ب"الجماعة الاسلامية" التي خرجت من المعركة بقوة يحسب حسابها في طرابلس وبعض القرى في الضنية وعكار. واللافت ان النتائج النهائية في طرابلس، انعشت رئيس الحكومة السابق النائب عمر كرامي ومكّنته من ان يسترد اعتباره في الشارع الطرابلسي بعد خسارته في الانتخابات النيابية الاخيرة. فهو كان اول المنتصرين في طرابلس مسقطه ما يعني ان منافسيه لم يحافظوا على الفوز الذي حقّقوه في الانتخابات النيابية، وقد يضطر الى مراجعة حساباته وصولاًً الى استئناف نشاطه النيابي من البرلمان بعدما قاطع جلساته. اما "الجماعة الاسلامية" التي خسرت مقعدها النيابي، فنجحت في ان تستعيد بريقها السياسي في طربلس بينما لم تتمكن كتلة "الانماء والتغيير" المؤلفة من النواب الوزير عمر مسقاوي وأحمد كرامي ومحمد كبارة والمتحالفة مع النائب مصباح الأحدب والتيار المؤيد لرئيس الحكومة رفيق الحريري من توظيف قوتها النيابية في البلدية وحلت في المرتبة الثالثة، بعد كرامي والحال الاسلامية. واذا كان الاحدب سجل حضوراً سياسياً على هامش المواجهة البلدية مع كرامي، فإن كتلة "الانماء والتغيير" لم تعد متماسكة لوقوف احد اعضائها النائب العلوي أحمد حبوس على الحياد وسفره الى كندا بدلاً من التدخل بعدما ضم احد المقرّبين منه الى اللائحة الكرامية، اضافة الى النائب موريس فاضل الذي كان موقفه "قطبة مخفية" وتردد انه اوعز الى المرشحين الارثوذكسيين بدخول لائحة كرامي فنجحا، بعدما عقد حلفاً مع "الجماعة" تجلى في تأييدها لهما من خلال اللائحة المركّبة التي انزلت في صناديق الاقتراع. وقد تتعرض الكتلة لطلاق سياسي بخروج عضوين منها، اسوة بما انتهت اليه الانتخابات البلدية في زغرتا، حيث ان التحالف بين النائبين الوزير سليمان فرنجية ونائلة معوض اللذين خاضا الانتخابات على لائحة الوفاق الشمالية كان من اركانها الرئيس كرامي ونائب عكار عصام فارس، انتهى ربما الى غير رجعة بعدما بقي محصوراً في تعاون انتخابي وتحول حلفاً ستغيب عنه معوض. وعليه، فان توازن الرعب الذي ظل الى امد طويل سيد الموقف على الساحة الزغرتاوية وضغط لمصلحة التعاون النيابي ولّى في ضوء الفرز الذي اكسب فرنجية المعركة البلدية، وقد اتسمت بطابع الخيارات السياسية بعدما قررت معوض التحالف مع سمير حميد فرنجية وسليم كرم المقرّب من التيار العوني ويوسف الدويهي المقرّب من "القوات". والابعاد السياسية للمعركة لن تقف عند حدود الافتراق البلدي، بين فرنجية ومعوض، انما ستكون لها تبعاتها المستقبلية لصعوبة اصلاح ذات البين بينهما، وقد يضطر كل منهما الى اعادة ترتيب علاقته على مستوى الشمال ككل. وبالنسبة الى قضاء بشري فإن "القوات" المحظورة عادت الى الواجهة السياسية من الباب الواسع، بعدما اطاحت تحالف النائبين قبلان عيسى الخوري وجبران طوق اللذين خاضا منافسة رمزية في مواجهة لائحتها. ولم يعرف هل يعقد الفريق الفائز تحالفات من فوق الطاولة مع الفريق الزغرتاوي المناوئ للوزير فرنجية. وفي عكار، اخفق معظم النواب في تجنيب بلداتهم المعركة باستثناء النائب فارس الذي نجح بالتعاون مع فاعليات بينو في ضمان فوز المجلس البلدي بالتزكية، بينما توزع رفاقه بين منتصرين وراسبين. وفي مراجعة لحساب الربح والخسارة فإن الوزير النائب فوزي حبيش خسر في "معركة الثأر" السياسي ضد منافسه النائب السابق مخايل الضاهر الذي حقق فوزاً في القبيات وكذلك الحال بالنسبة الى النائب رياض الصراف الذي اخفق في ايصال مجلس بلدي موالٍ له في منيارة مسقطه. ولم يكن وضع نائب "الجماعة" خالد ضاهر احسن حالاً لخسارته في بلدة ببنين مسقطه في وجه تحالف جمع بين الاحزاب والعائلات على رغم بروز التنظيم الاسلامي الذي ينتمي اليه قوة بلدية عكارية. اما النائب طلال المرعبي فلم يلحظ قانون الانتخاب مجلساً بلدياً لبلدته عيون الغزلان، في حين ضمن النائب وجيه البعريني فوز لائحته في فنيدق مسقطه. وفي الكورة جاء الفوز طبيعياً لمعظم اللوائح المدعومة من النائبين فريد مكاري وفايز غصن الذي اسقط لائحة ابن عمه النائب نقولا غصن في بلدة كوسبا، مسقطهما والنائب السابق سليم سعادة الذي حقق تحالفاً بين جناحي الحزب السوري القومي الاجتماعي الطوارئ والمجلس الاعلى، وهو الاول من نوعه في بلدة أميون مسقطه، اضافة الى تسجيل حضور حزبي وخصوصاً للشيوعيين. وفي قضاء البترون لم تحمل النتائج مفاجآت فوق العادة، ونجح نائباه سايد عقل وبطرس حرب في مسقطهما البترون وتنورين، في تأمين فوز اللائحتين المدعومتين منهما مع وصول اعضاء الى المجالس البلدية من حزب الكتائب و"القوات" والتيار العوني والشيوعي. وفي قضاء الضنية كان ل"الجماعة الاسلامية" حضور بلدي من خلال النائب السابق أسعد هرموش من دون ان يخسر النواب جهاد الصمد وصالح الخير وأحمد فتفت مواقع تذكر. وأنعشت المعارك البلدية بعض النواب وأنهكت البعض الآخر، وان كانت دارت في المدن والبلدات الكبرى تحت سقف اتفاق الطائف من دون ان تبقي على التعاون النيابي الذي انتظم فيه النواب في لوائح عدة، والذي لا بد في ضوء الخروقات المترتبة على البلديات، من ان يطرح تساؤلات عن طبيعة التحالفات السياسية المحدثة التي لن تبقى على حالها.