تثير مسألة العمالة السورية في لبنان وآثارها الاقتصادية والاجتماعية الكثير من الجدل في الاوساط اللبنانية. اذ يرى البعض انها تؤدي الى "اخلال في التوازن المالي للبلاد لأن أجور غير اللبنانين معفاة من الضرائب"، فيما يصفها آخرون ب "الأمر الطبيعي جداً لأن ذلك يحصل بين أي بلدين متجاورين". وتترواح تقديرات الخبراء لعدد العمال السوريين في لبنان بين 700 الف ومليون عامل. لكن الباحث الديمغرافي السيد روجيه صوايا بيّن في دراسة اعدت الى "المجلس الأعلى السوري - اللبناني" ان عدد العمال السوريين لا يتجاوز 253 الف عامل كحد اقصى، مشيراً الى ان "الدراسات والمقالات التي تطرقت الى موضوع العمالة السورية في لبنان لم تتقيد بالمقاييس العلمية والاحصائية في تحليل الارقام المتوفرة من مراجع احصائية عدة ما أدى بأصحاب هذه الدراسات الى الوصول الى نتائج مبالغ فيها". وقالت مصادر اعلامية ان عدد السوريين الباقين مند العام 1993 في الاراضي اللبنانية بلغ 1435991 شخصاً معتمدة في ذلك على طرح عدد بطاقات الخروج المسلمة الى المديرية العامة للامن العام في لبنان من عدد بطاقات الدخول، وخلصت الى ان: "سوري واحد يقيم على الارض اللبنانية مقابل كل لبنانيين". وشغلت هذه الارقام اهتمام الاوساط اللبنانية واستندت اليها المعارضة السياسية في انتقاداتها للعلاقات السورية - اللبنانية، الامر الذي دفع المجلس الاعلى الى اعداد دراسة تبين الواقع. وجاء في الدراسة ان طريقة البحث في التوصل الى تلك الارقام "تخلو من الدقة لأسباب عدة منها: "ان جدول التنقل من لبنان واليه يعود الى تعداد عمليات الدخول والخروج التي يقوم بها السوريون في عبور الحدود، و لا تعود الى عدد هؤلاء الاشخاص حيث قد يكرر الشخص الواحد عملية دخوله وخروجه مرات عدة وبالتالي تمثل الارقام عدد عمليات العبور وليس عدد الاشخاص". واشارت الدراسة الى مثال مفاده: "نفرض ان معدل عبور شخص واحد هو مرة واحدة في الشهر، وهو ملتزم تطبيق الاجراءات القانونية في تسجيل دخوله وخروجه، لذلك خلال عام يصبح عدد عمليات الدخول والخروج من والى لبنان 12 عملية ويتأتى الغلط من اعتبار عمليات العبور ال 12 هذه وكأنها اثنا عشر شخصاً". واشارت الدراسة الى ان ان "قيمة أرصدة دخول السوريين الى لبنان و الخروج منه ايجابية اذ ان القادمين الى لبنان هم اكثر من الخارجين منه و هذا الامر صحيح احصائياً تماماً كعملية طرح ارقام عمليات الدخول من ارقام عمليات الخروج المتوفرة من بطاقات الدخول والخروج ولكنه لا يتطابق فعلاً مع الواقع". ولفت الباحث في المجلس الاعلى الى وجود "خلل في اعادة تسليم بطاقة الدخول الموقتة الى لبنان عند الخروج منه اذ يلجأ العديد من الداخلين الى لبنان من الرعايا السوريين الذين يعبرون الحدود ذهاباً وإياباً الى عدم اعادة تسليم البطاقة عند الخروج من لبنان الى اجهزة المراقبة اللبنانية". ويعود السبب في عدم تسليم البطاقة الى الامن اللبناني للاحتفاظ بتاريخ البطاقة اللبنانية متطابقاً مع تاريخ بطاقة رسم الخروج السورية التي ينوون عدم تسليمها الى السلطات السورية واعادة استعمالها مرات عدة تهرباً من دفع رسوم الخروج من سورية عند تكرار ذهابهم الى لبنان مما ينتج احصائياً ان هؤلاء يبقون مسجلين و كأنهم باقون في لبنان. وقال صوايا ان ذلك يؤدي الى ان تكون النتيجة "منحرفة عن الواقع والفعل تماماً". في الاطار ذاته قال صوايا انه في عام 1970 اشارت دراسة قام بها باحثان فرنسيان عن سبب ارتفاع صافي الهجرة الموقتة من 24 الفاً عام 1969 الى 71 الفاً عام 1970 في لبنان الى ان السبب يعود الى "الانفجار العمراني الذي شهده لبنان في تلك الفترة"، لكن هذا التفسير يتعارض كلياً مع بعض الوقائع التي أغفلها هؤلاء الباحثون أهمها انه من خلال مراقبة حركة تطور مساحات رخص البناء الممنوحة في بين عامي 1963 و1971 والتي تعتبر افضل مؤشر على حركة العمران ويلاحظ ان هذه المساحات هبطت في شكل ملحوظ جداً في عامي1970 و1971 ما يتناقض مع تفسير الباحثين لارتفاع الرصيد الملاحظ في تلك الاعوام حيث هبط من4134 الف متر مربع عام 1966 الى 2058 الف متر مربع عام 1970 حسب المجموعة الاحصائية اللبنانية لعام 1973 و وزارة التصميم اللبنانية وتابع صوايا ان هذا الانحراف الجذري في رصيد الباقين تزامن مع صدور تعديل قرار حول ضبط الدخول والخروج من مراكز الحدود اللبنانية يقضي بأن ينظم السوري القادم الى لبنان بطاقة دخول ويعطي اجازة اقامة صالحة لمدة ثلاثة اشهر قابلة للتجديد وفقاً لتعليمات يصدرها مدير الامن العام واثر هذا القرار على سلوك بعض الرعايا السوريين العمال المتنقلين باستمرار بين البلدين الذين بدأوا بعد صدوره في التهرب من معاودة تسليم اجازة الاقامة عند الخروج من لبنان ومعاودة استعمالها عند تكرار عبورهم حيث من المفترض اعادة الحصول على اجازة اقامة عند كل دخول الى لبنان فزادت قيم الرصيد على الشكل الذي رأيناه وبات قسم من ارقامه يمثل بطاقات لم يتم استرجاعها عند الخروج من لبنان وما زال السلوك ذاته سائداً حالياً ولكن بزخم اكبر اذ اضيف حافز جديد و هو التهرب من دفع رسم الخروج من الاراضي السورية وبخاصة بعد ان عدل الرسم من 25 ليرة سورية الى 200 ليرة سورية بدءاً من العام 1993 من نصف دولار الى اربعة دولارات. واشارت الدراسة الى ان "العلاقات المميزة" بين لبنان وسورية تضفي على حركة السكان بين البلدين "طابعاً مميزاً وليس جميع الداخلين من سورية الى لبنان هم عمال، فهناك السياح والزوار والمقيمون والطلاب الدين يمثلو ن جزءاً من الارقام الشهرية لعمليات العبور حيث يصل عدد السوريين الذين دخلوا الى لبنان بهدف السياحة والزيارة و حسب تقرير وزارة السياحة اللبنانية لعام 1996 الى 254 الف سائح شكلوا ما نسبته 4،37 في المئة من اجمالي الزوار اما عدد السوريين المقيمين في لبنان عام 1996فبلغ 32436 شخصاً حسب دراسة مسح المعطيات الاحصائية للسكن بين عامي 1995 و1996 التي قامت بها وزارة الشؤون الاجتماعية في لبنان. ولم تتطرق الدراسة الى "الرعايا السوريين الذين يقطنون خارج المساكن في الورش او الغرف الجانبية او المستودعات لأسباب عدة اهمها تنقلهم الجغرافي الدائم بين لبنان وسورية وعدم استقرارهم نهائياً في لبنان وبالتالي لا تنطبق عليهم صفة المقيم. واشارت الدراسة الى فقدان الاحصاءات و الدراسات الميدانية المتخصصة عن الموضوع الناتج من غياب تنظيم العمالة السورية في لبنان وغياب تنظيم سوق عمل المهن الحرة في البلد ككل. لكن صوايا توصل الى نتائج عبر احتساب عدد المقيمين السورين الدائمين وضربه ب 12 و عدد السياح و طرحهم من مجموع عمليات دخول السوريين وقسمة الباقي على 12 وذلك بموجب اربع فرضيات هي: ان المقيمين السوريين الدائمين في لبنان يقومون بزيارات دورية الى سورية بمعدل زيارة واحدة في الشهر كما ان الزوار يلتزمون تطبيق الأنظمة المرعية على الحدود و بالتالي يتقيدون في تسجيل دخولهم و خروجهم اما العمال فيكرر الشخص الواحد دخوله وخروجه مرة واحدة على الاقل في الشهر "ذلك من خلال دراسة ميدانية اعتمدت طريقة الملاحظة المستمرة على مدار عام 1997 بمعدل عملية تحقيق واحدة في الاسبوع، كما ان الرصيد الطويل الأمد يعادل تقريباً الصفر على المد الطويل. وعليه فإن صوايا قدر عدد العمال الموسميين بنحو 110 آلاف عامل كحد ادنى و253 الف عامل كحد اقصى، لافتاً الى "ان هذه الارقام ستفاجىء العديد"، مضيفاً: "ان عدد العاطلين عن العمل في لبنان الذين لا يحملون شهادات جامعية يبلغ 60 الف عاطل وهذا يعني ان العمال السوريين لا يأخذون وظائف اللبنانيين كما ان وجود العمالة السورية في لبنان له الكثير من الايجابيات منها زيادة الحركة العمرانية في لبنان وذلك لرخص الأيدي العاملة السورية اذ يبلغ راتب العامل السوري 300 دولار، اضافة الى نشوء اسواق قائمة على هذه العمالة في منطقة عنجر والمصنع. وكان صوايا يردّ على الكلام من ان حلول السوريون محل اليد العاملة اللبنانية يعكس واقعاً سلبياً على صعيدي الاستهلاك وميزان المدفوعات ذلك ان استهلاك هذه العمالة اقل من استهلاك الفرد اللبناني لأنها تدخر لتصدير الاموال الى بلادها، اذ اشارت بعض الاطراف الى ادخال الاموال الصعبة من لبنان الى سورية عن طريق هذه اليد لا يقل في ادنى التقديرات عن بليون دولار اميركي"