قبل أيام طُرح في السوق الفنية احد اشرطة الجلسات الشعبية المتتابعة للفنان السعودي محمد عبده التي اسماها "شعبيات" وهو رقم "9"، وسبقته قبل مدة شعبيات "10" و"11" معاً. وتضمن الشريط الجديد اربع اغنيات هي "دعاني الشوق"، و"محري بالخير"، و"يا سحايب" و"عروس الروض" لحنها الفنان بنفسه ما عدا "عروس الروض" التي جاءت بلحن من التراث السعودي وكذلك الكلمات. ولمحمد عبده طريقته في ترتيب "شعبياته"، فقد أنزل الشريط "11" ثم "10" ثم "9" اخيراً. وفي "الشعبيات"، وبخاصة رقم "11"، تميز أبو نورة بمهارة في الجمع بين شجن اللحن وشروق الكلمة، فواكب اللحن مزاج الكلمة او العكس. وأكثر ما تحقق ذلك في اغنية "دعاني الشوق" التي كتب كلماتها الشاعر خالد الفيصل في شعبيات "9" الاخيرة ومن ابياتها: "الي من العين همّالي/ دمعي فضحني لو اخفيته، زولك على الدوم يبرى لي ما أنساه مهما تناسيته". ان لحن هذه الاغنية يحمل طرباً يميل الى النغمة الفرحة، لكن الكلمات تهدئ من رقص النغمة فتشكل حالة من التلاقي بين العاطفة والعقل اي بين الكلمة والنغمة. وهذا التكامل لدى الفنان لم يكن وليد اللحظة بل يبدو في كثير من اغانيه الجديدة والقديمة مثل: "فمان الله"، "صوتك يناديني"، "ليلة خميس"، و"كلك نظر". ومع صعوبة بعض الصور الشعرية للأبيات التي يغنيها محمد عبده احياناً كثيرة، والتي تمتنع في فهمها على متذوق الشعر ايضاً، فانها تتكشف في خيال المتلقي بمجرد غنائه لكلماتها فتكون بصوته سماء صحواً وكأن الصوت المبدع يبدو وسيلة اخرى جديدة لفك رموز الشعر النبطي خصوصاً. ومحمد عبده مطرب يلاحق بصوته الصورة الشعرية، فلا تبدو تلك الصيغة المسموعة بأدائه عسيرة على الذوق العام كما كانت من خلال قراءتها. ويؤخذ على فنان العرب انه يكرر احدى اغنياته التي سجلها في شريط سابق عندما يطرح شريطاً جديداً في السوق يحتوي بعض الاغاني الجديدة. لكن ينبغي ان ننصف أبا نورة، اذ على رغم التكرار فانه يضيف شيئاً مختلفاً الى الأغنية قبل اعادتها كأن يصنف آلة موسيقية اخرى او يعجل ويبطيء النغمة فتبدو الأغنية مختلفة النكهة. وهذا يكون لصالح المستمع لأنه يساعده في التذوق بدقة ويعزز لديه الحس الفني والنقدي تجاه ما يسمعه. بل ان حضور القديم في ثوب جديد مطلوب حتى في حياتنا العادية، وهذا ما دعا كثيراً من الفنانين الى تحديث اغانيهم القديمة. ويؤخذ على فنان العرب ايضاً انه يجرب الكلمة الشعرية على اكثر من لحن، فتظهر الكلمة المغناة بألحان عدة ولكن ليس بشكل علني انما ذلك يتهيأ في السوق السوداء لمن يسرّبون الجلسات الطربية الخاصة لفنان العرب والتي تلاقي رواجاً كبيراً لدى عشاقه. وفي الحقيقة ان من يمتلك بعد النظر في مجال الفن الغنائي يحسب ذلك لصالح محمد عبده كدليل تمكن، فليس من السهل تسخير الكلمة للحن الى هذا الحد ما يدفع الى الاعجاب بتلك القدرات الخلاقة. ومع ذلك كله يؤخذ على "شعبيات 11" ضعف التسجيل الصوتي لأغانيها مقارنة بتسجيل الجلسات الشعبية الاخرى او حتى تسجيل الحفلات التي تميزت دائماً بنقاوتها، علماً بأن تسجيل اعمال محمد عبده يتم في المؤسسة الخاصة به وهي "صوت الجزيرة" في جدة