تشكل الشركات العائلية او تلك التي يملكها أفراد العصب الاساسي لاقتصاد أي دولة، بدءاً من مؤسسات ومحلات بيع التجزئة وانتهاء بشركات الصناعة والخدمات العملاقة. وفي السعودية مثل بقية بلدان العالم النامية تشكلت خلال العقود الخمسة الاخيرة مجموعة من الشركات العائلية التي اصبحت اليوم العمود الفقري لاقتصاد البلاد، ومع تعاقب الاجيال عليها بدأت التساؤلات تطرح في الاوساط الاقتصادية السعودية عن كيفية المحافظة عليها من الاندثار خصوصا بعد بروز حالات قليلة من الخلاف بين اصحابها من الجيلين الثالث او الرابع. وأثارت هذه الحالات مجدداً قضية تحول الشركات العائلية الى كيانات نظامية تكفل لها الاستمرار، وأبرز هذه الكيانات هي التي تتداول التحول إلى شركة مساهمة أو عامة تمهيداً لإدراجها في سوق الاسهم. وخلال الفترة الماضية لم تشهد السعودية حالات تحول للشركات العائلية الى شركات مساهمة إلا في ما ندر، كما ان الشركات التي تخطط لذلك حالياً لا يتجاوز عددها اصابع اليد الواحدة، لكن المستقبل ربما حمل الكثير، خصوصاً أن الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء، دعا خلال لقائه رجال الأعمال في جدة قبل نحو شهرين الى التفكير بجدية في كيفية المحافظة على الشركات العائلية. ولتغطية القضية من كافة جوانبها نظمت "الحياة" ندوة صحافية عن "تحول الشركات العائلية في السعودية"، طرحت فيها للنقاش مجموعة من المواضيع تنطلق من محورين أساسيين، الاول: أهمية تحول الشركات العائلية وفائدة ذلك لأصحابها وللاقتصاد السعودي، والثاني سوق الاسهم السعودية التي ستكون وعاء لهذه الشركات التي قد تفضل تبني صيغة "المساهمة العامة" وتخطط لإدراج أسهمها، إضافة إلى قدرة سوق الأسهم على توسيع قاعدة الشركات المدرجة. وشارك في ندوة "الحياة" كل من عبدالعزيز الدخيل رئيس "المركز الاستشاري للاستثمار والتمويل" وكيل وزارة المال السعودية السابق، وعبدالرحمن الزامل رئيس مجلس ادارة "مجموعة الزامل"، وكيل وزارة التجارة السابق، واحسان بو حليقة الخبير الاقتصادي المتخصص في المعلوماتية والانتاج، وعبدالله سليمان الراجحي مدير عام "شركة الراجحي المصرفية للاستثمار"، وعبدالرحمن الخلف أستاذ قسم الاقتصاد في جامعة الملك سعود، والسيد عادل الناصر المدير الاقليمي في المنطقة الوسطى في "البنك السعودي - البريطاني". وفي ما يلي ما جاء في الندوة: "الحياة": كثر الحديث عن تحول الشركات العائلية الى شركات مساهمة، ما ضرورة ذلك، وما هي الفائدة أو المصلحة المرجوة من ذلك؟ الدخيل: نريد معالجة موضوع الشركات العائلية إذ لا يوجد ربط أساسي بين الشركة العائلية والمساهمة. والسؤال المطروح هو: كيف يمكن انقاذ المؤسسة العائلية ومنعها من الاندثار، وليس من الضروري أن تكون شركة مساهمة، فالمهم تحويلها من مؤسسة يرتبط مصيرها بشخص واحد وتنتهي بإنتهائه، الى شركة محكومة بنظام، لا تتأثر بخروج شخص أو وفاته مثلاً. الزامل: أود أن أتكلم عن وضع الشركات العائلية في سوق المملكة الحالية، إذ قبل 30 سنة كان هناك عدد قليل من العائلات التجارية، وتطورت السوق مع تطور الفرد، ونشأت عندنا مؤسسات اقتصادية كبيرة تملكها عائلات وذلك نتيجة التطور الذي حصل. وشاهدت من خلال تجربتي في مجلس ادارة الصندوق الصناعي 80 في المئة من التمويل يذهب إلى أفراد صغار، ومن خلال هذا التمويل الصناعي، برزت أوائل الشركات التي عرفت في ما بعد بالشركات العائلية، ووجدت معها المشاكل التي دعت الكثير من الناس حالياً إلى الحديث عن ايجاد نموذج معين يحفظ استمرار هذه الشركات. إذاً، أمامنا ظاهرة وجود عائلات كبيرة ذات نشاط اقتصادي أساسي في المجتمع ولها دور ايجابي كبير. فكيف نحافظ علىها، واعتقد ان هناك طرقاً عدة. بو حليقة: لماذا تتحول الشركات العائلية الى شركات مساهمة؟ هناك أسباب أهمها عدم القدرة على الاستمرار بالصيغة الحالية نتيجة عدم امتلاك الجيل الثاني القدرة على تنمية اموال الشركة وادارة اعمالها، والأمر الآخر اقتناع الشركة بقدرتها على الاستفادة من فرص استثمارية عدة، لكن ينقصها أحياناً رأس المال لذا يقرر الشركاء اتخاذ منحى المساهمة العامة ما يعني جلب أموال والاحتفاظ بملكية الشركة. الراجحي: أنا أنظر إلى القضية من زاوية أخرى، زاوية أصحاب الشركة. والسؤال، هل التحول هو من مصلحة الاقتصاد، أو من مصلحة سوق الاسهم؟ ونحن نشجع الشركات العائلية على هذا الاتجاه، واعتقد ان تحول الشركات العائلية مفيد جداً للاقتصاد ومفيد للمستثمرين الجدد ومفيد لسوق الاسهم ومفيد لجلب الاستثمارات الاجنبية او المحلية ومنعها من الهجرة، وعلينا تشجيع تحول الشركات العائلية إلى مساهمة. الدخيل: هنالك ضوابط تتعلق بمدى الجدوى الإقتصادية والمالية من تحويل شركة عائلية إلى شركة مساهمة، وهذا الأمر يجب عدم خلطه بالتوجه الداعي الى حماية الشركات العائلية من الإندثار بسبب عدم وجود الإطار القانوني السليم الذي يؤهلها للإستمرار عند وفاة مؤسسها. وتحويل أي مؤسسة عائلية الى شركة مساهمة عامة ينطوي على طرح أسهم للجمهور بهدف الإكتتاب العام، يساهم فيه رجل الأعمال ورجل الشارع، ما يتطلب شيئاً من الضوابط اللازمة لحماية الجمهور من تقييم الأسهم بطريقة لا تعكس القيمة الحقيقية لأصول الشركة وخصومها. لذلك أقول إن تشجيع المؤسسات العائلية للتحول الى شركات يجب أن لا يكون مدخلاً للتساهل في عملية التحلل من الضوابط العامة لقيام الشركات المساهمة. والشركة العائلية يجب أن ينطبق عليها ما ينطبق على غيرها من المعايير الدقيقة التي يجب أن تحكم التحول الى شركة مساهمة عامة. بو حليقة: في حقيقة الأمر لا يستفيد الاقتصاد الوطني مباشرة من تحويل الشركات العائلية الى شركات مساهمة. الاستفادة تأتي عندما يؤدي التحول الى استيعاب المزيد من المدخرات المحلية، او جذب الاستثمارات الأجنبية وتوظيفها في الاقتصاد الوطني، وهناك فائدة لمالك الشركة او مؤسسها، مباشرة وغير مباشرة، الاولى زيادة رأس المال من دون زيادة المخاطر، ناهيك عن أن المالك لن يفتح شركته للغرباء الا اذا كان في ذلك فائدة مباشرة له، وعموما تتحول الشركات الخاصة الى مساهمة للتوسع وفي ذلك زيادة لنصيب المالك من الارباح، اما الفائدة غير المباشرة فهي احتفاظ المالك باسم شركته، ويسمح نظام الشركات السعودي بذلك، وتدار الشركة من قبل ادارة تنفيذية مهنية وليس من قبل العائلة، ويكون ملعب المالكين مجلس الادارة والجمعية العمومية اللذين سيكونان مرجعاً كبيراً للتنفيذيين، ومع ذلك فهناك تجاوزات واضحة في عدد من الشركات المساهمة السعودية، وهناك من يضع مجلس الادارة في جيبه، ويصر على أن يكون هو رئيس المجلس والعضو المنتدب، فتصبح الشركة مؤسسة فردية متخفية في زي شركة مساهمة عامة. الناصر: انا اعتقد ان الفائدة من تحول الشركات العائلية مزدوجة، لا شك ان صاحبها سيستفيد من تحولها، إذ لديه فائدة استمرارية شركة قد يكون مصيرها من بعده مجهول، والاقتصاد سيستفيد بشكل أو بآخر، فأي كيان اقتصادي ناجح في استمراريته فائدة للاقتصاد قد تكون مباشرة وواضحة، وقد تكون طويلة الأمد. الخلف: سأعلق على نقطتين: الأولى، هل في تشجيع المؤسسات أو المنشآت العائلية إلى التحول مصلحة عامة؟ اعتقد أن ذلك في مصلحة الاقتصاد. ويجب على الشركة المساهمة أن تكون الهدف النهائي. والنقطة الثانية أن الشركات المساهمة فيها توسيع لقاعدة الاستفادة. لذلك فنظام الشركات نظم حقوق الأفراد. واعتقد في أن ذلك مصلحة للجميع، لأنه يمنع الشركة من الاندثار ويحول دون التسبب في خسائر للاقتصاد الوطني. فبقاؤها واستمراريتها في النطاق المؤسسي هما للمصلحة العامة ولمصلحة الأسر نفسها. من جهة أخرى، لدينا في النظام الإسلامي نظام الارث الذي يحدد كيفية توزيع الثروة، وبطبيعة الحال قد لا يوثر ذلك على عملية الادارة لأن الوريث قد لا يكون على علم بالإدارة أو حتى بالمنشأة نفسها. ثم ان احساسي الشخصي انه لا يوجد تحفيز لعملية التحويل. والسؤال هو: هل يجب تعديل الأنظمة الموجودة أو ابقائها على ما هي؟ الدخيل: الشركة المساهمة العامة، لها شروطها ولها خصائصها، سواء كانت شركة عائلية بالأساس أو غير عائلية، والشركة العائلية ليست إلا جزئية، والسؤال المطروح في السوق هو العلاقة الحقيقية بين الشركة العائلية والقانون، أي نظام الشركات الذي يجب أن يحفز الشركة العائلية للإنتقال الى وضع قانوني قائم على نظام يمنعها من الإندثار والإنهيار، وأعود إلى القول ان المشكلة التي تبرز وأعطيت أكثر من حجمها أن هنالك شركات عائلية أو مؤسسات عائلية يواجهها خطر التصفية او الإندثار نتيجة المشاكل، لكن، من الجهة الاخرى، هناك شركات عائلية تتمتع بالصحة وتسير على خير ما يرام، ولا يوجد داع لتحويلها الى أي نوع من أنواع الشركات. ما أريد قوله ان تحويل الشركة العائلية الى شركة اخرى ليس ضرورة، ولكنه علاج لمواجهة حال مرضية، فإذا لم يوجد الداء فلا داعي للدواء. "الحياة": نعود إلى قضية الفائدة من التحول، ما هي أهميتها سواء للمستثمرين أو لسوق الأسهم، او للاقتصاد بشكل عام؟ بو حليقة: للشركة المساهمة أهمية خاصة في توظيف المدخرات، وهنا تكمن اهمية التحول، فهو يمنح فرصة لمن يملك المال لكنه لا يملك الوقت او المقدرة لاستثماره، ومن وجهة نظر المستثمر الجديد تمتلك الشركات المتحولة فرصة ذهبية لأكثر من سبب: فهي مشاريع قائمة مما يعني انها تبيع وتشتري، أي أنها ستوزع ارباحاً من دون انتظار سنوات طويلة، كما هو الحال بالنسبة إلى الشركات المساهمة الوليدة. والسبب الثاني ان الشركات مشاريع ناجحة عموماً، ما يعني ان المخاطر فيها متدنية. وبالنسبة إلى سوق الأسهم، فهي تعاني شحاً في ادراج الشركات المساهمة، وستستفيد السوق السعودية من كل شركة جديدة تدرج، إذ تعني اضافة شركة جديدة زيادة رسملة السوق، وجذب المزيد من الزبائن، وزيادة معدل التداول، وبقية معايير نشاط السوق. الراجحي: أنا اتصور أن تحويل الشركات العائلية الى مساهمة فيه فائدة للاقتصاد ويساعد على استقطاب كفاءات بشرية عالية، إذ لا يمكن ان يدير شركة عائلية شخص واحد وأن تستقطب كفاءات إلا اذا كان فيها نظام مؤسسة وكفاءات إدارية جيدة. وسينعكس ذلك على السعودة، وعلى التوظيف واعتقد أن قضية التقييم مهمة، خصوصاً في المراحل الاولى، واعتماد التقييم لدى جهة رسمية مهم جداً. كذلك أن تأتي جهات توقع التقييم وتراجع الموازنة، ثم تقر العملية، ليصبح هناك نوع من الحماية. الزامل: نقطة جانبية أود ذكرها، وهي أنه يجب لا نبالغ في الظاهرة. حتى الآن ومن خلال عملي في وزارة التجارة لمدة 15 سنة لم نجد 4 أو 5 عائلات مقتنعة بالتحويل. القضية ليست ظاهرة موجودة وليس هناك عائلات جاهزة... قد يفهم البعض الصورة على ان هناك عائلات متلهفة للانتقال إلى السوق. وعملية الانتقال كبيرة لبعض العائلات إذ يجب ان تكون العائلة واعية لأمور السوق وآثارها الاقتصادية. كل ما أريد ان اقول ان التحول ليس سهلاً. النقطة الثانية، لا ننسى ان المستثمر السعودي يختلف كثيرا عن المستثمرين في قناعاته من العائد. فالمستثمر السعودي يقتنع بأي شيء أكثر من الصفر لأن كل مدخراته توضع في البنوك من غير فوائد. فأي ربح يعود عليه من أي شركة مساهمة سيقتنع به. الدخيل: أعود إلى النقطة الأساسية في نقاشنا، يجب الفصل ما بين المشكلة التي نناقشها وهي مشكلة الشركات العائلية أو المؤسسات، وما بين موضوع الشركات المساهمة فهما أمران مختلفان، هذه قضية وتلك أخرى. اذاً الإشكال يكمن ليس في التركيبة العائلية للشركة بل في القانون الذي يحكم نظام هذه الشركة وهو قانون الثقة والوراثة، فعندما تنتهي الثقة أو المودة أو يحل اقتسام الثروة بسبب الوفاة يدب الخلاف بين الورثة أو أفراد العائلة الشركاء، وهنا يبرز السؤال المطروح الآن: كيف نحافظ على إستمرارية هذه المؤسسة الإقتصادية؟ والجواب لا يكمن فقط بتحويلها الى شركة مساهمة بل في تبسيط الإجراءات القانونية والإدارية التي تسهل لها التحول الى أي شكل من أشكال الشركات التي تضمن إستمرارها بعد وفاة مؤسسها، أو خروج أحد شركائها وعدم رغبته في الإستمرار، فيمكن على سبيل المثال أن تتحول الشركة العائلية الى شركة ذات مسؤولية محدودة. ما يجب أن نركز عليه وندعو له، تسهيل الإجراءات القانونية واجراءات المحاكم ونظام الشركات بحيث تكون جميعها حافزاً لا عائقاً لتحويل الشركات العائلية الى شركات قابلة للإستمرار بحكم نظامها وقواعدها بدلاً من أن تندثر وتنتهي وتصبح عبئاً على الإقتصاد. وهذا الأمر يجب أن لا نخلط بينه وبين المصلحة العامة، الأمر في نهاية المطاف يبقى في إطار المصلحة الخاصة وهذا ليس بالعيب لأن المصلحة الخاصة هي المحرك الأساسي في الإقتصاد الحر. الراجحي: أنا اختلف مع السيد عبدالعزيز الدخيل في قضية التحول الى شركة ذات مسؤولية محدودة وأنه مثل التحول الى شركة مساهمة. نظام الشركات المحدودة كما هو الآن غير سلس. عملية انتقال الحصص بين الورثة ليست بسهولة ومرونة وبساطة نظام الشركات المساهمة، وأيضاً قضية الوكالات الشرعية عن الشركاء أصبحت بعض الحالات تأخذ سنوات لانجاز أي تعديل. حتى نحافظ على الشركات العائلية، يجب تحويلها الى شركة مساهمة التي تعتبر انجح الصور الموجودة. أو تعديل قانون الشركة أو نظام الشركة. الناحية الثانية يجب ان تتحقق مصلحة للشخص ومصلحة للاقتصاد. ويجب ان تكون هناك قناعة لدى الجهة التي تقوم بتحويلها بأن لها مصلحة فيها وفي الوقت نفسه تحقق المصلحة العامة