بعد سنوات من المداولات في أروقة وزارة الخارجية السويدية حسمت هذه أخيراً قرارها بشأن اقامة معهد سويدي في الشرق الأوسط يهتم بمتابعة قضايا العالم العربي السياسية والفكرية والاقتصادية، ودراسة مشاكل المنطقة من منظور معاصر كما يقول السفير كر أوستروم المسؤول عن متابعة المشروع في المرحلة الحالية. ووقع الاختيار على مدينة الاسكندرية المصرية لتكون مقراً له نظراً لما تتمتع به المدينة من مزايا أورو - متوسطية، وما تحتوي عليه من مقومات ومراكز علمية واقتصادية مهمة. ومع أن المعهد فكرة سويدية وسيظل مؤسسة تابعة للخارجية فإن هذه نسقت بشأنه مع مفوضية الاتحاد الأوروبي. ويرى السفير أوستروم ان انضمام السويد للاتحاد الأوروبي ومشاركتها في مشروع الشراكة المتوسطية يحتمان عليها وعلى بقية الأطراف في وقت واحد مضاعفة الجهود، لفهم العوامل التاريخية المؤثرة التي تتفاعل في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، كما يحتم تطوير حوار مثمر بين دول أوروبا ودول الضفة الجنوبية للمتوسط، وجعل هذا الحوار ركناً مهماً في العلاقات والنشاطات والمبادلات بين أوروبا ككل وبين دول المنطقة المذكورة. وترسم خطة المشروع الأولية للمعهد اطاراً لعمله يتكون من عقد ندوات وتنظيم مؤتمرات واقامة علاقات تعاون مع المعاهد المشابهة والجامعات ومراكز البحث، والمؤسسات الثقافية والسياسية وإعداد البحوث والدراسات. أما الموضوعات التي سيهتم بها المعهد فهي حسب الخطة المقترحة تتراوح بين القضايا السياسية والأمنية والمسائل الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. مثل دور الديبلوماسية الوقائية والأساليب الناجعة لتسوية الصراعات، ومراقبة التسلح وتمديد مخاطر ومصادر الأزمات والصراعات في المنطقة، وتحديد المفاهيم الأساسية للأمن في الشرق الأوسط، وقضايا المجتمع المدني والديموقراطية، وحقوق الانسان وسيادة القانون، ومسائل الهجرة والتحولات الديموغرافية، وتأثير العولمة على المنطقة وأوروبا، وقضايا الأديان والقيم الروحية، كذلك دور المسائل الاقتصادية والمبادلات التجارية والإعلام والثقافة والتكنولوجيا... الخ. وستحتل مرتبة متقدمة في أولويات المعهد مواضيع السلام والأمن الناشئة من الصراع العربي - الاسرائيلي، والمضاعفات التي تصيب أوروبا من جراء هذا الصراع. ويستند المعهد في الواقع الى رؤية جديدة تسود الأوساط السياسية والأكاديمية في السويد حالياً، مفادها ان بلادهم أضحت محاذية للشرق الأوسط وشمال افريقيا بحكم انتسابها للاتحاد الأوروبي. وبالتالي ينبغي عليهم تكوين معرفة أدق وأشمل بقضايا المنطقة وجذورها وعوامل تأثيرها. وذكر أكثر من خبير وباحث سويدي ان بحر البلطيق لم يعد بعيداً عن البحر المتوسط. أو معزولاً عن تطوراته. وعلى الديبلوماسية ترجمة هذه التحولات الى حركة سياسية وعلاقات وثيقة ومبادلات تجارية وثقافية متنوعة. كما يرى السويديون ان بلادهم لم تكن في أي عصر من العصور مقطوعة الصلات مع الشرق الأوسط، بل ان ثمة عشرة قرون كاملة وحافلة بالتفاعلات والعلاقات المباشرة على سائر الأصعدة. أما الآن فهي تستعد لنقلة نوعية، وليس من الصعب ملاحظة ان السويديين يريدون بالتعاون مع جيرانهم الشماليين كالدانمارك وفنلندا... القيام بدور أكثر دينامية وتأثيراً في الشرق الأوسط في اطار الاتحاد الأوروبي. وعلى هذا الأساس فإن معهد الاسكندرية الذي اختيرت له بناية كبيرة تملكها الكنيسة السويدية منذ عشرات السنين وتقع في قلب الاسكندرية، سيكون بمثابة موقع متقدم للتفاعل بين السويد والعالم العربي، وسيقوم بمهمة حساسة هي توفير المواد الخام لصناعة السياسة الخارجية في شأن المنطقة