"آمن العازوري بأصالة الحضارة العربية وأبعادها الحضارية، وبأنها الإطار الذي يجمع المسلمين والمسيحيين. فمن أجل ذلك دعا الى خلق مذهب قوي عربي، والى تعريب المذهب الكاثوليكي وتأسيس بطريركية خاصة لهذه الكنيسة متسائلاً: وأي ضير يتأتى من أن تصبح العربية - لغة القرآن والإسلام العالمي - لغة المذهب الكاثوليكي؟ .... لقد دعا العازوري الى اقامة امبراطورية عربية تمتد من الفرات ودجلة الى خليج السويس، ومن المتوسط حتى بحر عُمان، ويكون في هذه الامبراطورية حرية المذاهب ومساواة المواطنين كافة أمام السلطان. ولتحقيق ذلك دعا الى فصل السلطة المدنية عن السلطة الدينية...". بهذه الكلمات تحدثت الدكتورة زاهية قدورة عن نجيب العازوري في تقديم كتابه "يقظة الأمة العربية" الذي ترجمه وقدمه قبل أكثر من عقد ونصف العقد من السنين الباحث اللبناني أحمد أبو ملحم، فأعاد الى ساحة الاهتمام واحداً من أبرز الوجوه اللبنانية التي عملت من أجل اليقظة العربية واستقلال الشعوب العربيّة. بل أكثر من هذا، واحداً من أبرز المفكرين العرب الذين تنبهوا باكراً الى خطر الظاهرة الصهيونية، حيث نجده يقول في كتابه ذلك: "ظاهرتان مهمتان لهما نفس الطبيعة بيد أنهما متعارضتان، لم تجذبا انتباه أحد حتى الآن تتوضحان في هذه الآونة في تركيا الآسيوية أعني: يقظة الأمة العربية، وجهد اليهود الخفي لاعادة تكوين مملكة اسرائيل القديمة على نطاق واسع، ان مصير هاتين الحركتين هو أن تتعاركا باستمرار حتى تنتصر احداهما على الأخرى، وبالنتيجة النهائية لهذا الصراع بين هذين الشعبين اللذين يمثلان مبدأين حضاريين، يتعلق مصير العالم بأجمعه". نجيب العازوري الذي توفي في مثل هذا اليوم - على الأرجح - من شهر حزيران 1916، قبل أن تتحقق أي من تنبؤاته السياسية المهمة، ولد في قرية عازور في جنوبلبنان. والتحق يافعاً بمدرسة الفرير في بيروت ثم سافر الى فرنسا عند نهايات القرن الفائت لمتابعة دراساته العليا في العلوم السياسية، ويقول جورج انطونيوس أن نجيب العازوري باشر نضالاته السياسية بشكل جدي خلال السنوات الأخيرة من حكم السلطان عبدالحميد، ولئن كان تبوأ منصب مساعد حاكم القدس ابتداء من العام 1898 بمساعدة من الأخوين ملحمة عضوي مجلس "المبعوثان" والبطريرك الحويك، فإنه سرعان ما اعتزل ذلك المنصب في العام 1904، وقرر أن يتفرغ للعمل السياسي المنادي بتحرير الأفكار العربية من الاستعمار العثماني. ولما كان مثل ذلك النضال متعذراً على أمثاله في منطقة الشام، سيسافر الى فرنسا حيث يرتبط بالأوساط العربية المناهضة للعثمانيين هناك، وكذلك سيرتبط بالأوساط الفرنسية التي يبدو أنه سوف يعمل بالتنسيق معها. وهو، في باريس، أسس، في العام 1904 "عصبة الوطن العربي" التي يقول خير الدين الزركلي في "الاعلام" أن احداً غيره لم ينتسب اليها. وفي العام التالي أصدر كتابه "يقظة الأمة العربية" الذي سيعتبر أشبه بدستور قومي للحركة العربية في ذلك الحين. وفي العام 1907 أصدر العدد الأول من مجلة "الاستقلال العربي" باللغة الفرنسية وهي مجلة استقلالية عاونه فيها العديد من الكتّاب العرب والفرنسيين وظلت تصدر حتى حزيران يونيو 1908. كان العازوري يعتبر أن معركته الأساسية هي ضد السلطان عبدالحميد، ومن هنا حين قامت ثورة تركيا الفتاة وسقط عبدالحميد عاد العازوري الى فلسطين وهو عازم على خوض الانتخابات والعمل في سبيل الاستقلال العربي، غير أن الأتراك الاتحاديين سرعان ما حكموا عليه بالاعدام بتهمة "القيام بنشاطات تمس أمن الدولة" فما كان منه إلا أن هرب الى القاهرة، حيث سيعيش السنوات الأخيرة من حياته. وهو في القاهرة ترأس تحرير جريدة "يومية مصر" باللغة الفرنسية، كما أسس محفلاً ماسونياً استقى مبادئه - كما يقول أحمد أبو ملحم - من أسلوب عمل جماعة الكاربوناري الايطالية التي كانت نشيطة في العديد من المدن العربية في ذلك الحين. وظل نجيب العازوري في مصر حتى رحيله في العام 1916 اثر اصابته بجلطة دموية، كان لا يزال في مقتبل العمر وفي عز العطاء. ويعزو احمد أبو ملحم الى العازوري تنظيم ما لا يقل عن مؤتمرين عربيين أساسيين أولهما المؤتمر العربي الأول سنة 1905 والثاني المؤتمر السوري - العربي سنة 1913، كما يعزو اليه العمل على توفير الأسلحة والذخائر للثوار العرب ضد الأتراك. أما أهم كتابات العازوري اضافة الى كتابه "يقظة الأمة العربية" فهي "الوطن العربي، دراسة معمقة للوضع الراهن ودراسة مستقبل الأقطار العربية الآسيوية"، و"الخطر اليهودي العالمي، تصريحات ودراسات سياسية" و"الدول الأجنبية ومسألة المقدسات المسيحية في الأراضي المقدسة"