تتوجه قواعد جماعة "الاخوان المسلمين" في الاردن، وهي اكبر الاحزاب المعارضة حجماً واكثرها تنظيماً، الى التحول عن قياداتها التقليدية المعتدلة وانتخابات قيادات اكثر تشدداً بسبب الاحباطات المرتبطة بتعثّر عملية السلام وتعنّت الحكومة الاسرائيلية. وتواجه "الجماعة" مفترق طريق في انتخاباتها الداخلية المتوقع اجراؤها في تموز يوليو المقبل. ويخشى مراقبون ان تحيد عن خطّها المعتدل الذي حافظت عليه منذ تأسست قبل اكثر من خمسين سنة، وسط مغريات التشدد محلياً واقليمياً، في ظل غياب رؤية واضحة لدى قيادة "الجماعة" وغموض خريطتها الانتخابية. ويقول نائب المراقب العام للجماعة الشيخ عبدالرحيم العكور: "قيادة الجماعة تعبّر عن المزاج المعتدل الذي يطغى على الحياة السياسية في الاردن، لكن التراجع المستمر في مسار الديموقراطية، والذي توازى مع تسارع التطبيع، اعطى دفعة للتشدد داخل الجماعة". ويعتقد العكور ان التيار المعتدل داخل الجماعة "لم يعد فاعلاً كالسابق بعد الاحباطات السياسية المتلاحقة" ويصف حال المعتدلين، وهو من رموزهم، بأنهم "بين مطرقة الحكومة وسندات القاعدة الاخوانية". وتعبّر القيادة الحالية للجماعة عن خوفها من التشدد، فغالبيتها المعروفة بالاعتدال اتخذت قرار مقاطعة الانتخابات النيابية لعام 1997، وكان قرارها مدعوماً من غالبية القاعدة الاخوانية ما قد يسمح بالاستنتاج ان القاعدة ستنتخب الاكثر تشدداً. ويرى ابراهيم غرايبة الباحث المتخصص في شؤون الحركة الاسلامية ان اندفاع الحركة نحو التشدد "مستبعد بفعل تركيبة الحركة الفكرية والتنظيمية" فهي تشكّل "من الطبقة الوسطى المثقفة المتسعة والممتدة جغرافياً وتاريخياً مما يحول دون التحولات الدراماتيكية"، ويفسّر قرار مقاطعة الانتخابات بأنه "مراجعة للحياة السياسية، وليس قطيعة معها"، معتبراً ان "حضور الحركة في مؤسسات المجتمع المدني يؤمن تواصلاً وتفاعلاً دائمين مع المؤسسات الرسمية والشعبية". الا ان الدكتور بسام العموش وزير التنمية الادارية الحالي الذي فصله "الاخوان" بعد مخالفته قرار مقاطعة الانتخابات يرى ان المقاطعة لم تزد على كونها "تصلباً في الموقف لم يقدم بديلاً مقنعاً". ويصف موقف "الجماعة" الحالي بأنها "في انتظار الامام الغائب الذي لا يأتي" ويؤكد موقفه السابق "مع المشاركة الدائمة في الوزارة او البرلمان وترسخت قناعتي بعد اشغالي الموقع الوزاري". وكان العموش نائباً في البرلمان السابق، وعضواً في مجلس شورى "الاخوان". وجاءت زيارة الملك حسين لمجمع النقابات المهنية تأكيداً لرغبة النظام في الانفتاح على المعارضة الاسلامية التي تسيطر على غالبية النقابات واعلن ان النقباء "محل ثقة" على رغم الاختلاف في وجهات النظر، الامر الذي يوفّر مزاجاً سياسياً معتدلاً قد ينعكس في الانتخابات الاخوانية الشهر المقبل. وكان وزير الداخلية الاردني نذير رشيد اشاد بالحوار الوطني الاخواني تمهيداً للانتخابات باعتباره "شأناً وطنياً" وثمّن دورهم الايجابي "على مدى نصف قرن في المسيرة الوطنية" غير انه طالبهم بالغاء كلمة "التشدد من القاموس السياسي الاردني". ويعتقد الوزير الاردني المخضرم ابراهيم عزّ الدين الذي كان له دور اساسي في مشاركة الاخوان في حكومة مضر بدران ان النظام الاردني ما زال يكنّ "كثيراً من المودة للحركة الاسلامية" التي لم تتورط في صدامات عنيفة معه، كما حصل مع باقي الاحزاب في الخسمينات، ما كوّن عند الحركة "خبرة ناجحة" في التعامل "تبقي خيوطاً ممتدة للتواصل" بينهما. ويعتبر ان حديث الملك الايجابي عن النقابات، وزيارتها لاحقاً، يؤكد ان الباب مع المعارضة "غير معلق" ويرى ان زيارة الملك حسين للنقابات شكلت "اختراقاً سياسياً" من خلال التعامل مع اكبر "جسم نقابي منظّم". غير ان المزاج السياسي ليس العامل الحاسم لدى القاعدة الانتخابية الاخوانية، والناخبون ليسوا التيار الاسلامي العريض الذي يتفاعل مع الاجواء السياسية وانما هم "الاخوان العاملون الذين تنطبق عليهم الشروط". وابرز الشروط حسب النظام الانتخابي الذي وضع في الاربعينات وتعرض لتعديلات طفيفة، ان يكون الاخ المسلم العامل: مسدداً لاشتراكاته 3 في المئة من اجمالي الدخل الشهري مما يستثني جزءاً كبيراً من القاعدة الاخوانية، خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، ويشترط في الناخب ان يبلغ 25 سنة قمرية مما يحرم طلاب المدارس والجامعات من العملية الانتخابية على رغم حضورهم الطاغي في الجسم التنظيمي والحركي وفي الادوار الجماهيرية والانتخابية. ويستثنى النظام الانتخابي النساء ايضاً، ولا يحق لهن التصويت او الترشيح على الرغم من ان عددهن يزيد في بعض شعب الاخوان على عدد الذكور. اما الشباب فقد اثبتت التجربة ان ما يزيد على 70 في المئة منهم يغادرون الجماعة بعد تخرجهم من الجامعة وانخراطهم بمشاغل الحياة اليومية. ويعتقد القيادي ذاته ان للطلاب دورهم في الانتخابات مشيراً الى تجربة انتخابات 1990 عندما تمكن طلاب الجامعات والحديثو التخرّج من "اقصاء القيادة المتشددة وانتخاب من يريدون لمجلس الشورى من خلال التأثير على الناخبين". وينتخب "الاخوان" حسب التعديل الاخير 40 عضواً لمجلس الشورى ينتخبون بدورهم خمسة اعضاء من خارج المجلس، وينتخب المجلس مراقباً عاماً ومكتباً تنفيذياً من تسعة اعضاء ويشكل المكتب القيادة اليومية للاخوان وهو الذي يشكّل الاقسام التنظيمية المختلفة. ويجتمع المكتب عادة بسبعة اعضاء، وتوزع مقاعد مجلس الشورى الاربعين على شعب الاخوان المقسّمة جغرافياً بحسب عدد "الاخوان العاملين" فيها فبعض الشعب لها ثلاثة ممثلين وبعضها بلا ممثل. ويتكتم الاخوان على عدد العاملين، وهناك من يوصلهم الى عشرة آلاف وهناك من يختصرهم الى ثلاثة آلاف، وتحيط بالانتخابات اجواء السرية، ولا يسمح بالكتل الانتخابية او الدعاية، ولا يحق لأحد ترشيح نفسه وانما "يزكّيه الاخوان". ويمكن رصد "تيارات" ثلاثة في الانتخابات المقبلة: التيار "المتشدد" الذي قاد الجماعة في دورة 1986 - 1990 واهم رموزه الدكتور محمد ابو فارس صاحب كتاب "حكم المشاركة في الانظمة الجاهلية"، والدكتور همام سعيد النائب السابق والاثنان يشغلان عضوية مجلس الشورى الحالي. والتيار "المعتدل" الذي قاد الجماعة من 1990 الى الآن واهم رموزه الدكتور اسحق الفرحان الامين العام لحزب جبهة العمل الاسلامي السابق والدكتور عبداللطيف عربيات الامين العام الحالي للجبهة، والشيخ عبدالرحيم العكور نائب المراقب العام. وتيار "الوسط" الذي ابتعد عن "المعتدلين" بعد تبني قرار مقاطعة الانتخابات النيابية، ومن رموزه غالبية اعضاء المكتب التنفيذي الحالي جميل ابو بكر وسالم الفلاحات وداود قوجق وعماد ابو دية. ويصعب على المراقب العثور على علامات فارقة بين "المعتدلين" و"الوسطيين" غير موضوع المقاطعة الذي ما زال سجالاً مفتوحاً بين تيارات الجماعة. وسيكون سجال "المقاطعة" ابرز عناوين الحملة الانتخابية الاخوانية التي انطلقت بهدوء، اذ شهدت الاشهر الماضية تحركات انتخابية في شكل ندوات وحوارات.