هناك ثلاثة معالم خلافية تميز حديث القمة العربية المتفاعل في الوقت الراهن: الأول، عن عدد الدول التي ستشارك فيها ثلاث أم أربع أم سبع، شاملة بحضور العراق أم بغيابه؟. الثاني، عن مكان الإنعقاد دمشق، القاهرة، الرياض،..؟ الثالث، محوره موعد الانعقاد منتصف حزيران/ يونيو الجاري أم آخره قبل إعلان الولاياتالمتحدة لمبادرتها الغامضة لتحريك المسار الفلسطيني أم بعد ذلك؟. ومع ما تشي به هذه المعالم من حيرة تعتري قيادة النظام العربي، إلا أن وطأتها تهون نسبياً الى جوار الاستفهام الأهم المتعلق بأهداف القمة ذاتها. المفاوض الفلسطيني يتحرق لقمة تعزز مكانته التي باتت مهددة في الداخل والخارج. وهو مستفيد من إلتئامها مهما كانت نتائجها. فهي إن جنحت إلى إعلان ثقتها في مواقفه التساومية حول نسب إعادة الانتشار المقبولة لديه، مكّنته من بيع هذا النهج إلى كل المعنيين، لا سيما المعارضين فلسطينياً. وإن أبدت امتعاضها من هذا التطبيع التفاوضي واتخذت جانب الرغبة في الالتزام الحر في الإتفاقات الثنائية على المسار الفلسطيني، أتاحت له فرصة الظهور أمام الشريكين الاسرائيلي والأميركي بصورة المفاوض المرن المتجاوب الذي بوسعه الاستقواء بسقف عربي أعلى وقتما أراد. أما إن فشلت القمة في بلوغ حد الصلابة المرغوب فيه من الشارع العربي الغاضب من غلو المفاوض الفلسطيني في سياسة التنازلات، فإن هذا المفاوض يستطيع الإدعاء بأنه ليس لديه في جبهة المساندة العربية، أبدع مما كان. وعليه، ليس على هؤلاء الغاضبين إلا ابتلاع غضبهم أو مساءلة القيادات العربية عن البديل. الشيخ أحمد ياسين زعيم "حماس" وجماعة الفلسطينيين غير المفاوضين، لا يريدونها قمة تتحرك على خلفية نتائج عملية التسوية أو إنقاذ ما يسمى بالسلام، بل "لدعم قضية المقاتل الفلسطيني" ومن ثم، الارتقاء الى السلام القائم على العدل في حده العربي الإسلامي الأدنى، أي استعادة كل الاراضي المحتلة منذ العام 1967 بما فيها القدس. ونعرف من خطاب الشيخ ياسين وحركته، أن هذا الحد مرحلي بدوره. وتأمل السياستان السورية واللبنانية في دعم عربي، لمواقفها المتضافرة من مراوغات حكومة الليكود ومناوراتها على مساراتها التفاوضية عموماً، بما فيها الشروط الاسرائيلية لتنفيذ القرار 425 بعد تفسيره بمعرفة "الأمن الاسرائيلي وفروضه اللا محدودة". ويذهب بعض المتفائلين هناك إلى طموح بلورة مشروع قومي عربي يردع الصلف الصهيوني، ويُكره الوسطاء والأطراف الثلاثة على إعادة عملية التسوية إلى مبادئها الأولى. ويبدو أن القمة والحال كذلك، مقبلة على معركة كلامية ومحاجات متبادلة بين الشركاء العرب المفاوضين على المسارات المتعددة، بل لا يستبعد أن تكون الرغبة في حسم هذه المعركة المتوقعة عبر التلاوم خارج قاعة القمة، بين أسباب مظاهر الخلاف آنفة الذكر. وتفعل مشاورات الكواليس العربية هذه خيراً لأعصاب أبناء الأمة، إن هي أفضت إلى الإتفاق على حد معقول يجدد التنسيق بين من فرّقتهم المسارات السرية والعلنية. ونحسب أن مصر ترى القمة محفلاً مناسباً، لتحويل مبادرتها حول عقد مؤتمر دولي لإنقاذ التسوية، إلى مبادرة عربية شاملة، فإن نجحت مع فرنسا، في استقطاب غالبية تتبنى المبادرة في مؤتمر "باليرمو للمشاركة الأوروبية المتوسطية"، بات للمبادرة قوة ضغط تعززها أمام الرفض الاسرائيلي والتردد الأميركي. ولأن مصر بحكم موقعها الريادي أهل لتمرير رؤيتها عربياً، فثمة احتمال بأن يكون موقف القمة تحدد فعلاً في إطار المناداة بالمؤتمر الدولي: سواء بعقد دورة ثانية لصيغة مدريد وهذه أوهن الصيغ بالنسبة الى الحقوق العربية، أو جرى الأمر بصيغة أخرى مستحدثة. من جانبه يتابع الرأي العام العربي هذا المشهد المحموم بغيظ شديد. إذ يعني التفاوض العربي- العربي الجاري، أن القمة وليدة حدث الساعة، وأنها تسعى إلى تطبيع موقف عربي على عجل، موقف لا تنتجه استراتيجية واضحة القسمات. هذا على رغم أن الأحداث والوقائع، وفي القلب منها التفاعلات على مسارات التفاوض مع اسرائيل، لم تفاجىء أحداً، باستثناء البعض ممن راهنوا على إنحراف حكومة الليكود وشركائه عن برنامجها الانتخابي منذ عامين. والظاهر أن هذه الحكومة بصدقيتها الأيديولوجية - السياسية أفسدت حسابات هذا البعض. ومما يشعل غيظ الرأي العام بصورة أقوى، تلك الأقاويل، الصحيحة على الأرجح، عن تفاوض عربي - دولي، مع الولاياتالمتحدة خصوصاً، يفعل فعله في حديث القمة، توقيتها وأطرافها ومكان إنعقادها والبيان المنتظر عنها. لا يستبشر الشارع العربي على الإطلاق، كما توضح منتدياته التي تجمع العامة أو الخاصة، باستمرار وجود الخطوط الحمر أو الصفر أو الخضر، أمام القمة العربية، مهما كان مصدرها. وفي هذا المناخ فإن التساؤل الأكثر تكرارية بين يدي غالبية العرب: أن أمماً كثيرة راحت تأخذ مصيرها بيدها وتراكم معاملات القوة الذاتية، غير عابئة بخطوط الآخرين المثلان الهندي والباكستاني يضغطان هنا بوضوح، فما الذي ننتظره نحن والتحديات التي تجابهنا أكبر مما يجابه الآخرين؟ وحين يتزامن هذا السؤال في العقل العربي مع ذكرى نكبتي 1948 و1967، يصبح هذا العقل في وضع لا يحسد عليه البتة. * كاتب فلسطيني مقيم في القاهرة.