عقد مؤتمر العمل الدولي في جنيف "جلسة خاصة" الخميس الماضي وناقش تقرير "المجموعة العربية" الذي اعدته منظمة العمل العربية عن الاستيطان الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة وآثاره على اوضاع المواطنين العرب تحت الاحتلال. ولاحظ التقرير ان السياسة الاستيطانية للحكومة الليكودية بزعامة بنيامين نتانياهو اسوأ من السياسة الاستيطانية للحكومة العمالية السابقة. وفسر بأن "سياسة نتانياهو الاستيطانية تنطلق من نصوص دينية توراتية والنفي الكامل لوجود الشعب الفلسطيني بينما تعاطت حكومة العمل مع الاستيطان من منطلقات سياسية". وأوضح التقرير ان حكومة العمل بقيادة رابين - بيريز ابتكرت نظرية المستوطنات السياسية والامنية القائمة على توسيع القائم منها باعتباره نمواً طبيعياً من دون اقامة مستوطنات جديدة، واعتمدت على مصادرة الاراضي بحجة انها اراضي دولة واستخدمت المحكمة العليا الاسرائيلية كأداة سياسية لإضفاء الشرعية على قراراتها. واعتمدت حكومة الليكود ما اسمته "حق اسرائيل التوراتي" في بناء المستوطنات اينما تريد وانطلقت في الاستيطان بصورة علنية صريحة في كل الاراضي التي تخضع لادارتها العسكرية، وفي اعتبار ان الاستيطان مسألة داخلية وحق لليهود أينما كانوا "على ارض اسرائيل التوراتية". ويعد اسوأ ما في هذه السياسة العمل على منع قيام دولة فلسطينية عبر تجزئة الاراضي طولاً وعرضاً وحشر الفلسطينيين في كانتونات وسط المستوطنات ما يحول دون تحقيق التواصل الديموغرافي، وفقاً لتصورات وزير البنية التحتية إرييل شارون التي يؤسسها على وهم "ساعة العمل الصهيوني التي حانت". ولاحظ التقرير العربي ان الخطط الاستيطانية الحالية تستهدف الوصول بالمستوطنين في الضفة الى 250 الف وتحقيق الاتصال بين التجمعات الاستيطانية داخل الخط الاخضر او خارجه وفق مفهوم التكتل على طول الطرق الالتفافية وانشاء مراكز تجارية وصناعية وخدمات على طول هذه الطرق، وتخصيص 530 مليون شيكل نحو 350 مليون دولار لهذا الغرض. ووفقاً للمفهوم الاسرائيلي اضفت اسرائيل صفة "الأفضلية القومية من الدرجة الاولى" على المستوطنات سواء في الاراضي المحتلة أو حتى مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني 123 مستوطنة، وسهلت اعطاء الموافقات والتصاريح اللازمة التي تصدرها وزارة الدفاع لصالح توسيع المستوطنات في الاراضي التي تخضع لسيادة السلطة الفلسطينية، ومنحت لهذا الغرض اعفاءات ضريبية لكل مشروع اسرائيلي يتم تنفيذه في الضفة وقطاع غزة الخاضع للسلطة. وفي شأن القدسالشرقية كثفت حكومة ليكود نشاطاتها في المدينة سواء على الاراضي وباتجاه المواطنين الفلسطينيين. وتنفذ في هذا الصدد اجراءات لتعزيز سيطرتها على المدينة وحصارها سكانيا وسياسيا وجغرافيا ونفسيا عبر الاستيطان وإحكام الاغلاق على المؤسسات الفلسطينية والعربية وطمس الهوية الاسلامية والعربية وتنفيذ سياسة "الترحيل في صمت" من خلال سحب الهويات من آلاف المقدسيين حتى تحولت المدينة الى شبه عزلة كاملة عن باقي مدن وقرى الضفة الغربية وقطاع غزة. وعرض التقرير لحالات "الاستهتار بقيمة الانسان غير اليهودي" وتجاهل المسؤولية القانونية والاخلاقية حيال ضحايا الانتفاضة وعزم الكنيست اصدار قانون يمنع التعويض عن المصابين وأسر الشهداء. كما تناول مصادرة حق ممارسة الشعائر الدينية ومنع اقامة الصلوات في المساجد والكنائس علاوة على الاعتداء على حرماتها وتشجيع المتطرفين اليهود على المساس بالعقيدتين المسيحية والاسلامية. ورصد التقرير حالات مصادرة الحق في التعليم من خلال الإغلاق المتكرر للمدارس وعرقلة إدخال المعدات والتجهيزات العلمية الى الجامعات والمدارس وعدم تخصيص ماليات لأجهزة التعليم وإهمال اعمال الصيانة. وترتكب اسرائيل مخالفات صريحة للحق في المأوى عبر السياسة الثابتة لهدم المنازل وتدمير الاثاث والممتلكات. ولاحظ التقرير ان هذه السياسة شهدت تصعيدا خطيرا من جانب حكومة نتانياهو وقدرت عدد المنازل التي تم هدمها بعد توليها السلطة اي خلال عامين بنحو 574 منزلا مقابل تدمير 1800 خلال عشر سنوات سابقة. وأشار التقرير الى انتهاك حكومة الليكود الصارخ لحقوق المرأة والطفل وحرية التنقل والسفر والعودة والتعبير واتفاقات منع التعذيب. وتحدث عن "استغلال الاستخبارات موساد واجهزة الامن الاسرائيلية حاجة مواطنين فلسطينيين للعمل بإيقاعهم تحت الابتزاز لتجنيدهم عملاء ومتعاونين، اضافة الى تعرض العمال الفلسطينيين للإيذاء البدني بأساليب رخصية مثل إطلاق الكلاب عليهم أمام أعين قوات الجيش". وجملة هذه السياسات ادت الى انعكاسات سلبية على المواطن والاقتصاد الفلسطيني ابرزها انخفاض الدخل وارتفاع معدلات البطالة. وإلحاق الاضرار بمؤسسات فلسطينية - نتيجة لعدم السماح لها باستيراد المواد الخام - وتوقف أو تباطؤ تنفيذ مشاريع لمؤسسات مالية دولية، ما اضطر السلطة الفلسطينية الى انفاق جانب كبير من الدعم والمساعدات التي تقدمها الجهات المانحة على برامج قصيرة الاجل لتوفير فرص عمل أو لدعم الدخل المحدود للمواطن. وأفرد التقرير مساحة للوضع المائي في الضفة الغربية وقطاع غزة اذ تفرض اسرائيل سيطرتها على الموارد المائية. وتركز السلطات حاليا اهتمامها على السفوح الغربية الشمالية للضفة الغربية الى منطقة جنين وطولكرم وقلقيلية اذ تقدر كمية ضخ المياه من هذه المناطق بحوالي 53 في المئة من الكمية الاجمالية، وحفرت آباراً ارتوازية بالقرب من منطقة قلقيلية بغرض استنفاد مخزون المياه الاستراتيجي علماً بأن المواطنين الفلسطينيين في المناطق الشمالية/ الغربية من الضفة الغربية يعتمدون اعتمادا رئيسيا على المحاصيل المروية كمصدر رزق اساسي. وطوقت اسرائيل منطقة الاغوار التي يستخرج منها حوالي 23 في المئة من المياه المستخدمة لأغراض الشرب والزراعة وسقي الماشية، بمجموعة كبيرة من المستوطنات ما ادى الى استنزاف كميات كبيرة من مياه الأغوار، علاوة على انخفاض منسوب المياه في الينابيع الساقية على مدار السنة نتيجة لزيادة عدد الآبار الارتوازية التي حفرتها السلطات الاسرائيلية لغرض تزويد المستوطنات. ويذكر ان شركة المياه الاسرائيلية ميكروت تسيطر كلياً على شبكات المياه في المناطق الشمالية الغربية للضفة الغربية وتشمل عرابة جنين، يعبد، كفريت، تباطه، طوباس، الزبايدة، برقين، عتابا، برطعة، وسيلة الظهر وتزود هذه المناطق بمياه الشرب فقط، وتحظر على المواطنين الفلسطينيين استعمال اي نسبة من حصتهم المائية لأغراض الزراعة. أما بقية القرى الأخرى في تلك المنطقة فلا يحق لها التزود بمياه شركة ميكروت الإسرائيلية حتى ولو كانت أنابيب المياه تمر من أراضيها. وأشار التقرير الى ان كمية المياه المستهلكة في الضفة الغربية تقدر بحوالي 25 في المئة من استهلاك المواطن الفلسطيني بسبب القيود المفروضة من قبل السلطات الاسرائيلية على حفر الآبار الارتوازية الجديدة، وتحديد كمية المياه المستخرجة وارتفاع تكلفة استخراج المتر المكعب الذي تبيعه شركة ميكروت للبلديات العربية والمستهلكين من المواطنين العرب بين شيكل ونصف الشيكل الى شيكلين، في حين لا يتجاوز سعر المتر المكعب في اسرائيل عن نصف شيكل فقط. وتخلو حوالى 75 في المئة من المناطق العربية من شبكات المياه التي تزود المواطنين بمياه الشرب، ويعتمد قسم كبير منهم على آبار الجمع، والقسم الآخر على الينابيع الصغيرة. وتزداد المشكلة المائية في لواء الخليل تفاقماً يوماً بعد يوم، بسبب الاستهلاك المفرط للمستوطنات لا سيما في كريات أربع، بينما تتهدد المياه التي تضخ الى مدينة الخليل من الآبار الارتوازية الموجودة في منطقة الأغوار بالجفاف التام. وترفض السلطات الاسرائيلية السماح باستعمال معونات وأموال خارجية لتجديد شبكات المياه في الضفة التي تجاوز عمرها 40 عاما، حرصاً من هذه السلطات على إحكام سيطرتها على سائر مصادر المياه