الجدل الذي دار، ولا يزال يدور، حول القمة العربية أساء إليها قبل انعقادها. إذا جازت المقارنة: مجتمع سياسي إسرائيلي موحد الموقف ازاء العرب على رغم كل ما فيه من تعدد واختلاف وصراعات، وفي المقابل عالم عربي مشتت المواقف على رغم المصالح التي تربط بين دوله، وأيضاً على رغم اعتراف حكوماته بأنها معنية بعملية السلام ومصيرها لأنه إذا كان هناك سلام يصنع للمنطقة، فإنه يمسّ مستقبل جميع الشعوب. أفاد التحرك السعودي تحضيراً للقمة في إلقاء الضوء على خلافات موجودة، ولا عيب في الاعتراف بها، بل العيب في عدم مواجهتها وتبديدها. والمسألة لا تخص هذه الدولة أو تلك بمقدار ما تتعلق بضرورة أن تكون القمة خطوة مفيدة فعلاً لا مجرد لقاء بروتوكولي. وطالما أن العرب أكدوا في القمة السابقة التزامهم عملية السلام، فمن الطبيعي أنهم حددوا سقف تحركاتهم وقراراتهم، وبالتالي فإن المطلوب ان تكون لهم كلمتهم في الانهيار الذي تتعرض له عملية السلام هذه، في ممارسات رئيس حكومة إسرائيل وسياساته المتطرفة، وفي الإدارة التي تتبعها واشنطن لتحريك المفاوضات. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل بقي في القضية مع إسرائيل ما يمكن أن يشكل التزامات عربية؟ استطراداً: هل تستطيع الدول العربية جميعاً ان تلتزم هذه الالتزامات، وإذا لم تكن قادرة على تنفيذها، هل تستطيع على الأقل الاعتراف بها وبموجباتها؟ استطراداً أيضاً: إذا لم يستطع العرب في زمن الحرب أن يتضامنوا جدياً، لأسباب تتعلق بظروف كل دولة وقدراتها، فهل هناك ما يمنع تضامنهم الآن للحصول على سلام معقول - إن لم يكن مشرفاً - مع إسرائيل؟ لا شك أن القمة أمام اشكالية موضوعية لا بد أن تبتّها وتحسمها، وهي تتلخص بالآتي: كيفية التوفيق بين عرب تربطهم بإسرائيل معاهدات وعرب لا التزامات لديهم تجاه إسرائيل، أي كيفية التوصل إلى مواقف وقرارات قوية وفاعلة يمكن أن تخدم الجانب العربي وتدعمه في التفاوض كما يمكن أن تواجه التطرف الإسرائيلي والعجز الاميركي. ثبت في التجربة أن التشكيك والتخوين والحملات الإعلامية وغيرها لا تنفع في إعادة اللحمة إلى موقف عربي متناثر الأجزاء. ثم أن الأزمة التي تعيشها عملية السلام لا ينفع فيها مجرد الكلام، بل ان القمة مدعوة لتحديد اجراءات عملية تعيد شيئاً من الصدقية والهيبة للعرب، فضلاً عن شيء من الوزن والمكانة، وأسباب ذلك واضحة: للأمم المتحدة دور لكنه محدود، للاتحاد الأوروبي دور لكنه محدود أيضاً، للولايات المتحدة الدور الأول والوحيد لكن إسرائيل صادرته. وكل هذه الأدوار لا تستطيع أن تحل محل العرب في ما يجب عليهم أن يفعلوه لحماية مصالحهم. قد لا يكون انعقاد القمة العربية مستحيلاً، لكن الأهم منه أن تنبثق من القمة متابعة دائمة لتطورات عملية السلام في ضوء القرارات التي يتخذها الزعماء العرب. حان الوقت، منذ زمن، لوضع خطة مواكبة عربية للمفاوضات - في إطار الجامعة العربية أو بموازاتها - وإلا فإن العمل العربي للسلام سيستمر على اخطائه من دون أي احترام لما يسمى "ثوابت عربية".