هل القمة العربية ضرورة، الآن؟ وهل تستطيع ان تقدم أي دينامية الى مساعي إنقاذ عملية السلام؟ وهل يمكنها الإجابة عن توقعات العرب وهواجسهم؟ وهل تبلورت لدى أهل القمة بدائل سياسية للتعاطي مع الإنقلاب الإسرائيلي على السلام؟ وأخيراً، والأهم، هل أن أهل القمة، أو على الأقل هل أن الدول المعنية مباشرة بالتفاوض مع اسرائيل متفقة على ما هو مطلوب من السلام وللسلام، وبالتالي هل هي متفقة على نهج واحد في معاملة اسرائيل ولو في حد أدنى؟ القمة ضرورة لسبب بديهي هو ان عملية السلام شأن اقليمي، وأيضاً لأن الجمود أو الحركة ينعكسان على جميع العرب سلباً أو إيجاباً. قبل سنتين التأمت القمة في القاهرة، غداة التغيير في السلطة في اسرائيل، وكانت مناسبة لتأكيد التزام العرب صيغة مدريد للتفاوض على السلام. لم يكن هناك ما يبرر نبذ بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب، وإنما كان من الواجب تذكيره بالأسس التي قامت عليها عملية السلام. اليوم، بعد سنتين كاملتين، وبعدما أغدقت الولاياتالمتحدة النصح للعرب كي يعطوا فرصة لزعيم "ليكود"، يبدو من الواضح أن المطلوب هو "إنقاذ" عملية السلام. وأكثر الأميركيون في الآونة الأخيرة من استخدام الأوصاف الكارثية: عملية السلام "تحتضر"، أو "تنهار"، أو "أمام طريق مسدود"... أي أن نتانياهو أخذ فرصته كاملة واستغلها لإنفاذ أفكاره وخططه وحصد النتائج التي يتوقعها. أي أن الأميركيين جربوا هذا الحليف الصعب وخبروه، لكنهم يحجمون عن اتخاذ المواقف المناسبة حياله، لأسباب تخصّهم. وهي أسباب لا تخصّ العرب. والعرب غير معنيين، بل يجب ألا يكونوا معنيين بپ"المعاناة" الأميركية المزعومة من التعنت الإسرائيلي. منذ بداية التفاوض كان للعرب خصمان: إسرائيل والولاياتالمتحدة. الآن، أصبح كل من الخصمين مشكلة في حد ذاته. فلا الإسرائيلي يريد أن يفاوض وإنما يريد أن يملي شروطه، ولا الأميركي قادر على القيام بالدور الذي يحتكره وإنما يعوّل دائماً على ما يمكن أن ينتزعه من تنازلات عربية. المأزق يكمن تحديداً في أنه لم تعد هناك تنازلات عربية متاحة، آخرها كان القبول الفلسطيني بنسبة انسحاب اسرائيلي مجحفة لكن الجشع الإسرائيلي تغلّب فكان أن بقيت "الأفكار" الأميركية مطروحة ومرفوضة تحت رحمة الإسرائيليين. من شأن أهل القمة العربية أن يدركوا مدى اعتماد حكومة اسرائيل على العجز العربي في تنفيذها سياساتها التخريبية. لكن من واجبهم ادراك أن هذا العجز يمكن أن يكون خطأ في التحليل. نتانياهو لن يتغير، كذلك الإدارة الأميركية، كذلك العجز العربي. هذه المعادلة يجب أن تتغيّر، أقله في جانبها العربي. من هنا، القمة مدعوة لإعادة تحديد المسؤوليات: هل تريد إسرائيل السلام أم لا؟ مع نتانياهو من الواضح أنها لا تريد السلام. إذاً، آن أوان نبذه وإعلان نهاية التفاوض معه. وهل تريد الولاياتالمتحدة أن تقوم بدورها أم لا؟ مع كلينتون من الواضح أنها، حتى إذا رغبت، لا تستطيع ذلك. إذاً، آن أوان دعوتها للإعتراف بالعجز وللمساهمة في إيجاد مرجعية أخرى لعملية السلام. لا جدوى من أن يضيّع العرب وقتهم في الإعتماد على الدور الأميركي ولا شيء غير الدور الأميركي، وأن يحجموا عن تفعيل الرأي العام الدولي وعن إعادة صياغة علاقاتهم الإقليمية بما يخدم مصالحهم. من غير المنطقي أن لا يقدم العرب على ما هو متاح سياسياً واقتصادياً، رضي الأميركيون أم لم يرضوا. ليس مطلوباً منهم قرار حربي، ولا هو متاح أصلاً، لكن المطلوب أن يكونوا حاضرين لا منسحبين من المواجهة التي تدور عملياً حول مستقبلهم. حتى أكثر المتهافتين على إسرائيل يعانون الآن من سياسات نتانياهو، فهم لم يسايروه إلا بحثاً عن مصالح ومكاسب ظنوا أنفسهم حاصلين عليها بالمزيد من الخنوع والخضوع، لكنهم الآن يحصدون النتائج. القمة فرصة، إن لم تكن لإعادة الروح الى العرب فعلى الأقل لوقف مهانة يومية بلغت أقصى درجاتها