محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    قبل مواجهتي أستراليا وإندونيسيا "رينارد" يستبعد "العمري" من قائمة الأخضر    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    «الاختبار الأصعب» في الشرق الأوسط    حديقة ثلجية    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    البنك المركزي السعودي يخفّض معدل اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء المعاكس    الهلال يهدي النصر نقطة    رودري يحصد ال«بالون دور» وصدمة بعد خسارة فينيسيوس    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    وزير الصحة يتفقد ويدشّن عدداً من المشاريع الصحية بالقصيم    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    نعم السعودية لا تكون معكم.. ولا وإياكم !    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    جودة خدمات ورفاهية    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    الأزرق في حضن نيمار    ترسيخ حضور شغف «الترفيه» عبر الابتكار والتجديد    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    الغرب والقرن الأفريقي    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    الاتحاد يتغلب على العروبة بثنائية في دوري روشن للمحترفين    ضبط شخصين في جدة لترويجهما (2) كيلوجرام من مادة الحشيش المخدر    المربع الجديد يستعرض آفاق الابتكار الحضري المستدام في المؤتمر العالمي للمدن الذكية    أمير القصيم يرعى حفل تدشين 52 مشروعا صحيا بالمنطقة بتكلفة بلغت 456 مليون ريال    فقيه للرعاية الصحية تحقق 195.3 مليون ريال صافي ربح في أول 9 أشهر من 2024 بنسبة نمو 49%    رحيل نيمار أزمة في الهلال    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    الدولار يقفز.. والذهب يتراجع إلى 2,683 دولاراً    رينارد يعلن قائمة الأخضر لمواجهتي أستراليا وإندونيسيا في تصفيات مونديال 2026    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ليل عروس الشمال    التعاطي مع الواقع    التكامل الصحي وفوضى منصات التواصل    الداخلية: انخفاض وفيات حوادث الطرق بنسبة 50%    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    سلام مزيف    همسات في آذان بعض الأزواج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثمن السياسي للاصلاحات في المجر وتشيخيا . اليمين يستفيد من النتائج المتواضعة للتجربة الديموقراطية
نشر في الحياة يوم 10 - 06 - 1998

ارتباطاً بما جرى مؤخراً في جمهورية المجر، حيث حقق يمين الوسط انتصاراً ساحقاً على الاشتراكيين في الانتخابات النيابية، يتوقع بعض المحللين الغربيين حدوث العكس في بلدان أوروبية شرقية أخرى، خصوصاً في جمهورية تشيخيا التي يحكمها بصورة فعلية حزب يمين الوسط المتمثل ب "المنبر المدني" منذ انتصار "الثورة المخملية" في 17 تشرين الثاني نوفمبر 1989 وإلى الآن.
وتأكيداً على ذلك، يحاول هؤلاء المحللون مقارنة الوضع بين المجر وتشيخيا، معتمدين على العامل الاقتصادي والتطور السياسي التاريخي للبلدين. فبالنسبة للمجر، فإن هذا البلد من حيث التمايز مع غيره من بلدان أوروبا الشرقية يعتبر أضعف الحلقات في منظومة هذه الدول بسبب ضعف اقتصادياته وشحة موارده الطبيعية وثقل الديون الخارجية التي كبلت طاقاته المختلفة، خصوصاً ديون البنك الدولي المتراكمة، المؤجلة أو المستحقة، مما دفعه إلى بيع العديد من مؤسساته الانتاجية إلى الشركات الغربية، بهدف الاندماج بالسوق الرأسمالية. بيد أن هذا الاندماج لم يتحقق على مدى السنوات الماضية التي حكم فيها الاشتراكيون البلاد، مما ضاعف من تأثير الأزمة الاقتصادية الداخلية التي غيرت قناعات الناس بإمكان تحقيق مجتمع الرفاهية الرأسمالي في ظل سلطة اشتراكية تحاول تقليل آثار صدمة التحولات باتجاه اقتصاد السوق، ومن هنا جاء الانعطاف الأخير في فوز يمين الوسط الذي روّج في برنامجه الانتخابي إلى امكانية الانطلاق نحو أوروبا الغربية بمضامين اقتصادية رأسمالية تنهي تخلف البلاد بصورة نهائية وتفتح آفاق التطور والازدهار أمام الملايين من الشعب المجري.
ويبدو ان التجربة الديموقراطية في المجر ما زالت تجربة فتية ومتواضعة، وهذا ما يبرره الخيار الأخير الذي تجلى بانتخاب يمين الوسط استناداً إلى الوعود المعسولة التي قدمها في اثناء التنافس الانتخابي، بينما يعتبر البعض من رموز اليسار المجري ان هذا الفوز لم يكن بفعل الوعود التي أطلقها يمين الوسط بإتاحة فرص اقتصادية واسعة أمام المجريين، وإنما بسبب حال الحذر أو عدم الاهتمام بالعملية الانتخابية من قبل معظم أنصار اليسار الذين لم يدلوا بأصواتهم، معتقدين باستحالة فوز اليمين استناداً إلى تجربة الواقع الملموس في الحياة العامة، مما أضر بالتوازن الاجتماعي ووفر امكانية الانتصار الساحق ليمين الوسط الذي من المؤمل أن يبدأ عملية الاندماج بأوروبا الغربية بوتائر متسارعة، لتفويت الفرصة أمام اليسار من استعادة مواقعه في ظل التباطؤ الذي من شأنه أن يخلق ظروفاً مأزومة تؤثر على مسار عملية الاصلاح الاقتصادي المطروحة.
وهناك من يتشكك في ظروف انبثاق هذه الظاهرة غير المتوقعة في مسار الحياة السياسية المجرية، معتبراً أن الشارع المجري عموماً لا يزال يحمل حساسية مفرطة تجاه اليمين بتياراته المختلفة، لذلك فإن ما جرى إنما هو وسيلة ارادها اليسار لاحراج أحزاب اليمين بعد أن عجز طوال السنوات الماضية عن تحقيق مشروع اصلاح الوضع الاقتصادي في البلاد، وهو يدرك جيداً ان دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة تراجعت بصورة كلية عن وعودها بتقديم المعونات الاقتصادية أو المالية، أو تسهيل انضمام المجر إلى أسرة الدول الأوروبية الرأسمالية بأقرب ما يمكن وذلك بعد أن انتفى خطر الاتحاد السوفياتي السابق عندما انهارت النظم الشيوعية الحاكمة في هذه البلدان، لأن تلك الوعود كانت بمثابة الوسيلة لتقويض المنظومة الاشتراكية السابقة ليس إلا، أما الآن فليست مضطرة كثيراً لتحويل الأموال إلى هذه البلدان، ومن هنا فإن أحزاب اليسار تتوقع فشل المشروع اليميني، مما يتيح لها فرصة ذهبية للعودة إلى الحكم بقوة بعد أن يجرب الشعب المجري هذه المرحلة ويعاني من النتائج المريرة التي تكشف زيف الوعود اليمينية.
وربما تكون قناعة المجريين تحولت باتجاه اليمين بعد مرور هذه السنوات التي لم يتحقق خلالها أي تقدم في الوضع الاقتصادي، فالبطالة تتزايد بصورة واضحة والتضخم يرتفع بوتائر مخيفة، ومجالات النشاط الاقتصادي أصبحت محصورة في السياحة والخدمات أكثر من الميادين الانتاجية المكلفة، وهبط مستوى الانتفاع بالمكتسبات الاجتماعية التي كانت تقدمها الدولة، كالتطبب والتعليم والضمان الاجتماعي وغيرها، لذلك فإن التوقعات التي أبداها بعض المحللين في امكانية حدوث العكس في جمهورية التشيك تنطلق من هذا الأساس.
توجد تجربتان متضادتان، لكن الوضع الاقتصادي في البلدين وإن اختلفت القدرات والطاقات والخيرات المتوافرة، لا يزال يراوح في مكانه منذ سنوات من دون أن يشعر المواطن العادي بأن هنالك تطور في واقعه، بل بالعكس، فإن سلسلة العمليات الاقتصادية أفرزت ظروفاً جديدة لا تقل صعوبتها عن الظروف السابقة. وبذلك تعرضت هذه الاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية في تشيكو - سلوفاكيا والمجر وغيرها من بلدان أوروبا الشرقية إلى وضع يصعب فيه التكهن بآفاقه المستقبلية.
ففي معظم بلدان أوروبا الشرقية أصبح المواطنون يعبرون عن عدم ارتياحهم للأوضاع القائمة وأصبح كثيرون ممن ساندوا "الثورات المخملية" يقارنون بين الأمس واليوم بحيث اعتبروا المراحل السابقة مثل حدوث هذه الثورات مراحل ذهبية، لأنها تؤمن العمل والخدمات والتعليم والتطبب والسكن وغيرها، أما الآن فكل شيء مقابل المال. وجاء هذا التحول في مزاج الناس نتيجة منطقية للارتفاع المستمر في أسعار المواد الاستهلاكية والخدمية والمحروقات، فضلاً عن تعطل أو تحول مجالات كانت متاحة سابقاً كالحصول على مسكن بصورة مجانية أو الاستقرار في عمل ثابت لا يخضع لإرادة أرباب العمل الذين يبحثون عن مؤهلات خاصة جداً، مما يحرم آلاف الناس من توفير مستلزمات معيشتهم.
وفي جمهورية التشيك ازدادت نسبة التضخم والبطالة وهبط الانتاج بنسب عالية في مختلف القطاعات. وتشير المصادر إلى أن حجم البطالة في مطلع العام الجاري يصل إلى أكثر من 120 ألف عاطل، وهذا العدد يشمل قطاع الدولة وحدها، لأن القطاع الزراعي والقطاع الخاص الفردي وليس المؤسساتي، لا يزال يستوعب المزيد من النشطاء اقتصادياً.
وشهدت السنوات الأخيرة ضعف القطاع السياحي الذي يعتبر واحداً من أبرز القطاعات المدرة للعملة الأجنبية التي تصل إلى بليون ونصف بليون من الدولارات، وانخفضت العائدات في بعض السنوات إلى 30 أو 40 مليون دولار فقط، وهذا الأمر لا يرتبط فقط بضعف الاشراف على القطاع السياحي والمرافق السياحية وإنما يرتبط أيضاً بحال الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد.
وفي العديد من المؤسسات الصناعية والزراعية تتصاعد حال التوتر بين العمال والجهات المسؤولة أو أرباب العمل بسبب المطالبة المستمرة لهؤلاء العمال بالمزيد من الحقوق الاقتصادية، علماً بأن دورهم في انجاح الثورة المخملية كان مرتبطاً بتحقيق هذه المكتسبات، في حين أنهم وعلى مدى السنوات الماضية، فقدوا الكثير مما كان في حوزتهم سابقاً، وربما يكون وضع الفلاحين أفضل بكثير من وضع العمال، لأن الريف التشيكي لا يزال متمسكاً بأسلوب التعاونيات الزراعية والخدمية التي خلقت نوعاً من الازدهار الاقتصادي في حال الفلاحين بسبب المنتوج الزراعي المطلوب تباعاً. لذلك كانت استجابة الريف التشيكي للثورة المخملية استجابة لا تذكر، ومن هنا فإن شعبية اليسار التشيكي ربما تتمركز أكثر فأكثر في الريف والمدن الريفية.
إن الاشكالية التي تواجه التجربة التشيكية تكمن في وجود شخصية محببة من قبل معظم الناس، وهي شخصية رئيس الجمهورية هافل، الذي يشكل نقطة موازنة في تطور الوضع، ولكن هافل يعاني من وضع صحي خطير، واحتمالات الانعطاف في التجربة هذه باتجاه صعود اليسار ما زالت قائمة، ويعتبر زمان أحد أبرز مرشحي اليسار الجديد، فقد حصل في الانتخابات الأخيرة على نسبة عالية من الأصوات في منطقته الانتخابية، وهو الآن يمثل تيارات الاشتراكية الديموقراطية في البرلمان التشيكي، لذلك فإن تطورات الوضع السياسي في كل من المجر وتشيخيا ربما تكشف عن تعقيدات كثيرة مرتبطة بالوضع الاقتصادي وتطوره، فالظروف المقبلة سوف تحدد القوة المعنية التي ستستفيد من ثمن الاصلاحات الاقتصادية وما تفرزه هذه الاصلاحات من نتائج تمس حياة الناس عموماً باتجاهاتها السلبية أو الايجابية، فالناس في الزمن الراهن أصبحوا يبحثون عن الجهة التي تحقق لهم المزيد من المكاسب الاقتصادية، لذلك فإن التمييز بين القوائم الانتخابية يخضع لهذا المقياس وليس لمقياس آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.