في خطوة مبكرة سلط رئيس وزراء الهند زعيم حزب باراتيا جاناتا أتال بيهاري فاجبايي الضوء على الأهمية التي يعطيها للعلاقات بين الهندوباكستان. ذلك انه توجه مباشرة بعد اداء القس م الدستوري الى مباراة للهوكي بين البلدين، وحيا اللاعبين وشهد من المباراة ما يكفي ليرى الهدف الأول الذي سجله فريق الهند. انه بيهاري بالضبط: بشخصيته الودودة وحبه للانتصار. يقود فاجبايي تحالفاً هشاً من 19 حزباً، وحكومة مترهلة فيها 42 وزيراً، ويتوقع ان تضم اكثر لاحقاً. انها باختصار قطة لها 19 ذنبا، ولا يتوقع احد ان تعيش طويلاً. واذا بقيت، فلن تكون فاعلة. لكن رئيس الوزراء كان ذكياً وشجاعاً في مجال التعيين. ذلك انه خالف المتوقع عندما حرم مورلي مانوهار جوشي، القيادي المرموق في باراتيا جاناتا والاقتصادي "القومي"، من حقيبة المال واعطاها الى يشوانت سنها، الحديث العهد نسبيا بالحزب والمعروف بخطه الليبرالي، في إشارة تطمين الى رأس المال، الداخلي منه والخارجي. كما وجه تحديا مثيرا للانتباه الى ذلك المشاغب الكبير، رئيس باراتيا جاناتا ل. ك. أدفاني، عندما اعطاه حقيبة الداخلية، أي المسؤولية عن حفظ الأمن. ولا شك في أن تعيين جورج فرنانديز لوزارة الدفاع سيمسح له باستغلال حبه للأضواء ومواهبه الاعلامية الصاخبة على أفضل وجه. اما احتفاظ رئيس الوزراء لنفسه بحقيبة الخارجية فهو اشارة الى الاهمية التي يعطيها للعلاقات الخارجية. إذا استطاعت حكومة فاجبايي الاستمرار، ولو حتى منتصف فترتها الرسمية، فإن تأثيرها الداخلي سيكون ايديولوجيا اكثر مما هو عملي، ويتوقع أن تشهد السياسة الخارجية تحته تغيرات مهمة. عن النقطة الأولى ركز باحثون في شؤون الهند، بينهم العالم السياسي المرموق أشيش ناندي، في ندوة علمية في سريلانكا على ان حزب باراتيا جاناتا يشهد تطورا مستمرا نحو الاعتدال والعلمانية، وان ما يدعم هذا الاتجاه اضطراره الى الاستعانة بحلفاء لا يشاطرونه اهدافه القومية الهندوسية الأصلية. انها نظرة مقنعة، اذ يتوقع لفترة باراتيا جاناتا في السلطة ان تشكل استمرارا للأوضاع السائدة بدل التغيير. أو ان التغيير، اذا حصل، سيكون "رمزياً" على حد تعبير أشيش ناندي. مع ذلك فقد يكون لباراتيا جاناتا تأثير بالغ السلبية، لأن للخطوات والاجراءات "الرمزية" دوما تأثيرها القوى على حياة الأمم والشعوب. ان من الممكن إلغاء الخطوات الفعلية بخطوات مضادة، لكن هذا لا ينطبق على صعيد الرمز وما له من تأثير على صياغة الثقافة والمنظور والهوية. انه أمر يعرفه الباكستانيون الذين عاشوا مرحلة ذو الفقار علي بوتو وسياساته "الشعبوية" وما فيها من انتهازية وضحالة، وأيضا الجنرال محمد ضياء الذي أطلق عملية "أسلمة" باكستان. وتبين ان اهتمام الأول بمصلحة الشعب الحقيقية لم يختلف عن اهتمام الثاني بالاسلام الحقيقي. وكان كل منهما براغماتيا الى حد ما، ميالا لاغتنام الفرص بدل المثابرة على المبدأ. مع ذلك فإن مبادراتهما "الرمزية" لا تزال تشوه حياة باكستان السياسية والثقافية. من جهته يحمل باراتيا جاناتا خطرا مزدوجا: الشعبوية من جهة، والطائفية من الجهة الثانية. واذا لم يستطع القيام بتغييرات فعلية ربما يحاول التعويض عن طريق اتخاذ خطوات رمزية في اتجاه تحقيق وعوده باقامة "أمة واحدة وثقافة واحدة". وكما لاحظ بقلق شاعر البنغال رابندرانات طاغور قبل سبعة عقود فإن من شأن خطوات رمزية من هذا النوع الحاق اذى كبير ببلد متعدد الثقافات والاثنيات والمراتب مثل الهند. تخيم على جيران الهند، خصوصاً باكستان، اجواء القلق والتوجس. وتفاقم ذلك اثر تصريحات قادة باراتيا جاناتا عن ادخال السلاح النووي على ترسانة الهند. وانطوت التصريحات على قدر من الغموض حول نوايا الحزب الحاكم. وعلى جيران الهند، الذين لا يريدون العيش تحت ظلال السلاح النووي الهندي، ان يأخذوا التصريحات بأكثر ما يمكن من الجدية ويبذلوا كل الجهد لاقناع نيودلهي بالتحول عن هذا الخط البالغ الخطر، وهو خطر مضاعف بالنسبة لباكستان، لأنها الجارة الوحيدة التي لا تزال خلافاتها مع الهند من دون تسوية. إلى ذلك فلا بد لبيئة باكستان الأمنية أن تتأثر سلبا بتفعيل برنامجي "برثفي" و"أغني" الهنديين للصواريخ، وهو ما يتطلبه ادخال السلاح النووي على ترسانة الهند، وستكون باكستان الوحيدة من بين دول الجوار التي عليها مراجعة خياراتها في ما يخص تملك السلاح النووي. وستكون الضغوط السياسية في باكستان، إذا أقدمت الهند على خطوتها، من الشدة إلى درجة تتغلب على اي موقف عقلاني. هناك حاجة ملحة الى الضغط على الهند من اجل منعها اضافة السلاح النووي الى ترسانتها. لكن اذا كان للضغط ان يكون فاعلاً يجب ان يتسم بالتنظيم والهدوء. إلا أن التصريحات الأخيرة عن الموضوع من قبل المسؤولين الباكستانيين تبين انهم يستمرون في اغفالهم العلاقة بين الكلام وتأثيره، كما يغفلون الحد الفاصل بين الديبلوماسية والدعاية. وعلى القوى الكبرى ان تبرز مدى قلقها وتصميمها، عن طريق الضغط القوي المتواصل من جهة والصمت التكتيكي من الجهة الثانية. أما التهديد والتهويل فيحولان هذه القضية الحيوية الى نزاع اقليمي ينحصر في جنوب آسيا. علينا، من دون التقليل من اهمية أمن جنوب آسيا، ان ندرك ان تطلع باراتيا جاناتا الى السلاح النووي لا يستهدف باكستان. بل ان الحزب الحاكم هو من الاطراف القليلة في الهند المرتاحة تماماً الى تقسيم شبه القارة. ذلك ان باراتيا جاناتا المتمسك بالطائفية سعيد تماما باقصاء نحو 250 مليون مسلم من سكان باكستان وبنغلادش عن الهند، وكان التقسيم بالنسبة لمعتنقي هذا التوجه بمثابة حلم وجد طريقه الى الواقع ولا يريدون العودة عنه. أما عن التطلع الى الهيمنة فان قادة باراتيا جاناتا يدركون تماما انها لا تأتي عن طريق القنابل النووية او اي نوع اخر من القنابل. الهدف الحقيقي من اعلانهم عن السلاح النووي هو رغبتهم دخول "نادي القوى العظمى"، وهي رغبة خطيرة في حماقتها لكنها حقيقية. التزم باراتيا جاناتا منذ زمن طويل اضافة السلاح النووي الى ترسانة الهند وهو ما قد يقوم به الحزب فعلاً. وليس هناك عوائق داخلية، لأن الرأي العام في الهند، مثلما في باكستان، لا يعارض السلاح النووي، بينما يقتصر الخلاف على القضية في الفئات الحاكمة على القدر من الغموض الذي يجب ان يحيط بتملك الهند لهذا النوع من السلاح. إلى ذلك سيبقى التحالف الذي شكله باراتيا جاناتا هشاً، ما يعني انه لن يتمكن من تحسين الأوضاع المعاشية، وهو ما يطلبه الرأي العام بشدة. وقد يدفعه هذا العجز الى المزايدة في القضايا "الوطنية". من هنا الحاجة الى استئصال دوافع باراتيا جاناتا الذاتية عن طريق الضغط من الخارج. والسبيل الأفضل الى ذلك الديبلوماسية الهادئة وليس التحذيرات الصاخبة والمواجهات. يبدي فاجبايي منذ سنين اهتماما خاصا بباكستان، ويرى ان العلاقات الطيبة معها شرط ضروري لتمكين الهند من لعب دور رئيسي على الصعيد العالمي. وأكد دوما ان "القوى العظمى تستغل خلافاتنا". مع ذلك جاءت محاولاته المتحمسة لتحسين العلاقات لتفاجئ المسؤولين الباكستانيين. ويرجح انه سيقوم بخطوات قوية نشيطة لتحسين التجارة والعلاقات الثقافية. ويستبعد تماماً ان يبحث في شؤون كشمير على اسسس تقبل بها باكستان أو حتى كشمير نفسها. كما ان ضآلة غالبيته لا تمكنه، حتى لو اراد، الغاء المادة 370 من الدستور الهندي، لكن بامكانه تصعيد النشاط العسكري في كشمير، كذلك تصعيد الحرب الخفية مع باكستان. واذا اخذنا في الاعتبار تركيب الفئات السياسية السائدة في باكستان، فإن رد اسلام آباد قد يكون بالمثل، ما يخلق وضعاً قابلاً للتدهور السريع. على باكستان ان تحتسب خياراتها بعناية في حال اعلان الهند رسميا حيازتها السلاح النووي. إذ أن ذلك يطرح عليها عدداً من الاسئلة، من بينها: ما هي الفوائد الاستراتيجية أو السياسية من التخلي عن مراوغتها الحالية حيال حيازة باكستان للسلاح النووي، في الوقت الذي تفترض فيه كل الاطراف انها تملكه فعلاً؟ هل هناك ضغط على باكستان لدخول "نادي الكبار" مثلما على الهند؟ وهل سيطلق الاعلان سباقا عالي الكلفة للتسلح النووي مع الهند؟ انها اسئلة جدية تتطلب الكثير من التحليل والتفكير والنقاش. وان هناك نوعاً من التحريم لهذا الموضوع لا بد من تحديه من قبل المسؤولين وفتح نقاش عام عنه. هناك أيضاً حاجة ملحة لإعادة طرح قضية كشمير، خصوصاً مع تغير الحقائق على الأرض هناك، وهو تغير لا يمكن مواجهته عن طريق الاستمرار في التذكير بالانتهاكات المستمرة لحقوق الانسان التي ترتكبها الهند، أو استهجان التصريحات المتشددة من العسكريين الهنود. بدل ذلك علينا ان نحدد المصلحة الوطنية بوضوح من جهة، وكيفية انعكاس التغيرات في كشمير عليها من الجهة الثانية. العنصران الأهم في مجال الأمن الباكستاني هما احلال السلام في أفغانستان وتحسين العلاقات مع ايران، فهما جارتان تجمعنا معهما حدود طويلة وروابط حضارية وتاريخية عميقة. وكانت ايران وقتا ما صديقاً وفياً لباكستان وعنصراً من عناصر أمنها، إذ كان هناك تكامل بين المتطلبات الأمنية للبلدين. لكن العلاقات تراجعت بسبب موقفنا من قضية أفغانستان في السنين الأخيرة، ومن هنا فإن افغانستان هي نقطة البداية الأمثل لتحسين العلاقات. كان المفترض بعد انسحاب السوفيات من أفغانستان، ثم تخلي الأميركيين عنها بعد ان حققوا الغرض المطلوب، ان يتوقف التدخل الخارجي. لكن ذلك لم يحصل. وإذ ينفي المسؤولون الباكتسانيون أية مسؤولية عن الوضع فإن ذلك لا يقنع أحداً. فالواقع هو ان باكستان هي القوة الاقليمية الأكبر في المنطقة، واختارت مساندة حركة الطالبان، المعادية بشدة للشيعة في أفغانستان. وادى هذا الى وقوف ايران، اضافة الى اوزبكستان وروسيا، الى جانب المعارضة، المفككة والمتضاربة الاهداف، أي ان التدخل الخارجي عاد ليمارس تأثيره على المجتمع الأفغاني المبتلى أصلا بالقبائلية وما تحمله من عنف، وأيضا على اقتصاد المخدرات والسلاح والتهريب. إن افغانستان اليوم بلد فقد نقطة ارتكازه، ولم يعد فيه كما كان سابقاً أهل الحل والعقد القادرون على تسوية الخلافات وتأمين الاستقرار. لذلك فلا بد للحل ان يأتي من الخارج، خصوصاً من باكستانوايران، اللتين عليهما مساندة محاولات الأممالمتحدة التوصل الى تسوية.