الاخطر في الصعوبات التي تواجهها خطة السلام الدولية لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية ان يعود الوضع الى نقطة الصفر، ليس فقط من خلال تعثّر المساعي المبذولة، ولكن تحديداً من خلال إمكان تصعيد الخلافات القائمة بين المغرب والجزائر. فالحل المقترح اذا كان يراعي المعطيات التاريخية والقانونية والسياسية التي تحكّمت في مسار ذلك النزاع منذ اكثر من عشرين عاماً، فانه هدف الى تجاوز المشاكل الاقليمية التي كانت سبباً في اندلاعه واتخاذه الأبعاد التي يرتديها اليوم. لكن اتفاق الاطراف المعنية كافة، وفي مقدمها المغرب وجبهة "بوليساريو"، ثم الجزائروموريتانيا باعتبارهما مراقبين في خطة الاممالمتحدة، لم يحل دون بروز الصعوبات، اقلها رهن احراز التقدم بالتسوية النهائية لعمليات تحديد الهوية التي تطاول الرعايا المتحدرين من اصول صحراوية. لكن الاشكالية الاكثر تعقيداً هي العلاقة بين المغرب والجزائر. الثابت ان حدوث الانفراج في هذا المسار ينعكس ايجاباً على تعاطي الاممالمتحدة مع قضية الصحراء، وكذلك حال العلاقات بين العواصم الاعضاء في الاتحاد المغاربي في حين ان تأزم هذه العلاقات تكون له مضاعفات سلبية على مختلف المستويات وضمنها مساعي الاممالمتحدة في ملف الصحراء. وبالقدر الذي تدرك فيه الرباطوالجزائر على حدّ سواء هذا الواقع الذي لم يعد افتراضياً، تدرك عواصم اوروبية وجهات اجنبية عدة ان مصلحة المنطقة المغاربية في ضمان الامن والاستقرار وتكريس التعايش رهن انهاء المشكل الذي وصف مرات عدة بأنه بمثابة "مسمار يدمي الاقدام" فليس في وسع الجزائر ان تنصرف الى تطبيع اوضاعها الداخلية مع استمرار ايواء آلاف اللاجئين الصحراويين في مخيمات تيندوف، بما يفرضه الموقف من دعم ومساندة ومن حذر ازاء انفلات الوضع الامني هناك على حدودها الجنوبية مع المغرب وموريتانيا. وليس في امكان الرباط ايضاً ان تتحمل الاكلاف المتزايدة لاعباء الدفاع عن السيادة من دون ان تتضرر اقتصادياً، او من دون ان تتراجع الالتزامات المغاربية الى مرتبة اقلية في الاولويات، والحال ان موريتانيا بدورها تعاني من انعكاسات نزوع الصحراويين واستقرارهم في المناطق الشمالية، إن على الصعيد الامني، او على صعيد المخاوف الناشئة من تغيير تركيبتها السكانية. ان وجود هذا "المسمار" في الاقدام المغاربية لا يعيقها فقط عن السير الى الامام، ولكن عدم نزعه في الوقت الملائم بات يهدد باستشراء مضاعفات على انحاء عدة في الجسم المغاربي. ليس الخلاف القائم بين المغرب والجزائر، كما تعكسه الحملات الاعلامية منفصلاً عن الموقف من تطورات قضية الصحراء. وحتى ان بدا ان ظاهره يرتدي طابعاً امنياً بالنظر الى انعكاسات سريان مفعول اغلاق الحدود بين البلدين سنوات عدة، فان الامن الاكثر مدعاة نحو الاستقرار والتعايش يمرّ عبر انهاء قضية الصحراء. اذ بدون ذلك لن تنفع اي محاولات لمعاودة ترتيب علاقات البلدين الجارين، وليس يهم انهما يتحدثان بصوت مسموع عن الاستفتاء وعن الحياد وعن الالتزامات الدولية، ولكن الاهم ان احاديث الكواليس تركز على قضية الصحراء، والمفترض ان تتحول الى مبادرات، أقربها الى الاحتمال التزام الصراحة والوضوح في دعم الخيار الدولي برسم الاستفتاء.