حين كان عزت ابو عوف رئيساً لفرقة "فور إم" الغنائية، وأشهر اعضائها، لم يكن الكثيرون يحملون له أية مشاعر، بل إن حجم الانتقادات له ولشقيقاته فاق الثناء بكثير. لكنه حين اتجه الى التمثيل حقق نجاحاً ملحوظاً في سنوات قليلة، على رغم انه لم يقم بأية بطولة كاملة بعد. "الحياة" التقته وحاورته عن التمثيل والغناء والطب: هل لديك تفسير للطريقة التي سارت بها حياتك العملية؟ - يضحك في الحقيقة لا. لكن يمكن أن نقول مثل الفلاسفة اليونانيين القدامى ان الانسان يظل يكتشف في نفسه موهبة جديدة حتى آخر لحظة في حياته. اقصد نجاحك كممثل بشكل لم يتحقق حين كنت مطرباً؟ - لم أكن مطرباً في يوم من الايام، وانما رئيس فريق غنائي. وكان دوري قيادة الفريق والعزف على الاورغ، ولم أكن اغني الا في حالات محددة وعند الضرورة. هذه مقدمة لا بد منها. واعتقد ان فريق "فور إم" كان فريقاً غنائياً ناجحاً. لكن الفرق ان نجاحي حاليا ينسب لي وحدي، أما مع الفرقة فكان يقسم على خمسة افراد، هم الاعضاء الاساسيون في الفرقة. على رغم نجاحك ألا تعتقد أنك ما زلت "تتحرك في مكانك" في مجال التمثيل؟ - انا ممثل منذ سبع سنوات فقط. واعتقد انني خلال هذه الفترة حققت خطوات جيدة في هذا المجال لا اعتقد انها تحققت لآخرين، لكنك ربما تقصد أنني لست صغيراً في السن لأتدرج في الشهرة كما هو الحال مع الممثلين الجدد. لم تحصل على دور بطولة بعد، كما أن معظم ادوارك متشابهة؟ - لا اعتقد ان ادواري متشابهة، وإن كان معظمها ينتمي الى مدرسة الشر. الا ان هذا المجال واسع، وهناك عباقرة لم يقدموا سوى الشر مثل ستيفان روستي ونجمة ابراهيم. اما بالنسبة الى البطولة، فأنا لم احلم بها مطلقاً، ولا اسعى اليها لأن مشاكلها اكبر من محاسنها. وما مشاكلها؟ - بطل العمل يتحمل المسؤولية الكاملة امام الجمهور، في حين ان هناك تفاصيل كثيرة لا تستطيع ان تتحكم فيها، مثل حدود الانفاق على الانتاج والممثلين المشاركين مع البطل ناهيك عن العوامل التقنية الأخرى مثل التحميض والطبع والصوت وغيره، وكل هذه الامور تتعرض لعثرات كثيرة في مصر، فهل بعد كل ذلك ترى أنني يجب أن اسعى وراء البطولة المطلقة! لكنك قلت في حوار سابق ان البطولة ستظل احدى امنياتك؟ - وما زلت عند رأيي في انني احلم بأدوار البطولة المطلقة، لكن بشروطي أنا. وما شروطك؟ -ان يكون مستوى العمل جيداً جداً، وأن يحقق لي نقلة في مشواري الفني، ويضيف الى رصيدي البسيط الذي حققته. فأنا لا اركض وراء البطولة ولا حتى التمثيل، الا بالقدر الذي يشعرني بالاستمتاع لتأدية عمل احبه، لأنني "مستور" والحمد لله. بمعنى آخر لست مضطراً لتقديم أية تنازلات فنية من أجل المادة، ولا ايضا من أجل البطولة. وقد رفضت اعمالاً كثيرة عرضت عليّ خلال العامين الماضيين لعدم اقتناعي بها، على رغم أن ادواري كانت بطولة مطلقة. هل ترى أن وضعك في عالم التمثيل يسمح لك بفرض شروط؟ - شروطي عامة وليست خاصة بي، وهي سهلة التحقيق. ثم أنني، كما قلت، لست مضطراً لتقديم عمل لا أحبه، ولا أشعر أنه سيفيدني. هل هذا الوعي الفني العميق من مميزات النجومية المتأخرة؟ - نعم. فأنا في عمري هذا 49 عاماً شبعت نجومية من فريق "فور إم"، واكتسبت خبرات حياتية هائلة تجعلني اقيّم الامور وفقاً لمعايير واقعية، بعيداً عن الانبهار بالشهرة والثروة والسعي لمجرد الوجود. ولماذا لم يحمك وعيك الفني من النمطية في ادوارك؟ - لا أرى أن ادواري نمطية، حتى وإن كان معظمها شريراً، فأنا قدمت أدوار الزوج المخادع، والسياسي الانتهازي، ورجل الاعمال النصاب. وكل دور من هذه الادوار مختلف تمامآً عن غيره. وعلى رغم أنني في طريقي لتقديم ادوار طيبة، الا أنني سأعود لأدوار الشر لأنني أفضلها. ما الدور الذي تتمنى أن تقدمه؟ - شخص متخلف ذهنياً، فقد قضيت فترة بعد التخرج من كلية الطب في قسم التخلف العقلي في مستشفى الامراض النفسية، وعشت سنوات مع هؤلاء الاشخاص الذين يملكون شعوراً انسانيا كاملاً، ولا يملكون وسائل التعبير عنه، إذ أن نموهم العقلي يتوقف عند مرحلة الطفولة، وهم في حالتهم مثل من يتعامل مع الناس من خلف زجاج سميك، يراهم ويحس بهم لكن لا يستطيع التحدث معهم. تنقلك من الطب الى الموسيقى الى التمثيل، الا تعتبره نوعاً من عدم التركيز؟ - ممكن لأي شخص أن يعتبره كذلك إذا لم يعرف الظروف التي وجهتني لكل مجال. فالطب مثلا درسته بناء على إلحاح ابي، ولأني ابنه الوحيد فقد أصر على إلحاقي بكلية الطب لدرجة انه اجبرني على أن اعيد الثانوية العامة ثلاث مرات الى أن احصل على مجموع يؤهلني للالتحاق بكلية الطب، وكنت وقتها في سن لا يسمح لي برفض رغبته ودرست الطب. وتخرجت في الكلية، بل وأنجزت الجزء الاول من أطروحة الدكتوراه في انكلترا، أما الموسيقى فكنت اعشقها منذ طفولتي، ودرست اصولها في الكونسرفتوار، وحين عدت من انكلترا قابلت اصدقائي القدامى الذين كانوا يشاركونني حب الموسيقى. وفي مقابلاتنا الكثيرة جاءت فكرة تكوين فريق غنائي، وتحمست شقيقاتي للفكرة خصوصاً انهن درسن الموسيقى، فظهر فريق "فور إم"، ونجحت، الى أن بدأت شقيقاتي في الاعتزال واحدة بعد الاخرى لظروفهن العائلية، فقررت اعتزال الفن نهائياً، لكن الصدفة اعادتني اليه من باب التمثيل. وما تلك الصدفة؟ - بعدما اعتزلت قررت عمل مشروع سياحي في الغردقة، واشتريت مركباً، وعشت هناك نحو عامين، الى ان قابلني صديق يعمل مساعداً للمخرج خيري بشارة، وكانت مفاجأة حين اخبرني ان خيري يبحث عني ليسند لي دوراً في فيلم يستعد لاخراجه، من بطولة المطرب عمرو دياب. في البداية اعتقدت ان صديقي يجاملني لكنه طلب مني الاتصال بالمخرج فاتصلت به ووجدته يطلب مني ان أوقع العقد واتسلم نسخة من السيناريو. وأمام هذا الحماس نسيت قراري وشاركت في فيلم "ايس كريم في جليم" ليكون فاتحة خير عليّ. اذا كان الانسان حصيلة خبراته فماذا استفدت من دراسة الطب والتمثيل والغناء؟ - لم استفد من الطب في عملي بالغناء لأن المجالين كانا متزامنين. لكن بشكل عام افادتني دراسة الطب في تنمية القدرة على اتخاذ القرار السليم، لأننا تعلمنا في الكلية ان نعرف اعراض المرض لنتمكن من تشخيصه ومن ثم تحديد العلاج. وهذه القدرة افادتني في اختيار الاعمال التي اشارك فيها حاليا كممثل، حتى أنني اقبل عُشْر الاعمال التي تعرض عليّ. اما الموسيقى فقد اكسبتني رهافة الحس. ما حكاية هوايتك الغريبة في جمع علب الكبريت؟ - احب جداً الاحتفاظ بذكرياتي. يعني مثلاً أنا محتفظ بصور لي منذ كان عمري اسبوعاً، كذلك احتفظ بصور لزوجتي وابنائي واخواتي في مراحل عمرهم المختلفة. كذلك احب الاحتفاظ بذكرى من اي بلد ازوره أو أي مطعم ارتاده، ووجدت ان علب الكبريت اسهل تذكار يمكن الاحتفاظ به، ولهذا حرصت على أن احصل على علبة كبريت من كل مكان ازوره او طائرة اركبها. وجمعت حصيلة تذكاراتي من علب الكبريت في مكان في غرفة الطعام في منزلي، لكن فوجئت في احد الايام أن الخادمة استخدمت كل ما جمعته اثناء غيابي في رحلة طويلة.