تعبيراً عن التبرم من ضجيج الثقافة الاعلامية والسمعية البصرية في وجدان وحواس الناس، ووعياً بأن زمن العالم لا يمكن ان يستوعبه النفس الروائي لوحده، اعلنت مجموعة من المعنيين بالفعل الشعري عن تشكيل هيئة لمن ما زال يؤمن بأن للشعر حيزاً في القلب والمخيلة والوجدان، وذلك في شكل جمعية اصرّ مؤسسوها على نعتها بپ"بيت الشعر في المغرب"، وذلك قبل اكثر من سنة. ولكلّ الحرية في تأويل التسمية بالطريقة التي تستجيب لانتظاراته. فبعد ان اصاب الممارسة الشعرية في المغرب ارتباك على الصعيد المؤسسي سواء من زاوية اهتمام الاطر التقليدية التي دأبت على رعاية وتنظيم الابداع مثل اتحاد كتّاب المغرب، أو من منظور النشر والتوزيع. وفي هذه الحال لا يختلف المغرب عن باقي دول العالم من حيث تقلص الاهتمام بنشر الشعر يبدو العامل الأهم، على ما يبدو، هو الانكباب على حقل الابداع الشعري بعدما تعرض له من فقدان ثلة رائدة للقصيدة المغربية الحديثة من طراز احمد المجاطي ومحمد المختار الكنوني وعبدالله راجع. بعض من ساهم في اطلاق مبادرة "بيت الشعر" احس بيتم اكيد بضياع هؤلاء المبدعين، الذي لا يمكن لأي مهتم بالحركة الشعرية المغربية ان يغيبهم من افق البحث والتقويم، وكان لا بد من اعلان الاستمرار في الحضور ولمّ الاختلافات داخل "بيت" قد يوفر بعض شروط الدفء الشعري في زمن يعاند ويحد من وهج الشعر، بل وحتى من الحاجة اليه. هكذا في 8 نيسان ابريل من سنة 1996 اعلن الشعراء: محمد بن طلحة - الذي انفصل عن المجموعة في ما بعد - محمد بنيس، حسن نجمي وصلاح بوسريف عن نية تأسيس "بيت الشعر في المغرب" بواسطة بيان. وفي 21 كانون الأول ديسمبر من السنة نفسها وقع التأسيس الفعلي، اذ انضم عدد آخر ممن يكتبون الشعر سواء في اللغة العربية او الفرنسية او الآمازيغية. فالذين اطلقوا الفكرة رفضوا تسييج "بيت الشعر" بلغة واحدة سيما لأن الممارسة الشعرية في المغرب من التنوع بحيث يصعب حصرها في لغة استثنائية، وحجة البيان التأسيسي "تعتمد على الشعر ولا شيء غير الشعر"، وإنشاء البيت جاء استجابة لما "يتطلبه الشعر المغربي من مباشرة اللقاء حول الشعر والشعراء، تعتمد الروح الابداعية لطبيعة البيت ولبرنامجه". من هذا المنطلق كل ما يقترب من الممارسة الشعرية وما يرفع من شأن هذا الجنس الابداعي مدعو سلفاً، ومن دون طقوس الاستقبال والضيافة، الى بيت الشعر. من احياء امسيات للشعراء المغاربة، وقراءة الدواوين والتجارب، والاشتغال على المسألة الشعرية، والقيام بحفريات في الشعر المغربي وتنظيم محترفات القراءة والترجمة والنشر والتواصل مع شعر وشعراء المغرب العربي، واستضافة شعراء من الاقطار العربية ومن خارج العالم العربي، والاهتمام بالفنون الداعمة للفعل الشعري... الخ. برنامج طموح اثبتت سنة 1997 ان رواد البيت عازمون على تنفيذ كثير من افكاره. وكان يوم 8 نيسان ابريل 1997 يوم تدشين أول نشاط فني للبيت، ثم التهيؤ له باعتباره يوماً وطنياً حيث تحول فيه الشعر، لأول مرة، الى طقس احتفالي شارك فيه عدد كبير من المولعين بالهاجس الشعري من كل الاعمار، كما لبى الشاعر ادونيس دعوة "بيت الشعر في المغرب" بكتابة كلمة خاصة نشرت في الصحف ووسائل الاعلام المغربية، وبعض الصحف العربية، اختار لها عنوان: "معنى اول، بعد المعنى الأول" القصد من كل ذلك اجتراح وسائل اخرى لممارسة مغايرة للابداع والحياة والتواصل داخل صيرورة ثقافية وأدبية اقتضت تطوير اساليب العمل وتجديد الثقة في الممارسة الادبية والشعرية خصوصاً التي انهكتها اساليب العمل التقليدية. وقد تقرر جعل 8 نيسان من كل سنة يوماً وطنياً مفتوحاً وحراً للاحتفال بالشعر والشعراء. وأثبتت تجربة هذه السنة وجود رغبة جماعية اكيدة في جعل سؤال الشعر قضية مطروحة على الحقل الابداعي المغربي وغيره، وتجلت عناصرها في واجهتين: اعلامية وثقافية، ذلك ان منشّطي "بيت الشعر في المغرب" وظفوا وسائط الاتصال الممكنة من اجل ذلك، حيث تحرك الاعلام، باللغتين العربية والفرنسية، في اتجاه دعم الحركة الشعرية من خلال برامج ولقاءات وحوارات وتغطيات وقراءات شعرية ونشر قصائد من الشعر المغربي والعربي والعالمي، ثم تحفيز الجمعيات والهيئات على تنظيم مهرجانات وملتقيات حول الشعر، اشراك فعاليات فكرية واجتماعية في هذه الحركية بما يسمح لها باستئناف علاقتها بالكون الشعري، دعوة المكتبات الى تخصيص واجهاتها لعرض الاعمال الشعرية والكتب النقدية والفكرية المهتمة بالشعر، كما وجهت دعوة للمراكز الثقافية الاجنبية في المغرب الى تخصيص يوم 8 نيسان من كل سنة، قصد التعريف بالتجارب الشعرية لبلدانهم واستدعاء بعض شعرائهم.