الشعب الشيشاني لم يسمع من موسكو كلمة اعتذار عن مجزرة أدت إلى مصرع مئة ألف إنسان وتدمير حواضر وقرى. إلا أن الرئيس الروسي سارع بعد ساعات من انفجار قنبلة في كنيس يهودي إلى الإعراب عن غضبه ازاء الجريمة النكراء التي أدت إلى تساقط أحجار وتهشم زجاج ثلاث سيارات وخدوش أصابت... عامل بناء روسياً. أجهزة الإعلام التي يتقاسم السيطرة عليها المليونيران اليهوديان فلاديمير غوسينسكي وبوريس بيرزوفسكي لم تجد حيزاً للحديث عن مصرع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة أو عناد نتانياهو وتحديه للأسرة الدولية، لكنها جعلت من الانفجار ذريعة للحديث عن "تفاقم العداء للسامية" في روسيا وتماهل السلطات للتصدي لها. ولئن كان هناك تقصير حقاً، فإن جزءاً كبيراً من مسؤوليته تقع على... اليهود الذين لهم نصف مقاعد الحكومة وكل قنوات التلفزيون. وهرع السفير الإسرائيلي، ثم الأميركي، إلى موقع الحادث. وأشار الأول إلى أنه "معد بإحكام ومدروس". ولم يوجه اتهاماً مباشراً لأي طرف، ولكن نابت عنه اذاعات يملكها غوسينسكي، وهو رئيس المؤتمر "القومي" اليهودي، فوضعت الأوزار كلها على عاتق "القوميين الروس" واتهمتهم بالفاشية والنازية، ولامت السلطات لأنها سمحت لهم بإقامة تنظيمات شبه علنية. وحتى إذا لم يثبت تورط أي من هذه التنظيمات، فإن حملة ضارية بدأت ضدها لاستئصال كل تحرك تفوح منه رائحة روسية، والعياذ بالله. ومن أهداف هذه الحملة "تصريف" الاستياء المتعاظم في المجتمع من تردي الأوضاع الاقتصادية، واستباق أي انتقادات في شأن هيمنة اليهود على المفاصل الرئيسية في السياسة والمال والاعلام. وبالفعل تعرض رئيس لجنة الأمن في البرلمان فيكتور ايليوخين لهجوم كاسح لأنه اعتبر الحادث نتيجة "منطقية" لتشكيل حكومة في روسيا غالبيتها من اليهود. وعلى رغم أن الانفجار حادث داخلي، فإن وزارة الخارجية سارعت إلى إصدار بيان استنكار، في حين أنها التزمت الصمت حينما قام محافظ موسكو يوري لوجكوف بزيارة القدس للمشاركة في احتفالات الذكرى الخمسين لإنشاء الدولة اليهودية، مزدرياً برسالة وجهها له مجلس السفراء العرب في موسكو الذي حاول إثناءه عن خطوة امتنعت غالبية الأوروبيين عن الاتيان بمثلها. وغدت الزيارة من المحاور الكثيرة في تغطية التلفزيون "الروسي" للخمسينية أياها، التي كاد الاحتفاء بها يفوق الاحتفالات بانتصار روسيا على المانيا في الحرب العالمية. ولا يعني صمت الروس الرضا عن أو القبول بهيمنة تجاوزت الحدود. لكن انفجار وعي الذات الروسي قد يكون أخطر من أي عبوة ناسفة.