عن سالم بن قتيبة قال: كنتُ عند ابن هبيرة، فجرى الحديث، حتى ذكروا العربية، فقال: والله ما استوى رجلان حسبهما واحد ومروءتهما واحدة، احدهما يلحن والآخر لا يلحن، الا ان افضلهما في الدنيا والآخرة الذي لا يلحن. فقلت: اصلح الله الامير، هذا افضل في الدنيا لفضل فصاحته وعربيته، أرأيت الآخرة ما بالُه فُضل فيها؟ قال: انه يقرأ كتاب الله على ما أنزل، والذي يلحن يحمله لحنه على ان يُدخل في كتاب الله ما ليس فيه، ويخرج منه ما هو فيه. فقلت: صدق الاميرُ وبرَّ! قيل للنضر بن شميل: اي بيت قالته العرب أسخى؟ قال: الذي يقول: فلو لم تكن في كفّه غيرُ روحه لجادَ بها فليتّق الله سائله قيل: وأي بيت قالته العرب أبخل؟ فقال: لو جُعل الخردل في كفّه ما سقطت من كفّه خردله! قال هاشم بن القاسم: سألت سالم بن قتيبة حاجة، فقضاها، ثم سألته اخرى، فانتهزني وقال: حاجتين على الريق؟ ثم دعا بالطعام. فلما تغدّى قال: هات حاجتك، اما سمعت قول الصبيان: اذا تغديت وطابت نفسي فليس في الحق غلام مثلي الا غلام قد تغدّى قبلي خرج الزهري يوماً من عند هشام بن عبدالملك فقال: ما رأيتُ كاليوم ولا سمعت به، كأربع كلمات تكلَّم بهن رجل آنفاً عند هشام بن عبدالملك. فقيل له: وما هنّ؟ قال: قال له رجل: يا أمير المؤمنين، احفظ عني أربع كلمات فيهنّ سلاحُ ملكك، واستقامة رعيتك قال: هاتهن. قال: لا تعِدنّ عدّة لا تثق من نفسك بانجازها، ولا يغرّنك المرتقى وإن كان سهلاً اذا كان المنحدر وعراً، واعلم ان للأعمال جزاء فاتّق العواقب، وان للأمور بغتات، فكن على حذر. وعظ الخطاب بن المعلي المخزومي القرشي ابنه فقال: يا بني، عليك بتقوى الله وطاعته، وتجنّب محارِمه باتباع سنته ومعالمه حتى تصحّ عيوبك، وتقر عينك، فإنها لا تخفى على الله خافية، وإني قد وسمت لك وسماً، ووضعت لك رسماً، ان أنت حفظته ووعيته وعملتَ به ملأت اعين الملوك، وانقاد لك به الصعلوك، ولم تزل مرتجى مشرفاً يحتاج اليك، ويرغب الى ما في يديك، فأطع أباك، واقتصر على وصية أبيك، وفرّغ لذلك ذهنك، واشغل به قلبك ولُبّك. وإياك وهذْرَ الكلام، وكثرة الضحك والمزاح، ومهازلة الاخوان، فإن ذلك يُذهب البهاء، ويوقع الشحناء. وعليك بالرزانة والتوقر، من غير كبر يوصف منك، ولا خُيلاء تُحكى عنك، والق صديقك وعدوك بوجه الرضى، وكفّ الأذى، من غير ذلّة لهم ولا هيبة منهم. وكن في جميع امورك في اوسطها، فإن خير الأمور اوساطُها، وقلل الكلام، وأفش السلام، وامش متمكناً قصداً، ولا تخطّ برجلك، ولا تسحب ذيلك، ولا تلوِ عنقك، ولا رداءك، ولا تنظر في عطفك، ولا تكثر الالتفات، ولا تقف على الجماعات، ولا تتخذ السوق مجلساً، ولا الحوانيت متحدثاً. كان الحجاج يقول: لولا فرحة الاياب، لما عذبت أعدائي إلا بالسفر! وقيل: السفر اغتنام لولا أنه اغتمام، والغربة دربة لولا أنها كربة! وقيل: إذا كنتَ في بلد غيرك، فلا تنسَ نصيبك من الذل. وقيل: القريب ميتُ الأحياء. وقيل: الغريب كالوحش الذي غاب عن وطنه، فهو لكل سبع فريسة، ولكل رام رميّة! من لطائف ما حكاه الأصمعي قال: مررت برجل يكسح كنيفاً أي ينظف حماماً وهو يقول: وإياك والسكنى بدار مذلة تُعد مسيئاً بعدما كنتَ محسنا ونفسك أكرمها فإن ضاق مسكن عليك بها فاطلب لنفسكَ مسكنا فقلت له: والله ما بقي من الهوان شيء إلا وقد أهنت به نفسك، فكيف تأمر بإكرام النفس ولا تكرمها؟ فقال: بلى والله من الهوان ما هو أعظم مما أنا فيه. فقلت له: وما هو؟ قال: الوقوف على سفلة مثلك! قال الأصمعي: فانصرفت عنه وأنا أخزى الناس! انشد جرير الطبيب: أكرم رفيقك حتى ينقضي السفرُ إن الذي أنتَ موليه سينتشر ولا تكن كلئامِ أظهروا ضجراً إن اللئام إذا ما سافروا ضَجِروا قال البديع في وصف بخيل: وقد جعل يمينه أمينه، ودنانيره سميره، ودرهمه شقيقه، ومفتاحه رفيقه، وصندوقه صديقه، وخاتمه خادمه.