فجرت الهند أمس أزمة مع الولاياتالمتحدةوباكستان باعلانها أنها أجرت ثلاث تجارب نووية في باطن الأرض في موقع نكران في صحراء راجستان على بعد 500 كلم جنوب شرقي نيودلهي. وارفق المسؤولون الهنود هذا الاعلان بإشارة صريحة إلى قدرتهم على صنع أسلحة نووية. وأعربت إدارة الرئيس بيل كلينتون عن قلقها وخيبة أملها ازاء التجارب النووية الهندية وحضت باكستان على ضبط النفس، في حين أعلنت إسلام آباد أنها تحتفظ لنفسها بحق اتخاذ الاجراءات المناسبة لضمان أمنها محملة نيودلهي مسؤولية "توجيه ضربة قاتلة إلى الجهود العالمية لحظر انتشار الأسلحة النووية". وفي وقت نقلت وكالات أنباء عن مصادر أميركية ان واشنطن "تعمل على تقويم الموقف لدرس امكان فرض عقوبات" على الهند، ساد في عدد من العواصم المعنية جدل حول حق الهند في اجراء التجارب، كونها لم توقع الاتفاقات الدولية في هذا الشأن. وأفاد ناطق باسم الوكالة الدولية للطاقة النووية أمس أنه "لا يمكن اتهام الهند بأنها انتهكت أي قوانين لم توقع عليها أساساً"، موضحاً ان نيودلهي "فعلت ما احتفظت لنفسها بالحق في عمله"، وذلك في إشارة إلى رفض الهنود توقيع المعاهدة الدولية لحظر انتشار الأسلحة النووية التي أبرمت برعاية الأممالمتحدة عام 1970. لكن الأمر الذي ساهم في خلق بلبلة في الأوساط الباكستانية كان إقدام الهند على نصب صواريخ من طراز "بريثفي" القادرة على حمل رؤوس نووية على الحدود بين البلدين، في وقت يتولى المتطرفون الهندوس دفة الحكم في نيودلهي، ما يدعو إلى التشكيك في نياتهم، خصوصاً ان تطوير الأسلحة النووية كان في صلب برنامجهم الانتخابي. كما ساهمت في قلق باكستان التقارير الواردة من الهند والتي تجهر علناً بقدرة نيودلهي على صنع قنابل نووية وهيدروجينية حسبما أعلن أمس أحد كبار مساعدي رئيس الوزراء الهندي اتال بيهار فاجيبايي. ولم يستبعد مراقبون في إسلام اباد ان يعمد الباكستانيون إلى الرد بتجربة نووية، خصوصاً وأن العالم النووي المعروف عبدالقدير خان سبق وهدد باطلاق صواريخ جديدة بعد التجربة الناجحة التي قام بها باطلاق صاروخ "غوري" القادر على حمل رأس حربية نووية زنتها 700 كلغ. ورأى المراقبون ان التجارب الثلاث التي أجرتها الهند، متنوعة هدفها اختبار اسلحة مختلفة جداً بتحميل الصواريخ رؤوساً نووية وصولاً إلى تحميل صواريخ مركزة على طائرات، رؤساً من هذا النوع. ولاحظ مراقبون انها المرة الأولى التي تعلن فيها الهند عن تجربة نووية منذ تلك التي قامت بها في ايار مايو 1974 ما فسره البعض بأنه يهدف الى اعطاء "دفعة معنوية" لحكومة رئيس الوزراء فاجبايي الذي اعلن بنفسه عن اجراء التجارب امس. وأشارت مصادر اعلامية في باكستان الى ان الاعلان عن التجارب الهندية شكل ضربة قوية لسياسة الولاياتالمتحدة التي سعت الى احتواء التوتر بين الهندوباكستان وكانت آخر محاولاتها المحادثات التي اجراها المبعوث الاميركي لدى الأممالمتحدة بيل ريتشاردسون في البلدين اواسط الشهر الماضي. واشنطن وفي واشنطن، اكد الناطق باسم البيت الأبيض مايكل ماكوري ان المسؤولين الاميركيين سيجرون اتصالات مع الحكومة الهندية للاعراب عن قلقهم كما سيتصلون بالحكومة الباكستانية لحضها على ضبط النفس ولخفض حدة التوتر في المنطقة. وأعرب كبار المسؤولين في الادارة عن مخاوفهم من سباق تسلح نووي بين الهندوباكستان. ومعروف ان الهندوباكستان لم يوقعا معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية او معاهدة منع التجارب النووية. وقال ماكوري "ان الولاياتالمتحدة مصابة بخيبة امل عميقة بسبب قرار الحكومة الهندية اجراء التجارب النووية الثلاث" وان هذه التجارب تتناقض مع الجهود الدولية لتعزيز منع التجارب بشكل شامل. وأكد ان الولاياتالمتحدة ستبلغ نيودلهي موقفها "وسنستمر في تشجيع الدول على تصديق معاهدة منع التجارب". وقالت مصادر مطلعة ان الهند بتجاربها الثلاث الاخيرة بعثت برسائل الى كل من الصينوباكستان ناهيك عن ان الحكومة الهندية الحالية المحافظة وفت بوعودها استئناف التجارب النووية في اطار استعراض للقوة. وأضافت ان التجربة الأولى كانت بهدف تحسين تصميم السلاح النووي والثانية بهدف تقليص حجم الرأس النووي ليصبح ممكناً نقله بواسطة الصواريخ. اما التجربة الثالثة فكانت لقنبلة هيدروجينية. وقال مسؤول في البيت الأبيض ان الادارة تقوم الآن بعملية تقويم للقوانين الاميركية المتعلقة بفرض عقوبات على الدول التي تطور الاسلحة النووية. الأممالمتحدة وفي نيويورك، اعرب الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي انان، عن "الأسف العميق" لاعلان الهند انها اجرت اختبارات نووية. واعتبر الاختبار "متنافياً مع النمط الذي دعمه المجتمع الدولي بحزم". وناشد انان "كل الدول ممارسة اقصى درجة من ضبط النفس" ودعم تعزيز الاجراءات لنزع السلاح النووي ووقف كل الاختبارات النووية. وأدلى الناطق باسم الأمين العام، خوان كارلوس بيراندت، ببيان امس في نيويورك قال فيه "ان الامين العام علم بأسف عميق باعلان الهند اجراء ثلاثة اختبارات نووية تحت الأرض يوم الاثنين".