سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
دعا في مقابلة مع "الحياة" الى خرق الحصار على ليبيا وانتقد سياسة جبهة التحرير . مهري : تقزيم "الانقاذ" بجناحها العسكري يعني أننا لا نريد حل الازمة الجزائرية
انتقد الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني السيد عبدالحميد مهري منهج الحكم الجزائري في حل الأزمة. وقال في مقابلة مع "الحياة"، إن "الجبهة الاسلامية للانقاذ" المحظورة لا يمكن تجاوزها في أي مشروع حل "لأنها طرف أساسي في الأزمة اليوم وغداً". واعتبر مهري، الأمين العام للمؤتمر القومي العربي، ان هدنة "الجيش الاسلامي للانقاذ" شيء إيجابي، لكنه رفض "تقزيم" الجبهة الاسلامية بجناحها المسلح لأن الأزمة، في رأيه، سياسية وحلها لا يكون الا سياسياً. وأنتقد مهري أيضاً السياسة التي تسير بها جبهة التحرير بقيادة الأمين العام الحالي السيد بوعلام بن حمودة، معتبراً ان قرارها لم يكن ديموقراطياً. التقت "الحياة" السيد مهري على هامش زياة يقوم بها الى لندن بدعوة من مركز دراسات شمال افريقيا. وهو يلقي مساء اليوم في المعهد الملكي للشؤون الدولية تشاتهام هاوس محاضرة عن واقع المغرب العربي بعد 40 سنة على مؤتمر طنجة عام 1958 الذي انطلقت منه فكرة قيام مغرب عربي موحد. وفي ما يأتي نص المقابلة: كيف تقوّمون وضع المغرب العربي اليوم بعد 40 سنة على مؤتمر طنجة؟ وكيف يمكن تجاوز العقبات التي تعترض قيام المغرب العربي في ظل العقوبات على ليبيا، والازمة الجزائرية - المغربية وأزمة الصحراء؟ - هناك تغيير جذري بين الوضع الذي كان سائداً قبل 40 سنة وبين الوضع اليوم. إذ ذاك كانت وحدة المغرب العربي، نظرياً، مرغوباً فيها. لكن عملياً كانت حرب الجزائر حرب التحرير قائمة عقبة كأداء أمام إنجاز هذه الوحدة. واليوم أزمة الجزائر ايضاً من العوائق أمام قيام المغرب العربي. ولا شك ان حل أزمة الجزائر وقضية الصحراء هما شرطان لانطلاقة جديدة في سبيل تحقيق وحدة المغرب العربي. يبقى موضوع الحصار على ليبيا. وهذا الحصار كالحصار على الشعب العراقي. اننا ندعو الى موقف عربي موحد يطالب برفع الحصار وتجاوزه عند الضرورة. تعني خرق الحصار؟ - نعم حتى خرق الحصار. رأينا ان الرد العربي على عدد كبير من الاحباطات، هو عدم قبول الحصار على أي شعب عربي تحت ذريعة ان ذلك طريقة لحل الازمات. فالواقع ان ذلك لا يحل أي مشكلة. طبعاً ليست لدينا حلول جاهزة لا لأزمة الجزائر ولا للصحراء ولا لوضع ليبيا. لكن المهم ان نضع نصب اعيننا الهدف الاساسي الذي انعقد من أجله مؤتمر طنجة وهو السير في وحدة المغرب العربي. قد يبدو هذا الآن صعباً لكن أقول ان تيار العولمة الذي يجعل كل قطر عربي ينفتح على العالم كله إلا جيرانه الاقربين، هو وضع لا يمكن ان يدوم. لا يمكن ان نتصور أقطار المغرب العربي تنفتح على دول اوروبا وأميركا كلها إلا جيرانها. هذا وضع سيكون غير طبيعي طال الزمن أم قصر. هل انتم متفائلون بتحسن العلاقات الجزائرية - المغربية بعد تولّي السيد عبدالرحمن اليوسفي رئاسة الحكومة في المغرب؟ - لا شك ان التغيير الذي حصل في المغرب شيء ايجابي. لكن يبقى مدى قدرته على الفعل والتأثير في الواقع. في كل حال التغيير الذي حصل يسير في الاتجاه الصحيح الذي يقتضي ان تتبنى كل البلاد العربية، ومنها اقطار المغرب العربي، التحوّل الديموقراطي الضروري لتنميتها وتطويرها. ونرجو ان تكون هذه الخطوة في المغرب مقدمة لخطوات أخرى في سبيل استجابة تعطش الشعوب لمزيد من الشفافية والمشاركة في القرارات التي تهم مصيرها. لماذا لا يكون فتح الحدود بين البلدين خطوة أولى نحو التقارب بينهما؟ - ان كل ما اتُخذ من خطوات أمر مؤسف. كان قرار فتح الحدود وانتقال مواطني كل قطر مغاربي الى القطر الآخر، من الانجازات القليلة لاتحاد المغرب العربي. ومن المؤسف ان تُهدر الانجازات القليلة هذه لاتفه الاسباب. نحن لا ننكر ان تكون بين الاقطار العربية مشاكل. لكن المفروض في هذا العصر ان نطوقّها حتى لا تجرّ وراءها الحروب. وفي اعتقادي ان العودة الى الوراء، الى الوضع الذي سبق إعادة فرض التأشيرة بين البلدين وفتح الحدود، سيكون خطوة مهمة لتحسين علاقات البلدين لان امامهما مهمات أخرى أكبر. هل ترى ان الجزائر يمكن ان تتعلم من تجربة المغرب لجهة السماح للمعارضة بتسيير شؤون البلاد؟ - الاوضاع تختلف. طبيعة المقاربة في الجزائر تنبع من طبيعة الأزمة، وطبيعة الأزمة في الجزائر مختلفة. الموضوع ليس اعطاء المعارضة دوراً. الموضوع حل الازمة حلاً جذرياً. وحل الازمة يعني حل كل المشاكل التي افرزتها والاسباب التي اوجدتها. ان الوضع في الجزائر يتطلب حلاً سياسياً شاملاً يُجفف منابع العنف أولاً في المجتمع ويقيم دعائم مجتمع ديموقراطي حقيقي. حل الازمة الجزائرية يتطلب إشراك كل القوى في جهود الحل. بما فيها جبهة الانقاذ؟ - طبعاً بما فيها الجبهة الاسلامية للانقاذ لأنها طرف أساسي في الأزمة اليوم وغداً. على رغم ان الاحزاب كلها سارت في مشروع الدولة لحل الأزمة وشاركت في الانتخابات الرئاسية والاشتراعية والبلدية؟ - على رغم ذلك، لأن الانتخابات التي حصلت حتى الآن منقوصة ومطعون في صدقيتها حتى من الاحزاب التي شاركت فيها والاحزاب التي فازت فيها. الانتخابات كانت لتوزيع الاصوات والمقاعد، لتشكيل خريطة سياسية محسومة، لكنها لم تعد ثقة الشعب في المؤسسات. هذا هو العنصر الغائب في الازمة، وهو ان نعيد ثقة الشعب بمؤسسات الدولة ونعيد ثقته في الحل الديموقراطي الذي لا بديل منه. ولكن المجالس المنتخبة حالياً منتخبة شعبياً لا شك في ذلك؟ -لست انا من يشكك في الانتخابات. بل الذين شاركوا فيها يشككون فيها. الموضوع مفصول فيه. الانتخابات لا تعبّر عن الخريطة السياسية الحقيقية في البلاد. تعبّر بقدر محسوب. تشكل واجهة تعددية محسوبة بحيث تكون المعارضة فيها مغلوبة في كل الحالات، ولا تطرح في المجالس المنتخبة المشاكل الحقيقة للشعب. لكن بعض الاحزاب يعبّر في شكل جريء عن مواقفه في البرلمان وينتقد السلطة بعنف؟ أليس الأفضل ان تصدر الانتقادات من داخل المؤسسات الشرعية؟ - لا شك ان الأفضل هو ان تُسمع اراء مختلفة. لكن من الافضل ايضاً ان يكون لهذه الاراء وزن يعكس الوضع الحقيقي في المجتمع. أما ان يُعبَّر عن اراء ولا يكون لها امتداد عملي فما هي الفائدة من ذلك. الملاحظ مثلاً ان الازمة الجزائرية لم تناقش في صورة جدية في المجلس الشعبي البرلمان الجزائري. لماذا؟ لأن الطرح الرسمي هو ان الازمة حُلّت ولم تبق ازمة في البلاد. المجلس مطلوب منه ان يسيّر كل امور البلد، عدا حل الازمة. هل يمكن لمثل هذه المؤسسات ان تجد طريقها الى ثقة الشعب. في الخريف الماضي ناقشت برلمانات العالم كله الوضع الخطير والوحشي في الجزائر إلا البرلمان الجزائري الذي لم يناقش الموضوع إلا بعد الحاح كبير. إن المؤسسات التي لا تجروء على مواجهة الازمة والوضع الحقيقي في البلاد، تبقى منقوصة لجهة وظيفتها وتأثيرها في الشعب. ولكن يبقى ان مشروع السلطة للحل هو الذي ينتصر: انتصرت السلطة باعادة الشرعية الى المؤسسات التي باتت منتخبة شعبياً، من الرئاسة الى البرلمان والبلديات. وعلى الصعيد الأمني انتصرت سياسة السلطة ايضاً بالهدنة التي اعلنها جزء من المعارضة المسلحة ممثلاً ب "الجيش الاسلامي للانقاذ"؟ - لماذا غابت المؤسسات هذه المدة الطويلة منذ 1992؟ المؤسات كانت قائمة والسلطة هي التي حلّتها واحدة تلو الاخرى بهدف إقصاء تيارات معينة من الشعب. وعندما اعادتها اعادتها للهدف نفسه وهو إقصاء الاتجاهات نفسها عن المؤسسات. إذن السلطة قامت في مرحلة اولى بحل المجالس المنتخبة بهدف الاقصاء واعادتها بهدف الاقصاء. جوهر الازمة ما زال قائماً. ان الوصول الى وقف لإراقة الدم مع "الجيش الاسلامي للانقاذ" شيء إيجابي لا شك بالطبع. هذا ما كنا ندعو اليه، وكان يُقال لنا انه لا يمكن الحوار مع قتلة. هذا دليل على ان العامل السياسي هو المطلوب لحل الازمة وهو الوحيد القادر على تجاوزها. لكن المُلاحظ ان السلطة حريصة على ان تتوقف الازمة بتوقف العنف لا بإزالة الاسباب الكامنة في المجتمع والتي ادت الى العنف. الهدنة إعتبر تعليق لوكالة الانباء الجزائرية هدنة "جيش الانقاذ" ايجابية. ما هو تعليقكم على التعليق؟ - تعليقي على التعليق إيجابي. لكن ارى ان التعليق الوكالة جاء متأخراً سبعة أشهر. كان واضحاً ان كل جهد لوقف اراقة الدماء هو جهد ايجابي، وكان مفروضاً ان يُزكّى بكل الوسائل ويُدعّم ويُثمّن. فلماذا انتظرت السلطة الرسمية سبعة أشهر حتى تُصدر موقفاً يشير الى ايجابية هذا الموقف؟ ربما انتظرت حتى اثبت "جيش الانقاذ" انه قادر على توسيع الهدنة وتثبيتها؟ - الم يكن تثمين موقفه ايضاً من الوسائل التي تُدّعم هذا الاتجاه؟ الواقع ان حتى هذا التطور الايجابي له من يعارضه. الطرح الاستئصالي لا يزال قائماً في الجزائر. الطرح الذي يريد مواصلة المواجهة المسلحة بين الجزائريين لا يزال قائماً ايضاً. لكنه ليس التيار الغالب. - ليس هو المغلوب ايضاً. إذن هناك انقسام داخل السلطة؟ - الظاهر ان هناك تضارباً في السياسة المتبعة في مواجهة الأزمة على الأقل في الاشهر الاخيرة، وعلى الاقل بالنسبة الى السير في المسار المنطقي الوحيد لمعالجة الازمة وهو مواصلة الجهد السياسي وتكثيفه مع كل القوى الساسية لاخراج البلد من الازمة. ولكن ما هو الموقف الذي يثمّن إنهاء العنف ثم يحرّم على قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ التعبير عن رفض العنف وحتى الدعوة الى ايقافه. هناك مِن قادة الجبهة الاسلامية للانقاذ مَن دعا الى دعم هذا الخط ووقف العنف، فكان جزاؤه أن عوقب. خط السلطة لا يزال غير واضح. ورأينا ان محاولة تقزيم الجبهة الاسلامية للانقاذ في مظهرها العسكري وفي جناحها العسكري يعني اننا لا نريد مواجهة المشاكل السياسية وهي المشاكل الحقيقية. يعني اننا نريد ان نصل الى حل تقني لمشكلة العنف لا الى حل سياسي. نُلاحظ ان التيار المعارض للسلطة او المتحفظ عن مواقفها أُقصي عن مواقعه: فقدتم موقعكم في الامانة العامة لجبهة التحرير، ويُقال ان الشيخ عبدالله جاب الله يواجه وضعاً مشابها في "النهضة" أيضاً. فما تعليقكم؟ - إن الاحزاب في الجزائر مسموح بوجودها في الشكل. لكن هناك ارادة واضحة من السلطة انها تريد ان تسيّر كل شيء. الاحزاب خاضعة لمنطق الازمة وخاضعة للسلطة في توجهاتها. ومن يعارض توجهات السلطة يجد نفسه مُهمشاً بطرق قسرية مثل الانتخابات. وقيادات الاحزاب التي تبنت طروحات السلطة لم يكن قرارها ديموقراطياً ولا يعبّر عن رأي المناضلين. هل تقصد جبهة التحرير الوطني؟ - أولها جبهة التحرير الوطني. الدخول في التفاصيل لا يهم، لكن المهم ان الديموقراطية داخل الاحزاب هي صورة عن الديموقراطية الانتخابية: انها مُسيّرة من السلطة بالطريقة التي تحكم نفسها. ما هي مآخذكم على سياسة جبهة التحرير؟ - المآخذ ان الحزب تبنى كل طروحات السلطة، بما فيها تحليل الأزمة واسبابها وطريقة حلها. لا توجد نقطة واحدة يختلف فيها خط جبهة التحرير الوطني اليوم عن خط السلطة. والسؤال المطروح هو لماذا الاحزاب اذا كانت تُطبّق سياسة السلطة؟ التحقيق في المجازر ترفض الجزائر دعوات الى تشكيل لجنة تحقيق دولية في المجازر. فما هو تعليقكم على مثل هذه الدعوة، واذا كان ذلك مُتعذراً لماذا لا تتشكل لجنة وطنية؟ - ان المشاكل المطروحة اليوم في الجزائر بخصوص دولة القانون وحقوق الانسان نشأت مع الأزمة. فقد سبق لحزب جبهة التحرير الوطني - ولعدد من الاحزاب - ان طالب بتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في هذه القضايا. لكن لم يُستجب هذا الاقتراح لا من قريب ولا من بعيد. وبقاء هذه المشاكل من دون حل وبقاء الاسئلة التي يطرحها المواطنون من دون جواب هو الذي يجعلها تنتقل الى الخارج. فكيف نلوم من يرفع صوته ويردد صدى ما يقوله المواطن الجزائري العادي؟ هل نقول للمواطن الجزائري انك تكذب ومتآمر على البلاد. إننا ضد اي تدخل خارجي في الجزائر. لكن أحسن طريقة لسد الباب امام التدخل الخارجي هو حل الجزائريين مشاكلهم القائمة. ولكن أليس من الافضل معالجة المشكلة داخلياً؟ - ليس الموضوع موضوع أفضلية. الموضوع ان السلطة رفضت تشكيل لجنة تحقيق وطنية قبل سنتين وقبل ثلاث سنوات وترفضها اليوم. المشكلة الآن انه يُقال ان ليست هناك مشكلة. المؤسف ان هناك نكراناً لوجود قضايا خطيرة تتطلب ان تجيب السلطة عليها وان تجيب الشعب قبل ان تجيب الخارج. هل تقصد ان السلطة متورطة في مجازر؟ - الانطباع الذي يتركه هذا الموقف السلبي لدى الشعب هو ان السلطة تريد إخفاء بعض الحقائق. فلماذا تضع السلطة نفسها في هذا الموقع؟ يُقال ان سؤال "من يقتل من" غير مطروح في الجزائر. فمن يقتل من؟ - القاتل والمقتول اليوم كلاهما ليست له هوية. الاطراف باتت متعددة. بعض العنف مجهول الهوية وغير واضح الهدف، وضحاياه أصبحت مجرد أرقام وأعداد. يُقال قُتل عشرة او عشرون او مئة او 400. لكن من هم؟ ما هي اسماؤهم، أو وضعهم في المجتمع؟ ما هو لونهم السياسي؟ كل هذا مسكوت عليه. إن الاعلام المسيّر والذي تحكمه الاعتبارات الامنية الضيقة أضر بالبلاد وبالشعب، وفي بعض الاحيان أضر بالبلد أكثر مما أضر به كل ما يُقال في الخارج. هناك إعلام يزيد البلبلة والشكوك. فعندما نرى في الوسائل الاعلامية، المسموح لها بالنشر، روايات عن أشخاص يقتلون وهم مقطوعو الاصابع ويسبّون الاله ويسمّون أنفسهم "الغاضبون على الله"، من يصدّق هذا الكلام؟ ان التفسيرات التي تُعطى او المسموح بأن تُنشر على الشعب غير مستساغة ولا يمكن ان تُقنع من يسمعها.