أطلق موشى دايان اثر حرب 1967 مقولة: "ان العرب لا يقرأون" مبرراً سبب إعادة استخدام الجيش الاسرائيلي مخططات حرب 1956 - السابق نشرها - في حرب 1967 من دون الخشية من ان يتنبه العرب لذلك. ومن مفارقات القدر ان يفقد دايان منصبه كوزير للدفاع، عندما اقتحم المصريون خط بارليف ودمروه في حرب اكتوبر تشرين الاول 1973. وأثر فشل اسحق شامير ووزيره ارييل شارون في محاولتهما افتعال منازعة "طابا" عام 1982 - كمحاولة لاستلاب مثلث ام الرشراش المصري المحتل - نتيجة انتباه المفاوض المصري، الذي نجح ليس في الحصول على حكم تحكيم طابا لصالحه فحسب، وإنما نجح ايضا في فتح الباب على مصراعيه لاستعادة مثلث ام الرشراش الى الوطن الام. اثر ذلك رد شامير على منتقدي سياسته - بافتعال المنازعة - بأن الاعتقاد كان وقتها سائداً لدى حكومته بأن المصريين سيقعون في غلطة تجعلهم يطلقون الرصاص على اقدامهم. وفي السياق المذكور قامت اريتريا - الحديثة الاستقلال - بانتهاك احكام القانون الدولي العام خصوصاً المادة الثانية في فقرتيها 2 و3 من ميثاق الاممالمتحدة، المتعلقة بضرورة تسوية المنازعات بالطرق السلمية ومنع اللجوء الى القوة او التهديد بها، واحتلال جزيرة حنيش الكبرى اليمنية في 15/12/1995، بزعم انها في سيادتها، وبهدف افتعال نزاع على ارخبيل حنيش اليمني. واتهمت القيادة اليمنية اريتريا بالاستعانة بسفن حربية وخبرات فنية اسرائيلية في تحقيق هذا الغزو. بداية يفرض علينا المنطق القانوني ان نسلم بأن المفاوض الاريتري - بالنيابة عن المفاوض الاسرائيلي - نجح الى حد ما في ارغام اليمن على التوقيع معه في 21/5/1996 في باريس على "اتفاقية المبادئ" التي نصت على قبولهما لمشارطة تحكيم دولية يتم عن طريقها في جولة اولى من التحكيم حسم مسألة السيادة على ارخبيل حنيش ثم بعدها بثلاثة اشهر تبدأ الجولة الثانية من التحكيم لتحديد وتعيين الحدود الدولية البحرية بين الدولتين. لسنا ضد ابرام مشارطة تحكيم بين بلدين لتسوية ما بينهما من نزاعات، لكننا ضد تجزئة المبدأ القانوني الدولي القاضي: "بإلزام الدول بتسوية ما بينهما من نزاعات بالوسائل السلمية" فلا يعقل ان تقوم اريتريا بانتهاك المبدأ في شق منه عندما احتلت جزيرة حنيش الكبرى بالقوة المسلحة، ثم توافق على تطبيقه في شق آخر. الامر الذي يوجس في انفسنا خيفة من أن مسألة التحكيم التي ابرمت ليست مسألة تسوية نابعة من مبادئ حسنة النية. بذلك لا يمكن التسليم بأن اجراءات التحكيم المترتبة عليها ستكون خالية من وسائل الغش والخداع. فالمسألة برمتها قائمة على سوء النية، اعتمدت في مقدمها على استدراج طرف لطرف على غير ارادة حرة لساحة تحكيم دولية من غير حق. إذ كيف بادرت اريتريا الى احتلال الجزيرة طالما انها ترغب في عرض النزاع على محكمة تحكيم. ولماذا حاولت احتلال جزيرة حنيش الصغرى بعد شهرين من توقيعها على مشارطة التحكيم المفتعلة. المنطقي - في نظرنا - هو ان اسرائيل نجحت في اقناع الطرف الاريتري بضرورة افتعال النزاع عله يقضم ارخبيل حنيش من اليمن، وافلحت في طمأنته بأنه اضحى قاب قوسين او ادنى من الحصول على تحكيم لصالحه. بيد أن اسرائيل لم تقم بتنفيذ كل هذا المخطط لصالح أسياس افورقي فحسب، ألم يسبق لها ان اعتمدت على عيدي امين في اوغندا، وبعد ذلك قلب لها ظهر المجن، ثم ألم تقم في السابق بمساعدة مانغستو في اثيوبيا لضرب ثوار اريتريا انفسهم، وانقلب عليها بعد ذلك. لذلك فلا بد ان تكون نتائج الحكم في صالح اريتريا وفي الوقت نفسه في مصلحة اسرائيل، اي يكون الحكم في صالحها المشترك. السؤال، كيف يمكن ان يكون التفكير الاسرائيلي خطيراً الى هذا الحد. وهل يمكن لمثل هذا المخطط ان يحقق مآربه؟ وبمعنى آخر هل تعمدت اسرائيل بعد ان بدأت مصر في إعداد وثائقها القانونية تمهيداً لفتح ملف استعادة مثلث أم الرشراش المحتل الى افتعال نزاع حنيش بين اليمين واريتريا في محاولة منها لتعطيل مصر من فتح ذاك الملف؟ سبق واجبنا عن هذا التساؤل بالايجاب. فإسرائيل تهدف الى تحقيق الأغراض الآتية: أولاً: افتعال تحكيم دولي بين اليمن واريتريا يتجاوز سيادة جزر الارخبيل ويطال تعيين الحدود الدولية البحرية بينهما، ومنح محكمة التحكيم الدولية صلاحية تحديد تلك الحدود، وهي صلاحية غير مقيدة، فتضحى المحكمة مخولة ان لم تصل الى أدلة كافية ان تقضي في الجولة الأولى ببقاء الحال على ما هو عليه، وان تقضي المحكمة في الجولة الثانية بتدويل مضيق باب المندب ولو موقتاً. ثانياً: تستمد اسرائيل من الحكم السابق - في حال صدوره - سابقة قضائية تستفيد منها في الضغط على المفاوض المصري ومنعه من الاحتكام الى محكمة دولية في شأن طلب مصر استعادة مثلث أم الرشراش المحتلة. فيضطر الى القبول بحل توفيقي مقتضاه ان تنحسب اسرائيل من معظم مساحة المثلث المذكور مقابل ان تتنازل مصر لاسرائيل عن منطقة أم الرشراش وايلات. ثالثاً: الحصول على تحكيم بتدويل باب المندب، يفتح شهية اسرائيل للسعي الى تدويل مضيق هرمز، ولتحقيق ذلك فما عليها سوى ابرام اتفاقية مع قطر للحصول على الغاز الطبيعي لمدة عشرين عاماً أو اكثر كخطوة أولى. رابعاً: ضمان وجود اسرائيل في الجنوب باب المندب وهرمز يبرر لها وجودها في الشمال مع الجانب التركي بموجب الحلف العسكري بينهما. ليس مصادفة ان يكون السيناريو بين المنازعتين "طابا" و"حنيش" شديد التوافق. اذ يشتركان في كونهما منازعتين مفتعلتين حركتا لتحقيق أهداف اسرائيلية في الدرجة الأولى. فاسرائيل احتلت طابا ورفضت الانسحاب منها الا بعد إحالة النزاع على التحكيم الدولي، وأوحت الى اريتريا باحتلال جزيرة حنيش الكبرى. ورفضت اريتريا الانسحاب منها إلا بعد إرغام اليمن على طلب عرض النزاع على التحكيم الدولي منتهكة مبدأ حل المنازعات بالطرق السلمية في شق، ومتفقة معه في شق آخر. ومن مظاهر الاقتراب بين المنازعتين، نجد ان طابا من حيث هي أرض مصرية لم تكن سيادة مصر عليها محل خلاف، فالخرائط الاسرائيلية قبل العام 1982 كانت تصدر جاعلة من طابا جزءاً من مصر ثم زورت الخرائط بأخرى جعلت طابا تقع في الأرض التي تسيطر عليها وسحبت من التداول الخرائط القديمة. وكشفت صحيفة "هوتام" اليسارية الاسرائيلية هذه السرقة في مقالها في عام 1987 واستفاد المفاوض المصري من المقالة لتدعيم موقفه في المنازعة. والشيء ذاته ينطبق على منازعة ارخبيل حنيش اليمني بجزره الثلاث. فسيادة اليمن عليه لم تكن محل خلاف خصوصاً وان كل الخرائط الاريترية التي سبق ان أصدرتها كل فرق الثورة حتى حكومة الاستقلال الاريترية قبل العام 1995 بما في ذلك كل الخرائط العالمية تؤكد تبعية تلك الجزر لليمن وسيادته عليها. ومع ذلك نجد ان اريتريا في نهاية العام 1995 غيرت تلك الخرائط لتضع الارخبيل ضمن الأراضي الاريترية وتسحب الخرائط القديمة من التداول. وهو دليل يدعم موقف المفاوض اليمني في منازعة حنيش. ناهيك عن ان الخرائط التركية التي دعمت حقوق مصر في طابا ستلعب دورها ايضاً في تدعيم حقوق اليمن في حنيش. من المفارقات في مسار المنازعتين، هو مسألة الفترة الحرجة حين عمد المفاوض المصري في منازعة طابا الى الإصرار على تحديد الفترة الحرجة وهي فترة الانتداب البريطاني على فلسطين 1922 - 1948 في شأن خط الحدود الذي كان قائماً آنذاك في مشارطة تحكيم منازعة طابا ونجح في ذلك. وكذلك في مشارطة تحكيم منازعة حنيش فإن مسألة بحث السيادة على أرخبيل حنيش تمر في فترة زمنية حرجة أيضاً، بدأت مع العام 1926 عند بدء تنفيذ مقررات مؤتمر لوزان بإبرام المعاهدة اليمنية الايطالية لعام 1926 بين امام المملكة المتوكلة اليمنية وحاكم مستعمرة اريتريا الايطالية، حين اعترفت ايطاليا فيها باستقلال اليمن وسيادته، ولم تتناول أية مطالب في الجزر اليمنية، وتم تجديدها لفترة اخرى. وحينما ابرمت الاتفاقية البريطانية عام 1934 تحفظت اليمن لتأكيد حقوقها السيادية في جزرها في البحر الاحمر، غير ان التنافس الاستعماري البريطاني الايطالي في المنطقة عمد آنذاك الى تنظيم العلاقة بينهما وعدم السماح لأية قوة غيرهما في الوجود في المنطقة، ولضمان ذلك اتفق على منع وقوع الجزر في يد حاكم عربي غير صديق كالامام يحىى ملك اليمن. وأدى ذلك عمليا الى خضوع تلك الجزر اليمنية لنوع من الادارة الفعلية من قبلهما، وتجنب كلاهما خلال تلك المدة إعطاء اي صفة قانونية لوضع الجزر. وتعمدا ترك المسألة المتعلقة بالسيادة على هذه الجزر غير محددة، وتأكد ذلك في اتفاقية "باسكوا" المبرمة بينهما في روما لعام 1938 حين نصت المادة 4 منها "على انه بالنسبة لتلك الجزر الواقعة في البحر الاحمر والتي تخلت تركيا عن حقوقها فيها بموجب المادة 16 من اتفاقية لوزان لعام 1923 فإن الدولتين اتفقتا على عدم فرض السيادة عليها او إقامة اية تحصينات او اعمال دفاعية في اي من هذه الجزر". ويتمتع الفريق اليمني بحجج أخرى تدحض دعوى خصمه: الاولى، ان اعتماد الطرف الاريتري على تصرفات منسوبة للمحتل الايطالي للزعم بأنها دليل على سيادته على حنيش مردود عليه لأن اليمن يمكنه ان يطالب بسيادته على جزيرة "دهليك" وغيرها من الجزر وخليج "زولا" ما دام الاحتلال البريطاني ذاته كان يمارس سيادة عليها، بل ان حجة الطرف اليمني تصبح اقوى من حجة الطرف الاريتري في ضوء حقيقة مستمدة من احكام القانون الدولي العام مفادها ان النظام الايطالي عندما سعى الى ضم الحبشة في العام 1936 ولقي اعتراضا من عصبة الامم الأمر الذي اقتضت معه العصبة ان توقع عليه الجزاءات المنصوص عليها في المادة 16 من عهد العصبة. الثانية، ان استناد الطرف الاريتري على سيادة مزعومة للنظام الاستعماري الايطالي للقول بأحقيتها في السيادة على ارخبيل حنيش، يفتح الباب على مصراعيه لمصر للمطالبة باسترداد سيادتها على اريتريا ككل بحسب انها كانت جزءاً من الدولة المصرية من العام 1822 حتى العام 1884، وقام الاستعمار البريطاني على مصر بغير سند شرعي بفصل اريتريا عن مصر. ويذكر ان مصر طالبت فعلاً الاممالمتحدة في العام 1947 - اثناء بحث مصير اريتريا - باستعادة سيادتها علىها. الثالثة، ان الوجود الاريتري في جزيرة حنيش أتى نتيجة الدعم اليمني لثوار اريتريا اثناء فترة نضالهم ضد النظام الحاكم في اديس بابا عندما سمح لهم اليمن باستخدام جزره في الارخبيل لانطلاق الثوار منها، وطوال هذه الفترة ورغم حساسيتها لم تبادر اثيوبيا الى الزعم بأن لها سيادة ما على هذا الارخبيل، كما لم تهدد أو تطالب بتلك الجزر ما لم توقف اليمن دعمها لثوار اريتريا وتجليهم عنها. في قضية طابا استغل المفاوض الاسرائيلي الفترة الحرجة وحاول تعميقها بوسائل خادعة تمثلت في خرائط مزورة، وشهادات ملفقة، ومرافعات مضللة، وحجج باطلة مؤسسة على مبدأ المصادرة على المطلوب ESTOPPEL. ولما نجح المفاوض المصري في دحض كل تلك الافتراءات اضطرت اسرائيل الى الاعتراف بالغش والتضليل الذي اقترفته. وغاية اعترافه هو جعل المنازعة واقعة تحت طائل مبدأ الامتناع عن إصدار الحكم بسبب غياب الادلة أو غياب القانون وانحساره او ما يطلق عليه الفقه القانوني باللغة اللاتينية NON - LIQUET، وهو ما يقابل قولنا عدم كفاية الادلة. ومن غير المستبعد أن يواجه المفاوض اليمني في منازعة حنيش تطبيق مبدأ عدم كفاية الدليل وانحسار القانون NON - LIQUET بخصوص مسألة من له السيادة على جزر الارخبيل، وذلك في الجولة الاولى من التحكيم. فإن امتد التحكيم للجولة الثانية الخاصة بتحديد الحدود الدولية البحرية بين الدولتين اليمنية والاريترية ستكون المفاجأة هي الطلب من محكمة التحكيم - وهي مخولة في تلك الجولة - القضاء باتخاذ اجراءات تحفظية او تدابير موقتة، تتمثل اساسا في اصدار حكم بتدويل مضيق باب المندب موقتا بذريعة ضمان حرية الملاحة فيه. ويكفيهم استشهاداً على صحة ما يزعمون ما جرى في آب اغسطس من العام 1996 عندما احتلت قوات اريترية جزيرة حنيش الصغرى بعد توقيع اتفاقية باريس في 21 ايار مايو من العام نفسه وكاد ان ينشب بين الطرفين نزاع مسلح لولا أن قبلت اريتريا سحب قواتها منها. قد يفاجأ الطرف اليمني بشدة الخداع وقسوته. صحيح ان اليمن يمكن ان يبطله إن سعى الى تطبيق أحكام "وفاق فيينا" للمعاهدات للطعن في مشارطة التحكيم الموقعة نتيجة ارادة غير حرة ونتائج حكمها المستندة على خرائط مزورة وشهادات ملفقة وحيل مدبرة. وصحيح ايضا ان الطرفين اليمني والاريتري قد يسارعان الى تسوية واصلاح ذات البين بينهما بطلب سحب المنازعة من التحكيم. لكن لا يقدح فيما نقول ما يمكن ان يذهب اليه البعض من ان اسرائىل الآن وبعد ان نجحت في افتعال النزاع بين اليمن واريتريا وأوصلتهما الى ساحة التحكيم الدولي، فيمكنها ان تصل بمآربها الى ما تريده من دون الحاجة الى الاستمرار في طلب المساندة من الطرف الاريتري، ويكون ذلك بتدخلها مباشرة كطرف منضم في منازعة التحكيم بزعم حماية مصالح لها وفقا لأحكام اتفاقية قانون البحار. وليس من مصلحة اسرائيل التعجيل بفضح بطلان المادة التدليسية 5/2 في اتفاقية السلام مع مصر في عام 1979 وفقا لما نصت عليه اتفاقية قانون البحار لعام 1982 كما انه ليس من صالحها تقريب مصر من موعد فتح ملف استعادة مثلث ام الرشراش المحتل. يتبين بجلاء اسباب عدم تمكن اسرائيل من التدخل في المنازعة من النواحي القانونية والسياسية. في منازعة طابا كان المفاوض الاسرائيلي يدرك أحقية مصر فيها، لكنه كان يرغب في ان يوقِع المفاوض المصري في شرك خداع، ليطالب بتحديد خط الحدود الادارية لمصر وهو خط رفح طابا، عوضاً عن خط الحدود الدولية لها وهو خط رفح ام الرشراش فيتمكن المفاوض الاسرائيلي بهذه الحيلة من استلاب مثلث ام الرشراش المصري برؤوسه الثلاث رفح ام الرشراش طابا، فيكون لإسرائىل ولاول مرة منذ نشأتها مطل قانوني على خليج العقبة. أما في منازعة حنيش فتظن اسرائيل اليوم ان الفرصة سانحة لتحقق ما أخفقت فيه في منازعة طابا. وتعلم اسرائيل انه من الممكن ان تظفر اليمن في الجولة الأولى بحكم التحكيم لصالحها، بيد ان النجاح اليمني هذا يعيد اسرائيل الى سيرتها الأولى، لذلك ستحرض عن طريق الخبرات القانونية على إجبار المحكمة لأن تقضي بعدم كفاية أدلة كل الطرفين أو اعمال مبدأ non - liquet الأمر الذي يمهد سواء في الجولة الأولى او في الثانية الطلب من المحكمة باتخاذ تدابير موقتة تتمثل في تدويل مضيق باب المندب موقتا. وبناء على ما تقدم فإذا ما تبين لنا ان مشارطة تحكيم "طابا" كانت مبنية في اساسها على سلوك سيئ مارسه الطرف الاسرائىلي بنية سيئة، بقصد افتعال منازعة بصدد "طابا" لجر المفاوض المصري بإرادة غير حرة الى التحكيم والتضليل، وانكشف هذا الاسلوب في اجراءات التحكيم نظرا لما احتواه من تطبيقات لقاعدتي "الغش في القانون" و"الغش نحو القانون" من ناحية. وما حصل بشأن منازعة "طابا" ينطبق أيضا بالنسبة لمنازعة "حنيش". فالمفاوض الاريتري وبسلوك سيئ - سواء بايحاء أم بمشاركة إسرائيلية - افتعل منازعة "حنيش" افتعالاً، وجر المفاوض اليمني الى التحكيم الدولي بغير ارادة حرة، واستخدام وسائل غير مشروعة مبنية على استخدام قاعدتي "الغش نحو القانون" و"الغش في القانون" في اجراءات في محكمة التحكيم بقصد التشكيك فيما بحوزة الطرف اليمني من وثائق ومستندات وخرائط تؤكد سيادته على ارخبيل جزر حنيش. ويمكن للطرف اليمني ازاء هذا الافتعال التدليسي، وذاك التضليل الاجرائي، ان يلجأ الى محكمة العدل الدولية بصفتها الدستورية الدولية العليا لإثبات ما تقدم، ليتمكن من الحصول على وثيقة دولية رسمية ببطلان منازعة تحكيم حنيش وما تبعها من اجراءات لتفادي ما ذكر. ويمكن التوصل الى حل ديبلوماسي يرضي مختلف الاطراف ويفوت على اسرائيل فرصة نجاح سياستها في افتعال الازمات. ويتمثل الحل الديبلوماسي مثلاً في رفع اقتراح الى الرئيس حسني مبارك يدعو فيه زعماء الدول المطلة على البحر الاحمر لعقد قمة في "شرم الشيخ" لوضع اسس لتصفية الخلافات بطريق ودي وضمان حماية امن البحر الاحمر والحفاظ على سيادة الدول المطلة عليه، مع اقامة منتدى دول البحر الاحمر الاقتصادي لتقوية الروابط الاقتصادية بينها. فتنجح القمة في ازالة ما بين السودان واريتريا من خلافات، وتنجح في عودة العلاقات الحميمة اليمنية - الاريترية الى سابق عهدها فيطلب الطرفان سحب منازعة حنيش من امام محكمة التحكيم، وتسحب اريتريا قواتها من جزيرة حنيش الكبرى وتنهي اي وجود اسرائيلي في المنطقة، وتقوم الدولتان بمساعدة مصرية - اردنية - سعودية بتحديد الحدود الدولية البحرية بينهما. ان قدر لهذا الاقتراح ان يرى النور، ونجح القادة في تحويل الحلم الى واقع، ينتزعون الشر الى غير رجعة، ويزرعون الخير في كل جهة، يومها سوف تشعر الديبلوماسية الاسرائيلية بوقع صفعة حنيش، مثلما شعرت بالامس بوقع صفعة طابا.