لم تسمح عطلة عيد الأضحى للحياة السياسية في ايران بأن تشهد بعض الهدوء، اذ تصاعدت حدة ردود الفعل على القرار القضائي بتوقيف رئيس بلدية طهران غلامحسين كرباستشي في انتظار محاكمته بتهمة اختلاس أموال عامة وسوء الإدارة. وانضمت جمعية الدفاع عن قيم الثورة الاسلامية التي يتزعمها ممثل "ولي الفقيه" في الحج والمرشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة حجة الإسلام محمد محمدي ري شهري أمس إلى صفوف منتقدي السلطة القضائية، وأكدت "أسفها وقلقها البالغ مما يجري في البلاد الآن"، ودعت الرأي العام ومسؤولي النظام والدولة الى "مواجهة كل عوامل الفتنة والتفرقة بحزم وفضحها". كذلك عاودت النائبة فائزة هاشمي رفسنجاني الحديث عن مسألة اعتقال كرباستشي، وشددت على ان ملفه "حاد عن مساره القضائي"، واكدت وجود "وثائق تثبت ذلك". وانتقدت إحالة الموضوع على "استخبارات الأمن الداخلي بدل محكمة المخالفات الادارية"، وناشدت الرئيس سيد محمد خاتمي ان يكشف للرأي العام التقرير الذي "يتضمن 11 مخالفة قانونية للسلطة القضائية في تعاطيها مع الملف". لكن رموزاً في اليمين المحافظ حرصت على استخدام خطاب يمكن ان يحرج الاصلاحيين الملتفين حول خاتمي ويرفعون شعار محورية القانون، إذ شدد عضو هيئة رئاسة البرلمان النائب المحافظ البارز محمد باهنر على ان "الجميع سواسية أمام القانون، ولا تحول الخدمات التي يقدمها أي مسؤول دون ملاحقته قانونياً اذا ارتكب مخالفات"، وخاطب المدافعين عن كرباستشي قائلاً انه "في هذه المرحلة التي يرفع فيها شعار محورية القانون وضرورة احتكام الجميع لسلطته، يجب ان نقبل ونثبت عملياً اننا متساوون امام القانون ونعمل على تطبيقه بعدل، وكرباستشي ليس استثناء لهذه القاعدة". وبدا باهنر الذي يعتبر من الوجوه السياسية الصاعدة في تيار اليمين المحافظ على ثقة من ان السلطة القضائية لن تخضع لپ"الضغوط والتأثيرات السياسية"، مؤكداً انه "اذا برّئت ساحة كرباستشي فستُحل المشكلة، لكن إذا جُرم، سيعاقب وسيشعر النظام بالفخر لأنه عاقب أحد مسؤوليه الخارجين عن القانون". وفي هذا الإطار، طلبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الاميركية المدافعة عن حقوق الانسان في نيويورك امس "إجراء محاكمة علنية مفتوحة أمام الجمهور والمراقبين الدوليين" لكرباستشي. واعربت عن الخشية من "ان تكون دوافع سياسية وراء قرار توقيف كرباستشي وملاحقته". كذلك أكدت أوساط مطلعة وموثوق بها ل "الحياة" ان الرئيس خاتمي اجتمع بمرشد الجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي الاثنين الماضي واطلعه على مداولات ومواقف أعضاء حكومته الذين اجمعوا على إدانة قرار اعتقال كرباستشي، ولم يخف خاتمي إمتعاضه مما يجري، كما لم يخف حرصه على ان "يتحلى الجميع، خصوصاً المعنيين بمتابعة ملف البلدية بالحكمة والعقلانية". وأوضحت هذه المصادر ان رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني التقى أيضاً "المرشد" وناشده التدخل، لكن يبدو ان خامنئي شدد على انه لم يكن على علم مسبق بقرار اعتقال كرباستشي وابدى "أسفاً وتأثراً"، علماً بأن خامنئي لم يعلن أي موقف من الموضوع منذ احتدم الصراع في شأن القضية قبل اشهر. وتقول أوساط سياسية ان "المرشد" الروحي لا يخفي حرصه على "الضرب بقوة على أيدي العابثين بالأموال العامة"، ويرغب في أن ينأى بنفسه عن الصراعات السياسية الداخلية كي يبقى فوق صراعات أجنحة النظام وتياراته ويركز اهتمامه على الملفات "الكبرى والاستراتيجية والقرارات المحورية" سيما بعد تجربة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لكن أوساطاً سياسية واعلامية تستبعد ان تكون السلطة القضائية أقدمت على اتخاذ قرار "خطير لا يخلو من تفاعلات سياسية وحساسيات في المجتمع، خصوصاً انه بدا تحدياً للحكومة، من دون غطاء أو ضوء أخضر من جهة عليا في النظام". لكن ثمة اجماعاً على ان عدم تدخل علني لخامنئي في الموضوع هو في صالحه. ولا شك ان قضية كرباستشي من الخطورة بمكان أدت إلى حمل وزير الداخلية حجة الإسلام عبدالله نوري على ان يعلن موقفاً وهو يؤدي فريضة الحج، اذ نقلت عنه وكالة الانباء الايرانية الرسمية، قوله "لا يمكنني ان أخفي قلقي العميق من متابعة هذا الملف أمام القضاء وشكوكي في اختصاص الاشخاص المكلفين هذه المحاكمة"، وانتقد عدم اطلاع وزير الداخلية ورئيس الجمهورية على عملية التوقيف مسبقاً. ولم تحل عطلة عيد الأضحى دون ان يعلن "تجمع علماء الدين المجاهدين" المحور الديني لليسار الاسلامي الراديكالي موقفاً منسجماً مع الحكومة ومنتقداً لأداء السلطة القضائية وكيفية تعاطيها مع الملف. لكن الموقف المفاجئ، هو الذي أعلنته جمعية الدفاع عن قيم الثورة الاسلامية التي يتزعمها ري شهري المرشح بقوة لخلافة آية الله محمد يزدي على رأس السلطة القضائية، هو والمدعي العام الحالي للدولة حجة الاسلام محمد غيلاني. وانتقدت الجمعية السلطة القضائية واتهمت مسؤوليها بارتكاب "أخطاء ... وبالإصرار على نهجها متجاهلة الملاحظات والنصائح مع عدم الاكتراث بالنتائج المريرة"، وشددت الجمعية على ان "البلاد في حاجة اليوم الى هدوء ووحدة وجهد ثوري لتحقيق الاهداف العليا للنظام "وفي مقدمها التنمية المتلازمة مع العدالة الاجتماعية". وناشدت "كل التيارات والمسؤولين والنواب والاعلاميين ان يدركوا الظروف بعمق وان يعملوا بتوجيهات القائد المرشد ويدعموا المساعي الصادقة للحكومة، وان يقوموا بكل خطوة تساهم في المحافظة على مصلحة النظام وان يواجهوا بحزم كل عوامل الفتنة والتفرقة وان يفضحوها".