"سأقتلع عيني، وسأقطع يدي اليمنى" اذا وقعت ورقة بتفكيك أي مستوطنة اسرائيلية. هذا الكلام قاله مناحيم بيغن الأب الروحي لتكتل ليكود الذي يحكم اسرائيل حالياً. ومع ذلك فككت اسرائيل المستوطنات التي بنتها في سيناء التي عناها بيغن في كلامه. وكان المخرج لرئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك ان الكنيست صوتت على ازالة المستوطنات في سيناء بعدما أصر أنور السادات على ذلك في كمب ديفيد. هذا الحدث وغيره من الأحداث الكثيرة المهمة يكشفها تلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية بي. بي. سي الذي يبث حالياً حلقات أسبوعية في مناسبة الذكرى الپ50 لقيام دولة اسرائيل. وتتضمن كل حلقة جديداً، ولكن ما يربط بينها هو مدى عداء اسرائيل للسلام من جهة وسذاجة العرب أحياناً وتوقهم الى السلام من دون ادراكهم للوسائل التي يمكن ان توصلهم الى هذا الهدف من جهة اخرى. ولعل أهم ما كشفته الحلقة التي بثت الأحد الماضي ان سورية خاضت حرب تشرين بحسابات خاطئة مبنية على وعد من السادات بمتابعة الهجوم في سيناء بدل وقفه عند مسافة معينة. وكان توقف الجيش المصري عند خط معين سبباً في توجيه كل القوة الاسرائيلية في رد الهجوم السوري في الجولان… ثم عودة الجيش الاسرائيلي الى التركيز على الجبهة المصرية ما أتاح له محاصرة الجيش المصري الثالث. كل هذه الأحداث تنتمي الى التاريخ الحديث الذي لم يمر عليه الزمن. ولكن، بغض النظر عن كيفية توالي الأحداث خلال حرب تشرين، فإن النتيجة التي يمكن استخلاصها هي ان مسيرة السلام لا يمكن ان تتوقف وان لاءات بيغن لم تصمد طويلاً، مثلما ان لاءات بنيامين نتانياهو لا يمكن ان تصلح مادة للتعاطي مع المستقبل. وكانت كافية رؤية مناحيم بيغن يعتبر سيناء "جزءاً من أرض اسرائيل لا يمكن التخلي عنها" للتأكد من ان كلام بنيامين نتانياهو عن الضفة الغربية أو الجولان ليس الكلام النهائي، وعلى العكس من ذلك يظهر تطور الأحداث ان لا شيء يمكن ان يقف في وجه مسيرة السلام خصوصاً بعدما قبلت حكومة مناحيم بيغن الانسحاب من كل سيناء في مقابل التوصل الى معاهدة سلام مع مصر… وذلك بفضل الجهود الأميركية! بالطبع لا يمكن الوثوق بكل ما ورد في الحلقات، بما في ذلك الكلام الاسرائيلي عن تحذير الملك حسين غولدا مئير رئيسة الوزراء الاسرائيلية عام 1973 من هجوم مصري - سوري وشيك، علماً بأن العاهل الأردني لم يكن على علم بمثل هذا الهجوم لا من مصر ولا من سورية. ولكن مع ذلك لا يمكن تجاهل القيمة التاريخية للحلقات أقله بالنسبة الى الدور الذي لعبه أنور السادات في تغيير خريطة المنطقة عبر الحرب ثم عبر السلم، ذلك ان زيارته للقدس عام 1977 لا يوازيها في الأهمية سوى اتفاق أوسلو الذي وضع اسرائيل في الزاوية مرة اخرى عبر طرح السؤال الكبير: هل تستطيع الدولة اليهودية التعايش مع السلام في الشرق الأوسط أو انها غير قادرة الا على العيش في شرق أوسط تسوده حال اللاحرب واللاسلام؟