لم يعد هنالك أدنى شك من أن المستفيد الأكبر من كل ما يجري في المنطقة من أحداث هو إسرائيل، حتى إيران التي يحلم بعض زعاماتها في إعادة إحياء الإمبراطورية الفارسية بمد نفوذها إلى مناطق لم تكن يوما خاضعة للنظام الصفوي، هي في الرؤية الإستراتيجية تحصد المزيد من الخسران نتيجة ذلك التمدد والذي سينعكس حتما على قدرة مركزها على الصمود تحت عبء ثقل ذلك الحلم غير المحسوب، وبالتالي فإن كل ما فعلته إيران وتفعله في سياق بحثها عن المكاسب لن يزيد على تقديم أفضل خدمة تاريخية للكيان الإسرائيلي الذي تدّعي أنها تقاتله، وأنها تمد يدها في كل الاتجاهات بغية الوصول إليه ورميه في مياه المتوسط. دايفد وينبرج مدير مركز بيجن/ السادات للدراسات الإستراتيجية في النرويج ألقى محاضرة مهمة عام 2013م، تناول خلالها مجمل الأحداث التي تمر بها المنطقة، وكيف تنعكس مخرجات تلك الأحداث لصالح الوجود الإسرائيلي، فهو يرى أن الجيش العراقي لم يعد موجودا، والجيش السوري فقد أكثر من 70% من قوته، والجيش المصري بات مشغولا في مواجهة قوى التطرف في سيناء، ومعظم الأنظمة العربية ترزح تحت العديد من الصراعات الداخلية والأزمات السياسية والاقتصادية، ويستنتج الباحث من هذا الوضع أن الأمة لم تعد مهيأة لتنسيق أي هجوم عسكري تقليدي ضد إسرائيل، بمعنى زوال التهديد العسكري تماما مهما كانت تجاوزات إسرائيل، وتغولها من خلال الاستيطان وابتلاع الأراضي الفلسطينية، وهدم المنازل، وتجريف حقول الزيتون، واستباحة المسجد الأقصى، وصولا إلى إحراق الأطفال، في ظل حكومة الليكود المتطرفة التي لا تزال تحظى برضا الشعب الإسرائيلي، بحيث يتم انتخابها للمرة الثالثة على التوالي، وهي التي تتبنى اليوم برنامجا داعشيا لا يختلف مطلقا عن ارتكابات داعش والقاعدة وغيرها من التنظيمات المتطرفة. لقد أصبحت سمة التطرف التي تمارسها حكومة اليمين الإسرائيلي في سياق سعيها لضرب الفلسطينيين، ومحاولة إفراغ قضيتهم، وإبقائها في خانة اللاحرب واللاسلام، أصبحت جزءا من الإستراتيجية الإسرائيلية التي تسعى لتذويب القضية على المستوى الدولي، وتغليفها ضمن إطار تلك المواجهات التي تستهدف القضاء على التيارات المتشددة، بما يسحب منها بريقها وحضورها الدولي، لتضيع أو تتهاوى، وتفقد وهجها في لجة هذا الصخب الذي تشهده المنطقة منذ العام 2011م، والذي جاءت كل مخرجاته للأسف حتى الآن لتدخل في صافي الربح الإسرائيلي، والذي أنجز لإسرائيل ما لم تتمكن بآلتها العسكرية من إنجازه. والذي يتأمل المشهد الآن يعي تماما ذلك الحرص الذي تبديه حكومة نتنياهو في التصدي لسقوط نظام الأسد، ومحاولة الإبقاء عليه كما هو لضمان حماية أمن إسرائيل، ذلك لأن كل حسابات الأرباح التي تصبها براميل النظام على رؤوس مواطنيه بمعاونة إيران وحزب الله إنما تذهب لمصلحة إسرائيل التي تتفرج على كيفية تفتت محيطها من حولها، وزيادة تمتين حظوظها في البقاء.