منذ أول هذا الشهر وأنا أجمع أخباراً عن مواضيع عدة، من كل المصادر المتوافرة لي، وكنت أتوقع ان يكون الملف الاكبر عن احتفالات اسرائيل بالذكرى الخمسين لتأسيسها، الا انني فوجئت بأن الملف عن الاسلحة النووية والكيماوية ووسائل ايصالها، في سماكة ملف اسرائيل. وأكتب في نهاية الاسبوع وأمامي ملخص لتقرير رسمي اميركي يقول ان الولاياتالمتحدة غير مستعدة لمواجهة ارهابيين يستخدمون الاسلحة الكيماوية أو البيولوجية. والأخبار الاميركية من هذا النوع لا يمكن ان تؤخذ على ظاهرها، فهي لا تخلو من حقيقة، الا ان هذه قد تستعمل للتخويف، ولبناء نظام يقاوم الارهاب المحتمل، فيكون كل ما في الامر ان التقرير أعد ليخدم المصالح الصناعية والتجارية التي ستستفيد من بناء النظام المقاوم للارهاب. أهم من الدراسة السابقة، دراستان صدرتا السنة الماضية عن وزارة الدفاع الاميركية ووكالة الاستخبارات المركزية، عن انتشار اسلحة الدمار الشامل فهما لا تذكران اسرائيل البتة، وتذكران مصر بسطرين أو ثلاثة. ما يخيف المراقب العربي ليس خطراً مستقبلياً مزعوماً من ارهابيين قد لا يكونون موجودين، وانما خطر اسلحة الدمار الشامل الاسرائيلية ووسائل ايصالها. وكانت دراسة للاستخبارات العسكرية الاسرائيلية حذرت قبل يومين من تطور القدرة القتالية للجيش المصري، وزعمت ان القوات المسلحة المصرية ضيقت الفجوة "النوعية" مع القوات الاسرائيلية. ونتمنى ان يكون هذا صحيحاً، الا اننا نلاحظ ان مصر واسرائيل تعتمدان على الولاياتالمتحدة بشكل اساسي في تسلحهما، وهذه تعطي اسرائيل أضعاف ما تعطي مصر، وغالباً ما تعفيها من الدفع، وهو ما لا تفعل مع مصر الا في مناسبات خاصة، من نوع حرب تحرير الكويت. وهكذا فقد قرأنا ان وزير الدفاع الاسرائيلي اسحق موردخاي قدم الى نظيره الاميركي وليام كوهين قائمة مشتريات يتراوح ثمنها بين 20 بليون دولار و30 بليوناً، على مدى السنوات العشر الى الخمس عشرة القادمة. ولا نستطيع في هذه العجالة ان نقدم قائمة مفصلة، ولكن يكفي القول انها تضم احدث اسلحة اميركية من طائرات وغيرها، وآخر تكنولوجيا موجودة، بل بعض التكنولوجيا التي لا تزال قيد التطوير. واذا كان هذا لا يكفي سبباً للقلق فإننا نجد في الوقت نفسه ان الولاياتالمتحدة لا تركز على اي خطر تمثله اسرائيل على جيرانها، وانما تتحدث عن اخطار مبالغ فيها أو مختلقة في دول اخرى، فهي تقول: - ان العراق يملك اكثر برامج الاسلحة الكيماوية والبيولوجية تطوراً في الشرق الأوسط وهذا ما لا يمكن ان يكون صحيحاً بعد خسارته حرب الخليج الثانية والتفتيش الدولي. - ان ايران تملك برنامجاً لانتاج الاسلحة الكيماوية، وانها تخزن اسلحة خانقة، كما تجري ابحاثاً على اسلحة أعصاب وغيرها. - ان سورية لها برنامج اسلحة كيماوية منذ عشر سنوات، وانها تخزن غاز الاعصاب سارين، ويرجح انها وضعته في رؤوس صواريخ من نوع سكود. - ان ليبيا تملك طموحات في هذا المجال وتحاول، غير ان العقوبات الدولية تعرقل تنفيذ هذه الطموحات. ثم هناك حملة، أو حملات، على روسيا والصين وكوريا الشمالية، بتهمة تزويد أي دولة غير اسرائيل بتكنولوجيا نووية أو صاروخية أو ما الى ذلك كوريا الشمالية اتهمت اخيراً بتطوير صاروخ باكستاني. وأقول بصدق انه يستحيل عليّ في هذه الزاوية ان احيط بنصف المادة عن الموضوع أو ربعها فهي توافرت لي من دون طلب، وهناك حملة تخويف من كل سلاح ما عدا السلاح الاسرائيلي. وفي حين اننا نتمنى ان يكون الشرق الأوسط منطقة، خالية من اسلحة الدمار الشامل ووسائل ايصالها، فطالما ان هذه الاسلحة في ايدي اسرائيل، فاننا سنؤيد حق كل دولة اخرى من العراق الى ليبيا، ومن ايران وباكستان الى سورية ومصر، في امتلاك اسلحة الدمار الشامل، ولو من قبيل قيام توازن رعب في المنطقة الى حين التوصل الى اتفاق يجرد جميع دولها من هذه الاسلحة الخطرة.