قد تكون هناك فائدة أحياناً في أن يبتعد المفاوضون من طرفي النزاع عن مكان صراعهم ويلتقوا تحت رعاية وسيط نزيه سعياً إلى تسوية خلافاتهم. ولكن لا يبدو أن هذه ستكون سمة المحادثات التي ستعقدها وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت في لندن أوائل الشهر المقبل مع كل من الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. ذلك أن ثمة اسباباً عدة تحمل على الاعتقاد بأن نتانياهو سيأتي إلى لندن ويغادرها من دون أن يغيّر شيئاً في موقفه المتطرف المعرقل للسلام. ولقد قدم وزير الدولة في وزارة الخارجية الألمانية هلموت شيفر في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية، أول من أمس، تحليلاً صائباً وجريئاً حذر فيه من أن موافقة نتانياهو على محادثات لندن إنما هي "محاولة جديدة" لصرف الانتباه عن أنه "لم يقدم في الواقع سوى القليل من الأعمال الجوهرية حتى الآن في عملية السلام" في الشرق الأوسط. لقد جاء اعلان نتانياهو عن قبوله التوجه إلى محادثات لندن عبر مناورة رخيصة أداها أمام رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ليضفي على نفسه صفة اعتدال علماً أنه كان قد تلقى الدعوة الأميركية للاجتماع مع أولبرايت في لندن. وعندما أعرب الفلسطينيون عن رغبتهم في قيام الاتحاد الأوروبي بدور في عملية السلام، سارع مسؤولون في حكومة نتانياهو إلى القول بأن لا بديل للمفاوضات المباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين. والذي يعنيه هذا عملياً هو أن إسرائيل تريد لميزان القوى الراجح لمصلحتها بنسبة ساحقة ضد الفلسطينيين أن يبقى على الأقل كما هو، إن لم يزدد رجحاناً لمصلحتها، من دون أي تدخل أوروبي أو أميركي جدي. وليس مما يدعو للتفاؤل قول نتانياهو لوزرائه أول من أمس الأربعاء تعقيباً على زيارة بلير: "إنهم البريطانيين/ الأوروبيين بدأوا يفهمون أن التلميح إلى أن لديهم مبادرة خاصة بهم يسيء إلى الولاياتالمتحدة"، و"لم تعد هناك ضغوط على إسرائيل لأننا أفشلناها وأفهمنا الجميع ان الضغط لا يفيد معنا". بيت القصيد في محادثات لندن، شأنها شأن أي محادثات في أي مكان تتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي، هو الأرض المحتلة وضرورة عودة السيادة العربية عليها. الأرض هي المبتدأ والسلام الخبر. والأمر المثير للقلق في ما يتصل بمحادثات لندن هو أن تعلن أولبرايت أن الجانب الإسرائيلي صار موافقاً على الانسحاب من نسبة أراضٍ لا تقل كثيراً عما تقترحه واشنطن 1،13 في المئة وبالتالي فأن على الفلسطينيين الموافقة على ذلك والدخول من دون تأخير في المفاوضات على الوضع النهائي. وهنا يكمن الخطر. ذلك أن إدارة كلينتون الرافضة لممارسة ضغط على إسرائيل، من الممكن جداً أن تترك الفلسطينيين في العراء بدلاً من وضع نفسها على مسار تصادمي مع اللوبي اليهودي المتنفذ في أميركا. وعندئذ ستنفرد إسرائيل بالفلسطينيين في ما يتصل بالقضايا الجوهرية المؤجلة إلى المرحلة النهائية، أي قضايا القدس واللاجئين والمستوطنات اليهودية وإكمال سحب قوات الاحتلال الإسرائيلية. وإذا ما حدث ذلك، فإن عملية السلام التي اطلقتها أميركا ستتحول، لا محالة، زعزعة للاستقرار وانفجاراً للعنف في المنطقة كلها.