حققت صحف عربية عدة تقدماً ملفتاً في تقديم مادتها في شكل رقمي عبر مواقعها في شبكة انترنت أو خزن موادها في أقراص ليزر لتوفيرها للباحثين والمهتمين. الدكتور عماد بشير، من مركز معلومات صحيفة "الحياة" والمحاضر في كلية الاعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية، يسجل هنا البدايات ويطرح تصوراً لما يمكن أن يكون عليه المستقبل. حققت الصحافة العربية في العقد الأخير من هذا القرن تقدماً كبيراً على مستوى إستعمال تكنولوجيا النشر المكتبي DeskTop Publishing وتصميم الصفحات باستخدام الكومبيوتر، وهي ضاهت بذلك كبريات الصحف الأجنبية في العالم. صحيفة "الحياة" التي تعتمد هذه التكنولوجيا منذ الثالث من تشرين الأول اكتوبر 1988، وهو تاريخ إعادة صدورها من لندن، كانت السباقة في هذا الميدان. والحقيقة أن كل الصحف العربية التي تحولت عن إستخدام النشر التقليدي الى تكنولوجيا النشر المكتبي إنما خطت هذه الخطوة بعدما تحملت مؤسسة "الحياة" والقائمين عليها عناء التجربة وتكاليف إقتحام هذا المجال الجديد في عالم إنتاج ونشر الصحف اليومية. نتيجةً لإستخدام تكنولوجيا النشر المكتبي في التصميم والإنتاج طرقت الصحف العربية باباً آخر من تكنولوجيا المعلومات مكّنها من إستخراج النصوص الصحافية المنشورة على صفحاتها وخزنها على وسائط تخزين إلكترونية مع قابلية البحث والإسترجاع الآلي الفوري لتلك النصوص. من هذه الوسائط الإلكترونية الأقراص المدمجة CD ROM التي بدأ الإعتماد عليها كإحدى وسائط خزن المعلومات في منتصف الثمانينات. على الرغم من أن الصحف العربية بات معظمها يعتمد إعتماداً كلياً على تكنولوجيا النشر المكتبي في التصميم والإنتاج، إلا أن الصحف التي بدأت إستخدام تكنولوجيا الخزن والإسترجاع الآلي للنصوص وإصدار محتوياتها على أقراص مدمجة لا يتعدى أصابع اليد. والصحف العربية التي باشرت إصدار أقراص مدمجة ووضعت هذه الخدمة في متناول القراء والباحثين عددها خمس يمكن تصنيفها في ثلاث فئات. تشكل صحيفة "الحياة" الفئة الأولى منه وهي الفئة التي تقدم محتوياتها على شكل نصوص قابلة للتعديل والتخزين من جديد بعد الإسترجاع، من دون أي تغيير للنصوص الأصلية المحفوظة على القرص المدمج. أما صحيفتا "السفير" و"النهار" اللبنانيتان واللتان تصدران من بيروت فتشكلان الفئة الثانية التي توفر محتوياتها على شكل صُوَر للحقبة السابقة ونصوص قابلة للتعديل والتخزين للحقبة الحديثة. الفئة الثالثة والأخيرة هي الصحف العربية التي تقدم محتوياتها على أقراص مدمجة كصُوَر غير قابلة للتعديل وتتمثل في صحيفة "القبس" الكويتية و"الأهرام" المصرية. أول تجارب إنتاج النصوص الصحافية على قرص مدمج جاء من صحيفة "الحياة"، إذ أعلن مركز المعلومات فيها في السابع عشر من تشرين الأول 1995 عن الإصدار الأول لمحتويات الصحيفة على قرص مدمج للأشهر الستة الأولى من ذلك العام، أطلق عليه إسم "أرشيف الحياة الإلكتروني". هذا الإنتاج كان ثمرة التعاون الأولى بين مركز المعلومات في "الحياة" وبين الشركة الشقيقة "لايف كومبيوترز"، بعدما تم تطوير برنامج "نيوز فلاش" كي يتلائم مع حاجة الصحيفة لخزن وإسترجاع ما ينشر فيها من نصوص. ويشار إلى أن برنامج "نيوز فلاش" هو وسيط أنباء من إنتاج "لايف كمبيوترز" وتستخدمه صحيفة "الحياة" وعدد آخر من الصحف العربية في تلقي الأخبار من وكالات الأنباء ومصادر الأخبار الأخرى. وبدأ مركز المعلومات في "الحياة" العمل على الأعداد الراجعة للصحيفة المتوفرة إلكترونيا منذ إعادة صدورها في لندن، وهو أصدر حديثاً قرص مدمج يحتوي على ما نُشر عام 1994، ويتابع الإصدارات الجارية ويوفر للمستفيدين من هذه الخدمة كل ما نشرته "الحياة" منذ عام 1994 حتى تاريخه. إعلان صحيفتا "السفير" و"النهار" إختارتا الإعلان عن إنتاجهما الإلكتروني للنصوص الكاملة لمحتويات الصحيفتين على أقراص مدمجة خلال ندوة حول وسائل الإعلام المتعددة الوسائط عقدت في بيروت في 11 تموز يوليو 1997 ونُظمت بالتعاون بين الصحيفتين ومؤسسة "الشرق الأوسط للأبحاث". بعد إنتهاء جلسات الندوة تم عرض المنجزات الإلكترونية المتوفرة على أقراص مدمجة، فذكرت زينب سلمان مديرة المركز العربي للمعلومات في صحيفة "السفير" أن المركز "خطا خطوة أخرى في إستخدام أحدث الوسائل في حفظ المعلومات فكان مشروع نقل "السفير" على الأقراص المضغوطة الذي نعرض أمامكم اليوم الإصدار الأول منه الخاص بالعام 1995". وكانت أشارت الى أن المركز أنجز الكشاف الخاص بمحتويات صحيفة "السفير" منذ إنطلاقتها في 26 آذار 1974 ولغاية عام 1996. كشاف السفير متوافر على أقراص مدمجة مع إمكان إسترجاع النصوص الكاملة بتنسيق بي دي أف PDF، أي على شكل صُوَر للمقالات المنشورة قبل عام 1995 وبصيغة نص إبتداءً من العام 1995. أما صحيفة "النهار" فقد جاء الإعلان عن منتجها الإلكتروني على لسان مدير مركز النهار للأبحاث والمعلومات جورج فرنسيس الذي تحدث عن النقلة النوعية التي شهدها المركز إذ حول أرشيف "النهار" الورقي أرشيفاً إلكترونياً، ووضع 64 سنة من ذاكرة لبنان والعالم العربي في متناول الباحثين وأصحاب القرار بطريقة سهلة وسريعة. وعرض أن "النهار" متوافرة على أقراص مدمجة في أربع صيغ : "كشاف مع النصوص الكاملة بدءاً من العام 1995، كشاف مع صفحات الجريدة من 1992 الى 1994" الكشاف السنوي من 1992 إلى 1996، وجريدة "النهار" من 1933 إلى 1996، وتتضمن صفحات الجريدة مع الصور المنشورة وتغطي 64 عاماً من عمر "النهار" مخزنة على 64 قرصاً مدمجاً". صحيفتا "السفير" و"النهار" تنطلقان من التجربة نفسها تقريباً سواءً على مستوى إستخدام نظام الحفظ والإسترجاع أو على مستوى إستخدام رؤوس الموضوعات في الكشافات الآلية. أما النظام المستخدم فهو يعتمد على برنامج "فورث دايمنشن" 4D الذي طورت نسخته العربية مع بعض التعديلات شركة الشرق الأوسط للأبحاث في بيروت. صدور صحيفة "القبس" الكويتية باشرت الصدور على أقراص مدمجة منذ العام 1995، وقال مدير مركز المعلومات والدراسات في "القبس" حمزة عليان "إن العمل بإستخدام الحاسوب في عملية توثيق الأخبار جارٍ منذ بداية العام 1995 وان كل الأخبار منذ بداية العمل الى اليوم متوافرة آلياً". وبُني النظام على إصدار كشافات شهرية تسجل على أقراص مدمجة مع تجميع سنوي وإسترجاع صوَر القصاصات المدخلة في النظام. وأضاف حمزة انه "تمشياً مع خطة التحديث التي تتبعها الصحيفة تم الإتفاق مع إحدى شركات الكومبيوتر على أن يتم نقل النظام الحالي نظام نوافذ صخر إلى نظام ويندوز 95 العربي وتطوير قاعدة البيانات من نظام فوكس برو Foxprow الى أس كيو أل SQL". والجدير ذكره أن نظام فوكس برو المستخدم حالياً في كشاف القبس طورته شركة موارد الخليج الكويتية بالتعاون مع شركة أي دي أس IDS اللبنانية. وحديثاً أفصحت مقالة منشورة في صحيفة "الأهرام" في 14 شباط فبراير 1998، أن صفحاتها وصفحات كل المطبوعات التي تصدر عن "الأهرام" وعددها الحالي 25 مطبوعة باتت جاهزة وقابلة للخزن على أقراص مدمجة كصُوَر إلكترونية مع الكشافات الإسترجاعية الخاصة بها. وذكر المقال الذي أعده حاتم صدق وجمال غيطاس أن "في تمام الثانية من بعد ظهر اليوم سيكون عدد المواد الصحافية المسجلة في قاعدة المعلومات الخاصة بالأهرام بلغ 658،13 مليون مادة بين خبر وتحقيق ومقال وتقرير ودراسة، وذلك بعد ان يكون خبراء مركز الاهرام للتنظيم وتكنولوجيا المعلومات انتهوا من تكشيف وتصنيف وتجهيز عدد اليوم من "الاهرام" ونقله الى صورة ميكروفيلمية واخرى الكترونية على الكومبيوتر وتخزينه باحداث اساليب تكنولوجيا المعلومات في العالم مضافاً اليها ما حققوه من ابداع علمي استنادا الى خبرتهم الطويلة والرائدة التي تمد جذورها الى عام 1969 والتي حولت قاعدة معلومات "الاهرام" إلى "بحر معلومات" هائل يحتوي كل حرف كتب في "الاهرام" منذ صدوره عام 1876 وحتى هذه اللحظة". البحث والإسترجاع من الناحية النظرية، كل الصحف العربية التي تستخدم تكنولوجيا النشر المكتبي في إنتاجها قادرة على تخزين محتوياتها على أقراص مدمجة، وقادرة على تقديم نظام بحث وإسترجاع يتيح الوصول الى النصوص المطلوبة. والأقراص المدمجة التي تصدرها الصحف العربية حالياً تتفاوت في أنواع أنظمة البحث والإسترجاع المستخدمة وتختلف في متطلبات التشغيل التي تفرضها على المستفيد، ولكنها تجتمع على توفير المواد الصحافية للباحثين بطرق مقبولة تتيح لهم في بعض الحالات البحث بواسطة النصوص والعناوين والمؤلفين والكلمات المفتاحية وتواريخ النشر. خاتمة إن ما تقدمه الصحافة العربية من مساهمات في ميدان تخزين وإسترجاع النصوص الإلكترونية حتى الآن يعتبر قليلا قياساً بما تقدمه الصحافة الغربية عموما والأميركية والانكليزية خصوصاً. فهذه المؤسسات قدمت الكثير في سبيل تطوير نظم الخزن والإسترجاع وعملت على إيجاد حلول للمشاكل التي تعترض عمليات الإسترجاع الآلي الفوري سواء من بنوك المعلومات مباشرة أو من الأقراص المدمجة. وأعتقد أن المطلوب من أصحاب الخبرات والتجارب العربية في هذا المجال تبادل الآراء والأفكار حول المشاكل التي تعترض تطوير هذه التقنية في البلدان العربية والوصول الى حلول تساعد الصحف والمطبوعات الدورية وتحضهم على المساهمة بفعالية على التطور في هذا الميدان وبالتالي الحفاظ على الذاكرة العربية من الإهمال والضياع.