وصف رئيس مجلس النواب المغربي السيد عبدالواحد الراضي الأوضاع في الجزائر بأنها "مؤلمة وتؤثر في نفسية المغاربة". وأعرب عن تمنياته بأن تنتهي أعمال العنف "في أقرب وقت ممكن". وقال الراضي في مقابلة مع "الحياة" أمس ان الجزائر كانت ضحية الحزب الوحيد جبهة التحرير الوطني، في وقت اختار المغرب نظام التعددية الحزبية في بداية الستينات الأمر الذي "جعله عرضة لانتقادات أنظمة عدة". ودعا الى "فهم مصدر الخلل الذي يغذي التطرف الديني في الجزائر". وأوضح ان "العناصر متعددة لكن يغلب عليها الطابع السياسي الذي يغذي أعمال العنف. ولا سبيل الى تفادي مثل هذه الأعمال الا عبر اقرار ديموقراطية حقيقية تكون مبنية على وجود مؤسسات تنظم آليات الممارسات الديموقراطية". وقال: "ان الظروف السياسية في بلد ما تُفسح - عندما تكون صعبة - في المجال أمام التطرف، في ظل غياب طرق التعبير عن المواقف السياسية"، في اشارة الى المنظمات النقابية والأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني. وسئل عن تأثير التطرف في المغرب فأجاب: "ان المغرب ليس محصناً ضد التطرف، ولكن عنده تلقيح، وميزته ان التعددية كانت موجودة حتى قبل استقلال البلاد، لكن الأهم ان المعارضة كانت دائماً قائمة، ولو انها كانت مضطهدة، لكن المغاربة كانوا يجدون متنفساً للتعبير عن عدم رضاهم عن السياسة المتبعة، وكانت هناك نقابات تمثل مستويات عدة". وسئل عن العلاقة بين المغرب والجزائر، فأجاب: "ان حواجز نفسية تعيق أي تطور لبناء الثقة، وهذه حال عربية عامة تقف دون احلال التضامن العربي واشاعة الحوار والتعايش. ونحن نتساءل: من الذي سيقدم على اتخاذ المبادرة الأولى لتجديد الحوار بين المغرب والجزائر؟". وأوضح انه بعد حادثة اطلس اسني في مراكش صيف 1994 عندما قتل متطرفون سائحين اسبانيين طلب المغرب فرض نظام التأشيرة على الرعايا الجزائريين. وكان رد الفعل المغربي طبيعياً ومنطقياً فرضته اعتبارات أمنية. لكن الجزائر صعدت الموقف واتخذت اجراءات أكثر تشدداً، تمثلت في اغلاق الحدود وتعليق العلاقات. ورأى ان ذلك الموقف اتسم بالتصعيد لاعتبارات اخرى لا علاقة لها بالسبب الرئيسي، أي فرض نظام التأشيرة. وأضاف: "كان من الممكن للجزائر ان تحتج أو تتخذ اجراءات لكن ليس اغلاق الحدود". وأوضح الراضي ان قضية الصحراء في مقدم أسباب التوتر في منطقة شمال افريقيا. ودعا الجزائر الى معاودة النظر في نهجها السياسي حيال هذه القضية، قائلاً: "ان الحل يمر عبر الحوار بين المغرب والجزائر، وكل المحاولات التي تهدف الى مساندة "بوليساريو" يعتبرها المغرب حلاً غير مقبول". وأضاف: "على الجزائر ان تقتنع ان بناء المستقبل رهن التعاون والحوار والتفاوض والتنازل المتبادل، وليس المواجهة". ووصف الاتهامات التي صدرت من منابر اعلامية ضد المغرب تزعم ايواءه متطرفين بأنها "كانت من قبيل الاستهلاك الاعلامي ولا صحة لها، وقد تعودنا على ذلك". وسئل رئيس مجلس النواب عن مضاعفات أزمة لوكربي باعتباره كان يرأس الاتحاد العربي الافريقي في صيغة وحدة بين المغرب وليبيا عام 1984، فأجاب: "ان طلب أميركا وبريطانيا تسليم متهمين للمحاكمة أصبح غير مشروع، وغير مبرر، وليس هناك أي سند قانوني يدعمه في ضوء الحكم الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل لدولية في لاهاي". وأضاف: "ان قرار رفع الحصار أصبح قراراً سياسياً محضاً، يعود الى مجلس الأمن الدولي". لكنه رأى أنه مبني على "ميزان القوة بين من ستكون له كلمة الحسم: قرار مجلس الأمن أم حكم محكمة لاهاي". وتحدث الراضي عن الوضع في العراق، فشكّك في قدرات العراق على معاودة تشكيل أي خطر ضد البلدان المجاورة. وقال: "ان العراق لم يعد يملك حتى امكانات الدفاع عن نفسه، ولا يملك الوسائل الضرورية لذلك". واستدل على ذلك بعدم رد العراق على عمليات التدخل العسكري التركي مرات عدة في شماله من دون أي رادع. ودعا الى رفع الحصار قائلاً: "حان الوقت لذلك. فالعراق نفذ كل القرارات الدولية ذات الصلة بفرض الحصار، وقامت فرق التفتيش بعملها ودمرت كل الأسلحة المحظورة، أكثر مما دمرته الحرب". ورأى المسؤول المغربي ان موقف بلاده لجهة عدم التعامل مع حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو "منطقي وطبيعي". وأردف: "يصعب الحوار مع انسان يتنكر لكل الاتفاقات والالتزامات". وقال: "بدأ نتانياهو منذ وصوله الى رئاسة الحكومة الاسرائيلية في تنفيذ سياسة دفن اتفاقات أوسلو. وحاول في موازاة ذلك اجراء اتصالات، وهذا شيء مرفوض". وأوضح ان بلاده ترفض أي اتصالات لا تكون في سياق احترام الاتفاقات المبرمة مع الجانب الفلسطيني. وتحدث المسؤول المغربي عن وضع مدينتي سبتة ومليلية اللتين تحتلهما اسبانيا شمال البلاد. فقال: "ان حل المشكلة يتطلب مزيداً من الوقت. وموقف المغرب واضح، يتمثل في اقتراح تشكيل مجموعة عمل مغربية واسبانية تبحث في مستقبل المدينتين بما يضمن عودتهما الى سيادة المغرب والحفاظ على المصالح الاسبانية". لكنه عاب على حكومة مدريد "انها لا تصغي لنداء المغرب وهي امام امتحان مماثل في سعيها الى استعادة صخرة جبل طارق". وكشف الراضي الذي يعتبر عضواً قيادياً في الاتحاد الاشتراكي ان هناك صعوبات امام تأقلم النخبة السياسية في البرلمان مع أساليب التجديد التي يقترحها لاغناء العمل الاشتراعي، في اشارة الى معاودة تنظيم القانون الداخلي مجلس النواب. وقال: "ان النخب السياسية ما زالت محافظة في المعاملات بالمعنى السياسي". وأوضح ان حكومة رئيس الوزراء عبدالرحمن اليوسفي "ليست لديها عصا سحرية"، ولكن المهم هو ان التغيير الذي وقع في البلاد يعتبر محاولة جديدة جاءت بأفكار جديدة وبأسلوب عمل جديد، ما يساعد في معالجة القضايا المطروحة وفق منهجية جديدة. وقال: "ان التناوب في هذه الفترة استثمار سياسي".