لا يضير وزير الخارجية البريطاني روبن كوك الا يدعى الى غداء أو عشاء مع رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو، أو مع ممثلي اليهود البريطانيين، ولعل أفضل رد على هذا وهؤلاء جاء من رئيس الوزراء طوني بلير الذي أعلن بعد المواجهة في جبل أبو غنيم انه سينام في غزة خلال جولته القادمة في المنطقة، وهو بذلك سيكون أول رئيس حكومة غربية يفعل ذلك. وكان بلير أعلن تأييده التام وزير خارجيته في أعقاب سوء الأدب الذي أبداه نتانياهو وأفراد عصابته ازاء الوزير الزائر، وكرر رأي الحكومة البريطانية ضد بناء المستوطنات، ثم قالت مصادره انه سيقسم وقته مناصفة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، وينام في غزة. ولم يكن كوك وبلير وحيدين في موقفهما من نتانياهو ومجلس النواب اليهود البريطانيين هؤلاء ليسوا نواباً في مجلس العموم، وانما هم مندوبون عن الكنس والجمعيات اليهودية المحلية. بالنسبة الى نتانياهو كتب كريستوفر هيتشنس، وهو صحافي انكليزي بارز، مقالاً طويلاً في "الايفننغ ستاندارد" المسائية التي تؤيد اسرائيل عادة، كان عنوانه "الهدّام" اتهم فيه نتانياهو بتدمير العملية السلمية وبالتحالف مع أشرار منحرفين سياسياً هدفهم اهانة الفلسطينيين لا الوصول الى السلام. وأشار هيتشنس الى والد نتانياهو بنزيون أو بن صهيون وهو متطرف أورث ابنه التطرف بعد ان تشبّع بفكر متطرف صهيوني آخر هو جابوتنسكي الذي قامت حركته "بيتار" على الفكر الفاشستي من دون خجل. غير ان أقصى حملة على حلفاء نتانياهو جاءت من جيرالد كوفمان، النائب العمالي البارز، ووزير الخارجية "الظل" عندما كان العمال في المعارضة. ونصح كوفمان، وهو يهودي، في مقال نشرته له مجلة "نيوستيسمان" زملاءه من الساسة البريطانيين الا يخدعوا بالاعتقاد ان مجلس النواب اليهود يمثل يهود بريطانيا الذين يقدر عددهم بحوالى 300 الف. وهو وصف النواب اليهود هؤلاء بأنهم فارغون ومتعالون لا يفهمون من السياسة شيئاً وأضاف: "ان موقفهم هو ان أي حكومة اسرائيلية حتى لو كانت حكومة مقززة من نوع حكومة نتانياهو دائماً على صواب ويجب دعمها. وكل من لا يخدم بخنوع أي حكومة اسرائيلية ينبذ". ولعل من القراء من يذكر ان كوفمان، بصفته المسؤول عن الشؤون الخارجية في حزب العمال، زار المناطق المحتلة، واشتبك مع الاسرائيليين في حينه. والمسألة تتجاوز التحدي لحكومة عنصرية كريهة، وكوك نفسه اختار ان يكتب في مجلة يهودية بريطانية ليؤكد تأييده وجود اسرائيل، واحترام اليهود البريطانيين، مع تكراره السياسة البريطانية المعروفة. مثل هذه المواقف قد لا يُحلّ السلام في الشرق الأوسط، الا انه مهم لأنه يظهر معارضة للتطرف الاسرائيلي. وعكس هذا التأييد الأميركي الأحمق والأعمى لاسرائيل، ما يشجع عنصرياً منحطاً من نوع نتانياهو ان يستمر في عنصريته وتطرفه. وقد رأينا الأسبوع الماضي رسالتين من مجلسي الشيوخ والنواب الى الرئيس كلينتون تبديان قلقاً زائفاً على السلام، وكل منهما تؤيد اسرائيل فتشجع تطرفها، وتغذي التطرف المقابل، في مثلث شر قوامه الكونغرس الأميركي والمتطرفون في اسرائيل، والمتطرفون الفلسطينيون في مواجهتهم. وكنت قرأت مقالاً لكاتب يهودي أميركي هو ايموس بيرلمتر يبدو نقيض اليهودي البريطاني كوفمان، فالكاتب الأميركي يهاجم كوك ويحمله مسؤولية المواجهة في جبل أبو غنيم، بدل ان ينتقد البناء في أرض فلسطينية كل شبر من اسرائيل أرض فلسطينية الا ان هذا موضوع آخر. واذا عاد القارئ الى مقال كوفمان فسيجد ان حديثه عن النواب اليهود البريطانيين ينطبق تماماً على أمثال بيرلمتر من الاعتذاريين اليهود الأميركيين لاسرائيل الذين يسعون الى خراب المنطقة بدعم سياسة لا يمكن ان تؤدي الى غير المواجهة، والحرب. ولعل المأساة الكبرى في كل هذا ان انتصار التطرف السياسي الاسرائيلي سيعني انتصار التطرف المقابل، فتساعد حكومة نتانياهو وأنصارها من اليهود الأميركيين "الارهاب" من حيث زعموا انهم يقاومونه.