فيما خرجت الصحف التركية صباح الجمعة الماضي بعناوين حذره، مترقبة قرار مجلس الأمن القومي في شأن محاربة الاسلاميين "كانت البلديات التابعة لحزب الفضيلة تحتفل في العاصمة التركية بالذكرى الرابعة لانتصار الاسلاميين الذين تسلموا المصالح البلدية في كثير من المدن والقرى بما فيها أنقرةواسطنبول. وكان الاحتفال على شكل معرض في مدينة المعارض في أنقرة، استعرض فيه المسؤولون في البلديات انجازاتهم بخطب حماسية ولكن حذرة، وكان موضوع الساعة وقتذاك حاضراً، اجتماع مجلس الأمن القومي الذي يتربص بهم ولكن لم يشر اليه أي من المتحدثين بشكل مباشر، وجاءت أقوى إشارة اليه من رئيس بلدية قونيه، خليل يورون حين قال: "عندما تسلمت رئاسة قونيه للمرة الأولى حصلت على 40 في المئة من الاصوات، وفي المرة الثانية على 65 في المئة، وفي المرة الأخيرة على 75 في المئة وهي أعلى نسبة حصل عليها رئيس بلدية في تركيا فبدل ان تحاربونا أبحثوا عن الأسباب التي جعلت الشعب يؤيدنا". رئيس بلدية انقرة مليح كوشك ومستضيف المعرض قال لپ"الحياة" "ان المعرض يهدف الى اختراق التعتميم الاعلامي المفروض على انجازات بلديات الفضيلة". وتحدث كوشك، وهو من قيادات الفضيلة الشابة البارزين، عن تجاهل الاعلام أكبر مشروع في مدينته "بنينا أكبر محطة تكرير مياه في أوروبا". وأشار الى مجسمات هائلة تشرح المشروع للزوار "ولكن التكتلات الاعلامية فرضت حظراً على أخبار هذه الانجازات". وبالفعل يستطيع رؤساء بلديات "الفضيلة" استعراض ما يفخرون به، بالإضافة الى مسألة النزاهة، اذ لم يتهم أي منهم، وعددهم يزيد على المئة بين رئيس أكبر مدينة تركية، ورئيس بلدية قرية نائية، في الشرق، بالفساد الذي أصبح سمة رؤساء البلديات الأتراك لحقبة طويلة. ولعل فضيحة رئيسة بلدية شيشلي جوليا أصيل ترك المنتمية الى الحزب الحاكم الوطن الأم جاءتهم في الوقت المناسب لعقد مقارنة بينهم والآخرين، وتصدرت أخبار الفضيحة الصفحات الأولى من الصحف يوم افتتاح معرضهم، بما تضمنته من تفاصيل مثيرة. فهي طلقت وتزوجت واتهمت باختلاس ملايين الدولارات، وطردت من حزبها، وأخيراً استقرت في فيلا أنيقة جنوبفرنسا. وبالطبع لن تترك الصحافة التركية المولعة بالفضائح قصة كهذه من دون ان تتدخل في أدق تفاصيلها. أما رؤساء البلديات الاسلامية فيعانون من مشاكل مختلفة أسوأها ما حصل لرئيس بلدية مدينة سنجان الموجود حالياً في السجن بعدما نظم العام الماضي في مدينته احتفالاً بيوم القدس شارك فيه ديبلوماسي ايراني ودعا الى الجهاد وتحرير القدس من فوق منصة زينت بشهداء "حماس" و"الجهاد الاسلامي". واعتقل اثر ذلك بعدما تجولت دبابات الجيش التركي، في استعراض للقوى في شوارع مدينته، وهناك ايضاً رئيس بلدية قيسارية الذي طرد من منصبه بقرار من المدعي العام في كانون الثاني يناير الماضي بتهمة الدعوة الى تطبيق الشريعة. وكان من بين قادة "الرفاه" الذين حرموا من حقوقهم السياسية في قرار حل حزب "الرفاه". اما رئيس بلدية العاصمة التجارية والحضارية اسطنبول رجب الطيب اردوغان فشكى في تصريح الى "الحياة" من ان الحكومة المركزية تحرمهم من بعض المخصصات، ومن حقوقهم الاساسية كبلديات، لكنه قال بثقة: "تعلمنا ان نقف على قدمينا من دون الاعتماد على أحد، وان لا نأخذ سوى حقوقنا من الحكومة المركزية، وحتى بعض هذه الحقوق لا نحصل عليها، ويتعاملون معنا باعتبارنا حزباً سياسياً يختلف معهم، وليس كإدارة منتخبة من قاعدة شعبية عريضة، على رغم ذلك نجحنا وحققنا انجازات واعتمدنا العدالة في كل أعمالنا". وعلى رغم هذه المضايقات كما يرويها رؤساء البلديات الاسلامية فإن عملهم فيها حقق لهم "شعبية واسعة"، كما يقول الدكتور مراد مرجان الاستاذ في الاقتصاد في جامعة بيكان في أنقرة: "انتصار الرفاه في الانتخابات المحلية هو الذي أبرز الحزب بشكل واضح فنقله الى مصاف الاحزاب الكبرى في الانتخابات الأخيرة، بل اصبح أكبر حزب". ويرى مرجان ان كثيراً من المتدينين اعتدوا ان يعطوا أصواتهم الى الاحزاب التي تستطيع ان تصل الى السلطة، وتوفر لهم خدمات، وبالتالي كانت الاحزاب اليمينية تستأثر بأصواتهم" ولكن عندما رأوا ان الرفاه يستطيع ان يصل الى السلطة وان يقدم لهم خدمات كان من الطبيعي ان يعودوا الى الحزب الذي يمثلهم". وهناك مزايا أخرى لاهتمام الفضيلة الذي هو استمرار للرفاه بالبلديات، فبالاضافة الى إشرافها على خدمات مباشرة للشعب فإنها ايضاً مصدر جيد للقوة الاقتصادية، فبلدية انقرة تحصل على 5 في المئة من الضرائب المحصلة فيها، على سبيل المثال، ما يعني حصولها على حوالى 20 مليون دولار شهرياً على الأقل، بالاضافة الى ملايين اخرى من رسوم الخدمات التي تحصل عليها مباشرة ودخول الشركات التابعة لها. ولكن هل هي كافية لانجاز مشاريع مثل المترو الذي يبلغ طول انفاقه 16 كيلومتراً، ويتوقع ان يبدأ تشغيله العام المقبل؟ يقول رئيس البلدية مليح كوشك مبتسماً "بالطبع كافية اذا لم يسرقها أحد"، أما بلدية اسطنبول الكبرى فتقدر موازنتها السنوية بنحو 2.5 بليون دولار. والإضافة الى المشاريع المباشرة يشرف كل رئيس بلدية على شركات للقطاع العام في مجال المواصلات والغاز والماء، وغيرها من الخدمات. والمؤكد ان الرفاهيين يفضلون التعامل مع أصدقائهم الأمر الذي يعزز قوة هذا التيار الاقتصادي، وهذا ما تنبه اليه العسكريون فوضعوا قائمة بشركات "أصولية" دعوا الى عدم التعامل معها. وتوفر البلديات عشرات الآف من فرص العمل للكوادر الاسلامية المحاربة في رزقها في المؤسسات الحكومية الاخرى، بشتى التهم، فمجرد التخرج من أحد مدارس الأئمة والخطباء الحكومية تهمة، أما التخرج من الجامعة الاسلامية في المدينةالمنورة أو الأزهر فإنه جريمة، وبالتالي وجد هؤلاء وغيرهم فرص عمل في البلديات الاسلامية. فبلدية اسطنبول على سبيل المثال تشغل نحو 35 ألف موظف وأنقرة 20 ألفاً آخرين. ومن المؤكد ان اردوغان وكوشك ومعهما الآخرون يتمنون ان لا يضطروا الى الدخول في مواجهة مع الجيش والحكومة المركزية حول قضية الحجاب التي يراها كوشك أنها "مسألة شخصية يجب ان لا يتدخل فيها أحد"، ويرى ارودغان ان التركيز عليها "تخلف ومسألة غير حضارية"، فمئات من العاملات عندنا من المحجبات، واذا اعتمد البرلمان مجدداً قانون اللباس الذي اقترحه رئيس الوزراء مسعود يلماظ فعلى رؤساء البلديات الاسلامية تدبير حل لمشكلة هؤلاء الموظفات.