ألحق تراجع أسعار النفط في الأسواق الدولية ضرراً كبيراً بالاقتصاد الجزائري، لكن مسؤولين في صندوق النقد الدولي قالوا ل "الحياة" إنهم على ثقة بأن في وسع الجزائر الوقوف أمام "العاصفة" إذا واصل المسؤولون فيها تحقيق الاصلاح الاقتصادي وسرّعوا عمليات التخصيص. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن متوسط سعر البرميل الواحد من النفط الجزائري تراجع من 20 دولاراً العام الماضي إلى 15 دولاراً في الوقت الراهن. وتراجع بشكل كبير ما تجنيه الجزائر من التصدير الذي يشكل الغاز والنفط 95 في المئة منه. وفي تقديرات الصندوق ان الجزائر تخسر 700 مليون دولار من عائدات التصدير كلما تراجع سعر البرميل الواحد من النفط دولاراً واحداً. ولهذا يتوقع أن تخسر الجزائر 1،2 بليون دولار السنة الجارية، أو ما يعادل سُبع قيمة الصادرات الجزائرية التي بلغ مستواها العام الماضي 14 بليون دولار. ويتوقع خبراء صندوق النقد الدولي الاقتصاديون أن تنعم الجزائر، مع ذلك، بفائض تجاري السنة الجارية إذا بقيت قيمة الواردات على ما كانت عليه العام الماضي، أي 8 بلايين دولار. لكنهم يحذرون من أن حساب الجزائر الجاري قد يتراجع ويدخل في العجز إذا لم "تعوض" السياسة الضريبية الخسائر نظراً إلى أن 65 في المئة من عائدات الدولة تأتي من النفط والغاز. يذكر أن نسبة النمو الاقتصادي تدنت العام الماضي إلى 3،1 في المئة فقط، بعدما كان متوسط النمو أربعة في المئة على مدى عامين. ونظراً إلى أن 30 في المئة من اجمالي الناتج المحلي الجزائري يأتي من الهيدروكربونات، فإن كثيرين يعتقدون ان هذا الناتج سيتأثر سلباً بتراجع أسعار النفط. لكن خبراء الصندوق الاقتصاديين يترددون في التكهن لأن النمو الاقتصادي يرتبط أيضاً بالانتاج الزراعي، الذي يأملون في أن يزداد في السنة الجارية، وبالانتاج الصناعي الذي تراجع أربعة في المئة العام الماضي، لكنه قد يتحسن السنة الجارية. ويجري هذا فيما تقترب الجزائر من نهاية برنامجها الثلاثي الذي كلف 3،1 بليون دولار وشارك فيه صندوق النقد الدولي. يذكر ان البرنامج ينتهي بالفعل في أيار مايو المقبل. ويقول المسؤولون في صندوق النقد إن الجزائر قد لا تحتاج إلى برنامج جديد، لأن البرنامج الراهن حقق نجاحاً اقتصادياً عاماً. وكان هؤلاء أدلوا بتصريحات مماثلة قبل بضعة أشهر. لكن تراجع أسعار النفط يلقي ظلالاً من الشك على الآراء الخاصة بحاجة الجزائر إلى برنامج جديد. وتتمحور المسألة حول ما إذا كانت السلطات الجزائرية على استعداد للمضي في تنفيذ سياسة من شأنها أن تعزز المكاسب التي جنتها البلاد في الأعوام الأربعة الماضية، ومن شأنها أن تبني جيلاً ثانياً من الاصلاحات التي قد تخفف من مشكلة الجزائر الكبيرة أي البطالة. وتتضمن اصلاحات من هذا القبيل تغيير النظام المصرفي لجعله يدعم القطاع الخاص بواسطة تمكين المصارف من اتخاذ قرارات في خصوص الإقراض وتوزيع الرساميل، واصلاح الأطر القانونية والنظام القضائي وتعزيز التحرير التجاري. ويقول مسؤول في صندوق النقد: "أبلت الجزائر بلاءً حسناً في المجال الاقتصادي العام لكنها قد لا تقطف ثمار هذا النجاح إذا لم تنجح في المجال البنيوي. وهذا ما كان الجميع يقولونه عندما كانت اسعار النفط عالية. لكن هذه الاسعار متدنية حالياً ولذلك ازدادت الحاجة الى التشدد على هذا الامر". ومن بين الانجازات على الجبهة الاقتصادية العامة تراجع معدلات التضخم الى ستة في المئة العام الماضي. وحسناً فعلت الجزائر اذ ادخرت معظم الثروة التي هبطت عليها فجأة بعد ارتفاع اسعار النفط عام 1996/1997 ووصلت احتياطات الجزائر نهاية العام الماضي الى ما يكفي لشراء واردات على مدى عام كامل تقريباً. وفي العامين الماضيين كان اجمالي الناتج المحلي يزيد 3.7 في المئة على ارقام الموازنة ، كما اتخذت السلطات الجزائرية عدداً من التدابير ساهمت بشكل كبير في تفكيك الاقتصاد الموجّه وفي تحرير التجارة والاسعار والتخلص بالتدريج من دعم المواد الاساسية واعادة تنظيم بنى المصارف، اضافة الى اعادة تمويلها، والبدء بتخصيص الشركات الصغيرة. لكن معدلات البطالة تبقى عالية اي نحو 28 في المئة من القوى العاملة. وتحتاج الجزائر الى ان يكون نمو القطاعات غير الهيدروكربونية فيها اكبر مما هو عليه حالياً لأن توليد الوظائف الجديدة سيكون في هذه القطاعات وليس في قطاع الهيدروكربونات الذي يحتاج الى رساميل كبيرة ولا يمكن ان يشغل أكثر من 300 ألف شخص حسب تقديرات صندوق النقد الدولي. ويقول المسؤولون في الصندوق ان استراتيجية الجزائر، الخاصة بتوليد المزيد من الوظائف عبر الترويج للزراعة والانشاءات والتخصيص ودعم هذه كلها، لم تنجح بالمقدار المطلوب. ويلفت هؤلاء الى ان المشكلة الامنية في الجزائر شكّلت عقبة لأنها حالت دون تدفق الاستثمارات الاجنبية الى القطاعات غير الهيدروكربونية التي تحتاج الى مقدار كبير من هذه الاستثمارات. ويعرب المسؤولون في الصندوق ايضاً عن قلقهم من ان نتائج الانتخابات العامة الاخيرة في الجزائر وسّعت القاعدة السياسية لكنها تُعقّد الادارة الاقتصادية الاساسية لأن القرارات الاقتصادية كافة تتطلّب الدعم والموافقة من ائتلاف حكومي، ما أدى حتى الآن، كما يقول هؤلاء، الى تأخير تطبيق الاصلاحات البنيوية. ويتردد ان السلطات الجزائرية تنظر في ما يتعيّن عليها فعله، وينتظر ان تبحث في الخيارات المتاحة كافة عندما تقوم بعثة جزائرية بزيارة واشنطن منتصف نيسان ابريل الجاري. ونظراً الى ان الجزائر تملك 8.4 بليون دولار من الاحتياطات، يقول المسؤولون في صندوق النقد انها لا تحتاج الى مال منهم ولهذا لا يشكّل التمويل مشكلة او عقبة. وتواجه الجزائر ايضاً زيادة في ما يتعيّن عليها تسديده من ديونها بدءاً من حزيران يونيو المقبل بموجب اتفاق مع دول "نادي باريس". ويعرب مسؤولو الصندوق عن ثقتهم في قدرة الجزائر على الوفاء بالتزاماتها الجديدة. ويقولون انهم لا ينتظرون ان تسعى السلطات الجزائرية الى ابرام اتفاق جديد يتناول اعادة جدولة الديون المستحقة لدول "نادي باريس". ويضيفون ان ديون الجزائر كانت نهاية 1997، 32 بليون دولار اي ما يعادل 70 في المئة من اجمالي ناتجها المحلي. اما خدمة ديونها فقد كانت 30 في المئة من قيمة صادراتها عام 1997. لكن المطلوب لخدمة الديون سيزداد الى 40 - 43 في المئة من قيمة الصادرات في سنتي 1998 و1999، بموجب نظام التسديد الجديد، قبل ان تعاود هذه النسبة التراجع.