في مقالته الأخيرة في "الحياة"، يأخذ المثقف الفلسطيني - الأميركي ادوارد سعيد على الولاياتالمتحدة انها تقلّصت "الى حجم صدام حسين، وبرهنت على انها تقف على المستوى نفسه الذي يقف عليه". وهذا بمثابة تعبير عن تحوّل لا يزال مُداوراً حتى الآن. فأشدّ نقّاد الولاياتالمتحدة، بمن فيهم بعض الصدّاميين وسعيد ليس منهم، غدوا يقولون: ها هي تتصرّف مثل صدّام. وقول كهذا ينطوي على افتراض ان صدام هو المعيار الذي يُقاس عليه "الشر"، وهي نقلةٌ مهمة بالقياس الى عهد "الشيطان الأكبر" والروحية التي أملت نقض الاستشراق الغربي. فالولاياتالمتحدة، بطبيعة الحال، قابلةٌ للكثير من النقد، وسياستها الأخيرة في العراق والشرق الأوسط تستحق رثاء الراثين او تشهير المشهّرين. إلا ان الوعي بالاستبداد والتخلّف والحروب الأهلية ومسؤوليات الشعوب ونُخبها وعيٌ يتنامى، ولو اتخذ أشكالاً مُحوّرة. ولم يكن غسان سلامة الباحث الوحيد الذي دلّل على ان المشكلة الراهنة للشعوب مع "الاستعمار" هي انه لا يتدخل، بعدما كانت المشكلة قبلاً انه يتدخّل. وهذا ما توضحه فعلاً المآخذ التي طالت السياسات الغربية في يوغوسلافيا السابقة او في رواندا وبوروندي، أو تلك التي تلوم واشنطن لأنها لم تُكمل حربها الأولى وتسقط صدام حسين. وليس قليل الدلالة ان اعادة النظر بالولاياتالمتحدة بدأت في البلد الذي أُطلقت فيه تسمية "الشيطان الأكبر"، كما ان من يمارسها هو رئيس جمهوريةٍ لا تزال تخضع إسمياً لشرعية الخميني، صاحب التسمية. فمن حفلة المصارعة التي شبّهها البعض بكرة المضرب بين أميركا والصين الى ادانة خاتمي نفسه الارهابَ، يتبيّن حجم الطلاق مع ما كان سائداً. وبطبيعة الحال يتغذّى النزوع الجديد على اعطاء الأولوية لمصالح ايران شعباً ودولةً ومجتمعاً، وهي أولوية وجدت فرصتها في التفجّر الجديد للمشكلة العراقية - الأميركية. مع هذا فالتاريخ ظالمٌ حيال المراجعات المتأخّرة. وليس من غير معنى ان صدامات طهران التي قد تقضي على السلطة الخمينيّة انما تسابق محاولةَ خاتمي لبناء سياسات جديدة متعقّلة. فهل يمكن التغلّب في لحظة عقل على ما تراكم طوال سنوات، أم ان هذا المتراكم أصبح منيعاً وكثيفاً بحيث يستحيل ان يخترقه الاعتدال المستجدّ، فلا يُحسم الأمر إلا بنزاع مفتوح مدمّر للجميع؟ إذا كان هذا سؤالاً ايرانياً، فهو سؤال عربي بامتياز، خصوصاً في البلد الذي غدا زعيمه زعيمه منذ عشرين سنة هو المعيار الذي يُقاس عليه "الشر"!