انتقد المستشار السياسي للرئيس المصري الدكتور اسامة الباز ادعاءات أميركية في شأن المسيحيين في مصر، ورفض أي تدخل خارجي في هذا الموضوع. ورأى أن أقباط المهجر الذين يتحدثون عن اضطهاد المسيحيين في مصر "مدفوعون من جهات أجنبية" ويسعون الى تحقيق "مصالح شخصية". ودافع الباز في حديث إلى "الحياة" عن السفير الاميركي لدى مصر إدوارد ووكر الذي التقى شخصيات من تيارات سياسية مصرية، لكنه حذره ضمناً من تجاوز مقتضيات عمله الديبلوماسي. ودعا الادارة الأميركية الى بذل مزيد من الجهد لحض اسرائيل على الالتزام بعملية السلام، مطالباً الأوروبيين تفعيل دورهم في الشرق الاوسط. وانتقد رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو، وقال إن اسرائيل لن تحكم المنطقة، مشدداً على ضرورة قيام دولة فلسطينية، ورفضه العنف. وتحدث الباز عن خيارات منها عقد مؤتمر دولي لتحميل إسرائيل مسؤولية ما آلت إليه عملية السلام. وهنا نص الحديث: اثيرت مسألة الاقباط في مصر وشكل الكونغرس الأميركي لجنة للبحث في موضوع الدول التي تضطهد الاقليات، وورد اسم مصر بين هذه الدول. في رأيك، ما مغزى هذه الحملة الغربية الأميركية، ومن وراءها؟ - لا توجد في مصر مشكلة للأقباط. وليس من حق أي تنظيم أميركي رسمي أو شعبي أن يقحم نفسه في هذه المسألة. والاقباط في مصر ليسوا أقلية - كما يشيعون - بل هم مصريون ولا فرق بين مصري مسلم وبين مصري قبطي. وهناك من يقول إن هناك اقباطاً مسلمين واقباطاً مسيحيين، بمعنى أن القبطي هو كل مصري، والقبطية ليست وافدة، والأقباط لهم حقوقهم وواجباتهم مثل المسلمين تماماً. لكن هناك محاولات لافتعال هذه المشكلة من قبل بعض الدوائر خارج مصر، بخاصة التي تشهد توجهات اصولية متطرفة متعصبة تنسب نفسها إلى الدين. وبعض هذه التجمعات الموجودة في الولاياتالمتحدة يحاول أن يعيّن نفسه قاضياً في شأن الاوضاع في دول محددة، بل وحكماً ويتدخل في الشؤون الداخلية للدول. وماذا عن انتقادات اقباط المهجر لمصر؟ - هذه مجموعة لا يتجاوز تأثيرها واحداً في المئة من أقباط المهجر، وتشن الحملة لأسباب عدة، منها أنها مدفوعة من جهات أجنبية ولتحقيق مصالح شخصية. بعض هؤلاء لديه مشاكل مع الكنيسة في مصر، فيتحين الفرص لمهاجمتها. هؤلاء خارجون على الكنيسة وعلى إجماع الاقباط في الخارج الذين لا يوافقون على تصرفاتهم. ظاهرة التشدد لدى أقباط المهجر بدأت في إحدى المدن الصغيرة في ولاية نيوجيرسي في الولاياتالمتحدة وهي ظاهرة صوتية ليس لها أي أساس لدى جموع الاقباط، وإذا كانت لدى أي مؤسسة قبطية أي شكوى أو تظلم فإننا مستعدون للنظر في الشكوى وأنصاف المؤسسة، والقبطي في مصر له حقوق المسلم وواجباته، والنظام والحكم في مصر يعاملان جميع المصريين على أساس متساوٍ تماماً، ولا يفرقان، وهذا واجب دستوري وشرعي عند المسلمين أيضاً. ترفضون التدخل الاجنبي في الشأن المصري، فلماذا استقبلتم وفد كنائس نيويورك وهو معني بتقصي الحقائق في شأن أوضاع الاقباط في مصر؟ - الوفد لم يأت الى هنا بفكرة إعداد تقرير عن أوضاع الأقباط في مصر بل حضر للاستفسار والبحث عن الحقيقة، وزيارته استطلاعية وليست للمحاسبة أو المساءلة. وهو التقى شخصيات من المسلمين والمسيحيين ووجد أن ليس هناك ما يسمى الأقلية المسيحية. إذاً ما سبب الحملة الغربية الأميركية على مصر؟ - نحن لا نهتم بالأكاذيب التي تم ترديدها في دوائر رسمية أو غير رسمية، والبابا شنوده الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية شخصية وقورة محترمة جداً نكنّ لها التقدير في مصر، وهو أكد أنه لا يحق لأي مسيحي خارج مصر أن يتحدث عن أوضاع الأقباط فيها لأن هذا شأن مصري. تردد خلال جولة الرئيس بيل كلينتون في افريقيا أن هناك اتجاها لتمويل الولاياتالمتحدة بناء سدود في اثيوبيا مما قد يقلل حصة مصر والسودان من مياه النيل، ألا تشعرون بالتخوف؟ - لا أعتقد أن تحرك الرئيس كلينتون في اثيوبيا هدفه مناوأة مصر أو حرمانها من المياه، لأن ذلك لن يحدث، وبناء سدود في اثيوبيا لا يضرنا، فنحن لسنا في حال عداء أو منافسة مع اثيوبيا، بل تربطنا بها علاقات صداقة ووئام، وما يكتب في بعض الصحف مجرد "اكاذيب". مصر مستعدة للمساهمة في بناء السدود في اثيوبيا لأن أي ترشيد وتحسين وتطوير لاستخدام مياه النيل سيصب في مصلحة الجميع، وبناء أي سد في اثيوبيا لن يمس موارد مصر المائية وحصتها، فهناك اتفاق في شأن حصتها من مياه النيل. ما تعليقك على اللقاءات التي عقدت في السفارة الاميركية في القاهرة مع شخصيات من تيارات سياسية مصرية، وأثارت انتقادات شديدة للسفير الاميركي؟ - السفير الاميركي كفء وموثوق به، يقوم بمسؤولياته بجدارة ولا يتدخل في الشؤون المصرية. وأنا لو كنت مسؤولاً في سفارة مصر في الولاياتالمتحدة سألتقي جهات مختلفة وقوى وتيارات متعارضة، من جمهوريين وديموقراطيين وإعلاميين وباحثين وعلماء وجامعيين. وننتقد السفير الاميركي إذا حاول التدخل في الشؤون المصرية أو أدلى بتصريحات تخالف مسؤولياته، لأن دوره هو خدمة العلاقات المصرية - الاميركية وتعزيزها. كل السفارات الاجنبية هنا تلتقي تيارات سياسية مختلفة خلال مناسبات ولقاءات في السفارات أو خارجها، ولا أعتقد أن السفارة الاميركية تقوم بما يمكن أن يوصف بأنه تدخل في شؤوننا. عملية السلام أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو رفضه المبادرة الأميركية حتى قبل أن يبدأ المنسق الأميركي لعملية السلام دنيس روس جولته الحالية. كيف تتصورون الدور الأميركي في عملية السلام ؟ - اميركا لا تستطيع فرض اقتراحاتها على الاسرائيليين أو الفلسطينيين وهي أصلاً لم تحاول ذلك، ولو ارادت لفعلت منذ مدة طويلة بخاصة أنها تشهد ما اصاب العملية السلمية، وتعلم الأخطار التي تترتب ليس فقط على إسرائيل بل كذلك على الولاياتالمتحدة ومصالحها في المنطقة. أثناء الأزمة العراقية الأخيرة أدركت أميركا أن من أهم أسباب عدم القيام بأي عمل عسكري ضد العراق غضب الشعوب العربية، مما شكل ضغطاً. أعني أن الولاياتالمتحدة قادرة على الضغط على إسرائيل على غرار ما فعلت في مؤتمر مدريد بعد "عاصفة الصحراء". لكنها لا تحاول الضغط، بل أن يكون لها تفكير مستقل عن اسرائيل، تطرحه على الطرفين. يُعتقد ان الضغوط تمارس على الجانب الفلسطيني فقط. - أقصى ما يمكن أن تطمح إليه الولاياتالمتحدة هو أن يكون لها تأثير من خلال نفوذها الأدبي، وتشعر الإدارة الاميركية بأن قدرتها على التأثير على الفلسطينيين اكبر بكثير من قدرتها على التأثير على الإسرائيليين، لأن الجانب الفلسطيني ليس لديه من الوسائل ما يمكنه من مواجهة التأثير الإسرائيلي داخل المجتمع الأميركي. من هنا تسعى الولاياتالمتحدة إلى التأثير على الفلسطينيين أكثر. وعلى رغم ذلك، يجب ألا نغفل دورها أو حقها، لأنها في النهاية تسعى الى خدمة مصالحها في المنطقة في المقام الأول، ولكن من دون الدخول في مجابهة مع إسرائيل، والشرط الأساسي في سياستها في المنطقة ألا تتعارض مع المصالح الإسرائيلية. لذلك أحيانا تكون الولاياتالمتحدة أسيرة للمواقف الإسرائيلية. هل تعني أن الدور الاميركي ليس نزيهاً؟ - علينا مخاطبة اميركا من وجهة نظر مصالحها ومسؤوليتها القانونية والسياسية، ونضع في حساباتنا نشاطات اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة وماذا يفعل. ولا يمكن اطلاقا مخاطبة الغرب بالعواطف. كيف يمكن أن يثق الرأي العام العربي بصدقية الدور الاميركي علماً أن مسؤولي الإدارة الاميركية المعنيين بعملية السلام غالبيتهم من اليهود؟ - هذا يتردد كثيراً للأسف الشديد، وهذا لا يصح مطلقاً. ونحن العرب ليست لدينا تعقيدات ولا نشعر بالضيق كون مسؤولي وزارة الخارجية الاميركية من اليهود، لأن كثيرين منهم آراؤهم معتدلة وغير منحازة، لكن الصورة العامة لدينا أن وجود يهود يعني أن مواقفهم اسرائيلية، وان هناك مؤامرة ما. هذه امور تفرضها الكفاءة فقط، ولا ننسى أنه في عهد الرئيس جورج بوش تم تعيين جون سنونو مستشاراً له، وهو من أصل عربي. لكن الفلسطينيين شككوا في صدقية روس؟ - بالنسبة إلى روس الصورة العامة أنه متحمس لإسرائيل وهذا ليس بسبب يهوديته، ونحن ضد هذا التفكير، فهذا موضوع سياسي وليس دينياً أو عرقياً. هل ستعلن المبادرة الاميركية بعد جولة روس الحالية؟ - الولاياتالمتحدة في مرحلة وضع مبادرتها في صيغتها النهائية بعدما انتهت من بلورتها تقريباً وهي تتضمن خمس نقاط ويبدو أن تأجيل طرحها يرجع الى الرفض الإسرائيلي. وكيف سيتم التحرك الاميركي؟ - الدور الأميركي الوحيد الذي تقبله اسرائيل هو تنشيط المفاوضات المتعددة الأطراف، أما بالنسبة إلى المفاوضات الثنائية فلا يسمح لهم بالتدخل فيها، وعندما أدرك الاسرائيليون ضرورة الانسحاب من لبنان تخلصاً من خسائرهم التي يتكبدونها اتجهوا الى أوروبا، لأنهم يعلمون أن لأوروبا علاقات أوثق بالطرفين اللبناني والسوري. إسرائيل تريد الدور الأوروبي لتحقيق مصالحها، وتتصور بغرور أن في امكانها الانفراد في تحديد هذا الدور ورسمه للأوروبيين. وأتساءل كيف لدولة صغيرة كهذه أن ترسم دوراً لقارة أوروبية كبيرة مهمة، أصغر دولة فيها أهم من اسرائيل بكثير من النواحي الاستراتيجية والسياسية والعسكرية. الرئيس ياسر عرفات تحدث عن مبادرة أميركية - أوروبية مشتركة، فهل هي مرتبطة بالمبادرة الاميركية الجديدة؟ - ليست هناك مبادرة مشتركة. هو يقصد أن هناك مبادرتين إحداهما اميركية والثانية أوروبية. وما يعيب المبادرات الأوروبية هو شعور الأوروبيين بعدم القدرة على ممارسة تأثير على إسرائيل مثل الاميركيين،وأن ثقلهم أقل. لذلك، هم يخطون بقدم إلى أمام ويتراجعون بالأخرى، لأنهم لا يريدون الدخول في صراع أو تنافس او صدام مع الأميركيين في هذا الشأن. وهل هذا سيكون نهاية الدور الأوروبي في الشرق الأوسط؟ - لا بد للقارة الأوروبية أن تنشط وتخرج من هذا الإطار، وبدأ الأوروبيون أخيراً في الإقدام على عرض مبادرتهم. ومتى سيعلنون مبادرتهم وما ملامحها؟ - المبادرة الأوروبية لجهة العدالة والوضوح أفضل من الأميركية، وأبلغت إلى الولايات التحدة، والاوروبيون أرجأوا طرحها رسمياً. هل تعني بالمبادرة الأفكار التي حملها وزير الخارجية البريطاني روبن كوك الى المنطقة؟ - نعم. كوك تحدث عن عناصر المبادرة ولم يطرحها بصورتها النهائية، وجولته كانت للاستماع الى كل الاطراف في المنطقة. والدور الاوروبي لا يكون متعارضاً أو متناقضاً مع الدور الاميركي بالضرورة، ويمكن أن يكون موازياً له على رغم بعض الخلافات بينهما خصوصاً في النقاط التي تشعر الولاياتالمتحدة بالحرج في تناولها. ما الثغرات التي تقصدها؟ - قضايا مثل الاستيطان والموقف الاوروبي في هذا الموضوع واضح تماماً، يرفض الاستيطان لمخالفته القانون الدولي. الولاياتالمتحدة نفسها منذ أيام الرئيس رونالد ريغان تتحدث عن الاستيطان باعتباره عقبة في طريق السلام لكنها تعتبره مسألة خلافية ولا تراه غير قانوني. الأوروبيون لهم نظرة بعيدة في مطالبتهم بوقف الاستيطان ففي حال استمر ستتعذر اقامة كيان فلسطيني متصل ببعضه بعضاً، والخطة الإسرائيلية تسعى الى تجزئة الكيان الفلسطيني. والمدهش إقحام إسرائيل المستمر لموضوع أمنها، فهذه الأراضي عربية فلسطينية يجب أن تعود الى الفلسطينيين كي يقيموا عليها دولتهم التي تشمل كل اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة. الرئيس الفلسطيني يقول انه سيعلن الدولة الفلسطينية أواخر السنة، ورئيس الوزراء الاسرائيلي يقول إنه لا يسمح بكيان سياسي مستقل للفلسطينيين. - الرئيس عرفات لم يقصد إعلان قيام دولة فلسطينية قبل الوصول الى مفاوضات الحل النهائي، لأنه يجب الأخذ في الاعتبار أن الإعلان من طرف واحد مسألة لها محاذيرها. والواقع أن هناك دولة فلسطينية تتكون وافقت اسرائيل أو رفضت أو استمرت في محاولاتها تمزيق الجسد الفلسطيني. إن الفلسطينيين يمارسون بالفعل سيادة واضحة على ارضهم ولا يمكن احداً حرمانهم من ذلك. وغالبية الشعب الإسرائيلي ترى عدم إمكان تحقيق السلام من دون قيام الدولة الفلسطينية، التي لا تشكل تهديداً لأحد. كيف يمكن اوروبا أن تمارس ضغطاً على الإسرائيليين؟ - أوروبا لم ترتعد فرائضها بسبب موقف إسرائيل المتسلط واسرائيل لا تملك من وسائل الضغط ما يمكنها من املاء افكارها على 320 مليون أوروبي. لكنها استقبلت وزير الخارجية البريطاني بفتور وعدم لباقة بسبب زيارته المستوطنة في أبو غنيم؟ - اسرائيل لا تدير الشرق الأوسط. هي صغيرة الحجم وموجودة ضمن 25 دولة، ويجب ألا نعطيها حجماً أكبر من اللازم. وماذا عن الخلافات في النسب المطروحة لإعادة الانتشار الاسرائيلي في الضفة الغربية؟ - أوروبا تطالب بتحقيق إعادة انتشار طبقا للتعهد المتفق عليه على أن تكون النسبة ذات صدقية وليست رمزية. والاوروبيون يرون أن تكون النسبة ما بين 15 و20 في المئة وأن يكون هناك ضمان لتحقيق اعادة الانتشار في مواعيد محددة.الاميركيون يريدون نسبة 13 في المئة والفلسطينيون يرون ضرورة أن تتجاوز النسبة 30 في المئة. وما جدوى المبادرات بعد رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي لها؟ - نتانياهو لا يحكم المنطقة. سنخاطب الشعب الإسرائيلي وإذا كان حريصا على الأمن والاستقرار في المنطقة لا بد أن يكون معتدلاً مع الفلسطينيين. أما الأفكار التي يطلقها المهووسون حول تهجير الفلسطينيين الى العراق أو "الوطن البديل" في الاردن، فهي مرفوضة. ما البدائل في حال استمرار الجمود على مسارات التفاوض؟ - البدائل سلمية بعد اختيارنا للسلام كهدف استراتيجي، ولا يصح أن نفكر في العنف كبديل. لا نريد عودة العنف الى المنطقة، ويمكن أن نفكر في عقد مؤتمر دولي يحمّل اسرائيل مسؤوليتها وايضا يمكن التفكير في اللجوء الى الأممالمتحدة. وهل تمكن إحالة القضية الفلسطينية على التحكيم؟ - التحكيم لا يصح في المسائل السياسية، ولا أظن أن دولة سكانها 8،4 مليون شخص هي التي ستتحدى العالم. في ضوء قرار محكمة العدل الدولية قبول الاختصاص للنظر في قضية لوكربي ألا ترى ضرورة التحرك لرفع الحظر عن ليبيا؟ - محكمة العدل الدولية قررت الجزئية الإجرائية فقط، وقرارها خطوة ايجابية جيدة تعني أن لوكربي ليست نزاعاً مع الأممالمتحدة.