في بادرة توحي بأنه متأثر بمعاناة الشعب الكوبي اعلن الرئيس الاميركي بيل كلينتون عن مجموعة اجراءات قالت ادارته ان هدفها التخفيف من وطأة الحصار الاميركي المفروض على كوبا منذ اكثر من 35 سنة. هنا تصورات عن الموضوع كتبتها ندى صباغ: نصت الاجراءات الاميركية الاخيرة في شأن كوبا والتي تولى الرئيس بيل كلينتون اعلانها بنفسه على ما يلي: - استئناف الرحلات المباشرة بين الولاياتالمتحدةوكوبا. - السماح مجددا للكوبيين المقيمين على الأراضي الاميركية بتحويل نقود الى عائلاتهم المقيمة في الجزيرة في حدود 300 دولار كل ثلاثة أشهر. - تسريع الاجراءات المتعلقة بإرسال مواد طبية الى كوبا. وقد يتبادر للوهلة الأولى ان هذه الاجراءات تعبر عن تغير في السياسة الاميركية تجاه هذا البلد، وان واشنطن ربما بدأت تتراجع عن العقاب الذي تفرضه عليه منذ انتصار الثورة الكوبية وتولي الرئيس فيديل كاسترو للحكم لكن الواقع ليس كذلك. والادارة الاميركية نفسها سارعت الى تبديد اي وهم او سوء تفسير لهذه الاجراءات. هكذا اكد الناطق باسم البيت الأبيض مايكل ماك - كاري ان اجراءات كلينتون لاتعكس اي اعادة نظر في السياسة التي تعتمدها واشنطن حيال كوبا، خصوصاً لجهة التخفيف من الحظر الاقتصادي المفروض عليها. وأضاف ان الهدف من هذه الاجراءات انساني بحت نظراً للمعاناة الاقتصادية التي يواجهها الكوبيون. وبالتدقيق في هذه الاجراءات يتضح انها لا تتضمن اي تراجع في مضمون الحظر الاقتصادي الاميركي، وإنما مجرد الغاء للاجراءات العقابية الاضافية التي فرضت على كوبا سنة 1996، بعد اسقاط الدفاعات الكوبية لطائرتين تابعتين لاحدى المنظمات المناهضة لنظام كاسترو. ومن حيث الدوافع التي أدت الى هذه الاجراءات، ربطتها الادارة الاميركية بالزيارة التي قام بها البابا يوحنا بولس الثاني مؤخراً الى كوبا وباللقاء الذي اجرته وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت مع البابا في الفاتيكان مطلع الشهر الحالي. فبعد هذا اللقاء، وعلى ضوء ما سمعته اولبرايت من البابا عن اوضاع الشعب الكوبي، اراد كلينتون الإقدام على بادرة حسن نية، بالتمييز بين الشعب وبين النظام. ومن هذا المنطلق تم اختيار الاجراءات الثلاثة التي تشكل متنفساً للكوبيين، دون ان تلغي الحظر الاقتصادي وقانون هيلمز - بورتون الذي اعتمد ايضاً سنة 1996 والذي يحظر على المستثمرين الاجانب توظيف اموالهم في مشاريع تنفذ في كوبا. وبالرغم من التوضيحات الرسمية الاميركية اعتبرت السلطات الكوبية ان الظرف مناسب للمطالبة برفع الحظر عن الجزيرة باعتباره، على حد قول ناطق باسم حكومة كاسترو، "حظراً لا اخلاقياً ببنوده كافة" و"منافياً للقوانين الدولية". والواضح ان النظام في هافانا يحاول اظهار اجراءات كلينتون على انها مكسب اولي لصالحه، بانتظار تراجع الادارة الاميركية عن كامل عقوباتها. وبالتالي فما على الشعب الكوبي سوى الاستمرار في الصبر وفي تحمل أسوأ انواع البؤس والفقر، لأنه سيأتي يوم تتغير فيه الامور الى الأفضل. اما المعارضة الكوبية، فدعت بدورها الى رفع الحظر الذي تقع عواقبه على الفئات الاجتماعية الكوبية المعدمة دون ان تشكل اي خطر على النظام. وترى المعارضة انه مثلما استغل النظام الكوبي الزيارة البابوية لاضفاء "شرعية فاتيكانية" على وجوده، فإنه يستغل اجراءات كلينتون باعتباره دليلاً على جدوى تمسكه بمبادئه، مغلقاً الأبواب امام اي تغيير. والواقع ان كوبا تشكل افضل نموذج على عدم جدوى سياسات الحظر المتبعة من قبل واشنطن تجاه انظمة لا تخضع لأي حساب من قبل رأيها العام، فيما تجد في العقوبات الاميركية ضدها افضل وسيلة لتعزيز قبضتها على البلاد.