خلافاً لما عهدته دول المشرق العربي من أنظمة اشتراكية لا فاصل فيها بين الحكم والحكومة والحزب الواحد والجيش، فإن تجربة تشكيل أول حكومة اشتراكية في المغرب برئاسة عبدالرحمن اليوسفي، من شأنها أن تضيف جديداً إلى الثقافة السياسية اليومية، ليس إلى عامة الجمهور فقط، بل كذلك لما يفترض أنه نخب حزبية وأكاديمية وإعلامية. فهذه التجربة الناشئة في الديار المغربية تمت عن طريق التنافس الحزبي في صناديق الاقتراع العام وفي أجواء التعددية السياسية الفعلية، وكانت الكتلة الديموقراطية المعارضة اليسارية تلقت عرضاً بتشكيل حكومة منذ 1994، إلا أنها ارتأت أن تبلغ ذلك بالتزكية الشعبية، وهكذا كان. على أن موازين البرلمان كانت تسمح بتكليف شخصية أخرى من خارج المعارضة التاريخية بتشكيل حكومة وذلك نظراً لعدم تمتع فريق حزبي بغالبية برلمانية، وعليه فإنه مع تمتع المعارضة اليسارية بتزكية شعبية طفيفة نسبياً، فإن الفريق الاشتراكي تمتع إلى جانب ذلك بتزكية رأس السلطات: الملك، الذي اطلق فكرة التناوب بما سمح بتشكيل حكومة اشتراكية ائتلافية في ظل نظام ملكي. وهذا فيما اقترنت الاشتراكية في المشرق العربي بالجمهوريات والاحادية الحزبية، علاوة على التأميم وتقييد القطاع الخاص والرقابة على النقد، وهو ما يفترق عنه الاتحاد الاشتراكي الذي يتبنى الخصخصة واقتصاد السوق مع إيلاء دور كبير للقطاع العام في توفير الخدمات الأساسية التعليم، الصحة، السكن والمواصلات، واستخراج الثروات الطبيعية. إنها اشتراكية ما بعد انهيار الأنظمة الاشتراكية. أما المغزى الأهم بعد ذلك فهو أن المعارضة انتقلت في المغرب إلى موقع السلطة التنفيذية، وفقدت دورها في الخطابة والايديولوجية وهو الدور الذي تنتدب المعارضات العربية "نفسها" له. وهي خطابة تقوم على وضع حلول نظرية والإنابة المباشرة عن الشعب واعتناق الحقيقة والصدور عنها، فيما التوصيف الأصلي للمعارضة يفيد بفشلها في الحصول على غالبية عبر الانتخابات، لكن نقص التمثيل عادة ما يتحول في الخطاب العربي إلى اكتمال وامتياز، أما النجاح في الحصول على غالبية فيقع في دائرة الشبهات على افتراض النزاهة في الانتخابات. وهذا ما سوف يحل بالاشتراكيين المغاربة وحلفائهم الذين حرموا من نعمة المعارضة، ووضعوا أنفسهم وأحزابهم وتجربتهم، في دائرة المساءلة والمراقبة من مجلس النواب ووسائل الاعلام والقضاء والمنظمات غير الحكومية، واضعين أنفسهم أمام تحدي وضع السياسات العامة وتنفيذها والمقاربة بين برامجهم الطموحة وممكنات التنفيذ، مع ما قد يؤدي إليه ذلك من بعض التضحيات والآلام لفئات شعبية.