كان طبيعياً وضرورياً ان يقوم ولي العهد الأردني الأمير الحسن بزيارة الى رام الله للقاء الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عشية لقائه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في تل أبيب. وكان طبيعياً وضرورياً أيضاً ان يقوم الملك حسين قبل ذلك بجولة عربية شملت دولة الامارات وسلطنة عمان ومصر قبل توجهه الى الولاياتالمتحدة الاسبوع المقبل للاجتماع بالرئيس الاميركي بيل كلينتون. فعلى جدول اعمال التحرك الأردني الحالي نحو كل من اسرائيل والولاياتالمتحدة، مسيرة سلمية تنهار بعدما نجح نتانياهو في تحويل الأراضي الفلسطينية الى قنبلة موقوتة، وأزمة عراقية قابلة للاشتعال مجدداً لتضرب استقرار المنطقة التي يعتبر الأردن من اضعف حلقاتها. فالأردن الذي يستضيف اكثر من ربع مليون لاجئ عراقي، ويتحدر نصف سكانه من اصل فلسطيني، يتحمل تركيبات أزمتين على حدوده الشرقية والغربية، ولا يمكنه الوقوف متفرجاً عندما تهدد أي من الازمتين أمنه واستقراره فكيف عندما تتحالف كلتاهما كما حدث ويحدث الآن؟ الأردن دفع ثمناً باهظاً لتداعيات الأزمتين في السابق، وقد يكون تعلم دروساً تدفعه في بعض الاحيان الى اتباع سياسات تبدو في ظاهرها خرقاً لاجماع عربي غير موجود أصلاً. والأردن متهم من بعض العرب، بمن فيهم معارضون أردنيون كنقيب المهندسين ليث شبيلات، بالدخول في تحالف استراتيجي مع اسرائيل على حساب المصالح العربية. ولا تتوقف وسائل اعلام بعض الدول العربية المجاورة وغير المجاورة عن توجيه انتقادات حادة للقيادة الأردنية بسبب مواصلتها سياسة التعاون مع اسرائيل وفق معاهدة السلام، وكأن تطبيق المعاهدة لا يمكن الا ان يصب في خدمة اسرائيل وحدها. وتتجاهل الاطراف التي تأخذ على عاتقها اتهام الأردن حقيقة وضعه الجغرافي - السياسي، وبنيته السكانية وضعف موارده الاقتصادية وهي ظروف لا تسمح له مجتمعة، عندما تقترن بأزمتين على بوابتيه الشرقية والغربية، بأن يتبنى سياسة النعامة. فانهيار الوضع في الضفة الغربية أو العراق، لن يدفع بمئات آلاف الفلسطينيين أو العراقيين الى اي دولة مجاورة اخرى، بل الى الأردن، الذي لم يغلق بابه يوماً في وجه لاجئين عرب. وعندما ينهار الوضع في العراق، وهو يمثل أكبر شريك تجاري للأردن، وفي فلسطين، وهي أكبر شريك سياسي تاريخي له، لا تستطيع عمان ان تجاري الموقف السوري أو المصري أو غيرهما. فالمسألة بكل بساطة ليست مسألة خيارات عدة قرر الأردن ان يختار اسوأها، بل هي مسألة خيار واحد لا ثاني له، وهو ان هذا البلد مضطر، كما هي الحال بالنسبة الى القيادة الفلسطينية، الى التعامل مع اسرائيل وفق ما تمليه المصلحة الوطنية العليا بالدرجة الأولى، قبل الاهتمام بحسابات الشعبية الرخيصة التي لا تكلف اكثر من الرفض الاجوف. وهذا قد يعني كما هي الحال الآن، اتخاذ قرارات قد تكون غير شعبية في ظل الظروف الحالية، لمحاولة انقاذ ما يمكن انقاذه فيما يفضل آخرون سياسة "الحرد" التي لا تجدي شيئاً. وعندما يلتزم الأردن بتنفيذ معاهدة السلام مع اسرائيل، فهو يفعل ذات الشيء الذي تطالب به السلطة الوطنية الفلسطينية ومعها العرب كلهم عندما يصرون على تنفيذ اسرائيل لاتفاقات أوسلو. اذ ان اكثر ما يتمناه نتانياهو وجماعته في ليكود هو ان يتعاون العرب معه في اثبات استحالة تحقيق سلام بين العرب والاسرائيليين، وبالتالي استحالة تسوية سلمية تتطلب تخلي اسرائيل عن الأراضي العربية. أقل ما يمكن قوله في الوضع الأردني هو انه وضع مؤسف، فان ما يدعو الى مزيد من الأسف هو استمرار بعض الاطراف العربية بفرض عزلة على الأردن بحجة انه ابرم سلاماً مع اسرائيل من وراء ظهرها، وكأن ذلك يساعد الأردن في فك ارتباطه بالسلام مع اسرائيل. والأنكى من ذلك، هو ان هذه الاطراف نفسها لا تتوقف عن تأكيد التزامها الاستراتيجي تحقيق سلام مع الدولة اليهودية. و كأن المطلوب من الأردنيينوالفلسطينيين هو ان يقاتلوا اسرائيل الى آخر رجل من اجل تحقيق ذلك السلام الاستراتيجي الموعود.