وزير التربية والتعليم في الإدارة السورية الجديدة يلتقي فريق مركز الملك سلمان للإغاثة    3,202 موقع جديد في سجل التراث العمراني    «الداخلية»: تخطيط إعلامي استباقي لتلبية حاجات الحجاج ومواجهة أي أحداث طارئة    مدير الأمن العام: نعمل على سيناريوهات مخاطر متوقعة مع تحديات الحج    «الإحصاء»: التضخم ينخفض إلى 1.9 %    ولي العهد يتلقى اتصالاً هاتفياً من رئيس الجمهورية الفرنسية    الموافقة المسبقة من الجهات الحكومية.. شرط للتعاقد من الباطن    وزير الطاقة: نتطلع لتوطين سلسلة توريد «المعادن».. وطموحنا يتجاوز المحتوى المحلي    «المتصدر والوصيف» يواجهان الفتح والرائد    "المتاحف" تحتضن معرض العبقري "هوكوساي" للفن المعاصر    اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.. والإفراج عن الرهائن على مراحل    ثلاثة قتلى في سورية بضربة إسرائيلية استهدفت قوات السلطة الجديدة    رابطة العالم الإسلامي ترحّب باتفاق وقف إطلاق النار في غزّة    ارفع رأسك فوق.. أنت سعودي    سعود بن بندر يطلع على جهود الأمر بالمعروف بالشرقية    العدالة والعربي في قمة ملتهبة.. الزلفي يلاقي نيوم    حسين العليان: ضحى بمستقبله الكروي إخلاصاً للهلال    كنو يدرس عرض الهلال والبليهي يوافق    جسم بشري بعقل إلكتروني!    كانيهارا ل«الرياض»: المملكة ركيزة أساسية للاستقرار ومحرك للتنمية في الشرق الأوسط    تنفيذ فرضية «الاعتداء على الممارس الصحي»    تسخير التقنية والذكاء الاصطناعي في أعمال الدفاع المدني    الغامدي يصدر قراره بتمديد تكليف العتيبي مديراً لإدارة الخدمات المشتركة    فيصل بن خالد يُدشّن استراتيجية إمارة الشمالية    إستراتيجية لتعزيز السياحة البيئية بمحمية الملك عبدالعزيز    الدارة جسر حضاري    «إثراء» يطلق أضخم ماراثون للقراءة بمشاركة 19 مكتبة عربية    فليم فلام    المعتدي على الآخرين    ندوة (الإرجاف وسبل مواجهته)، في نسختها الثالثة    إنجاز طبي سعودي.. تطوير دعامة لفقرات الرقبة    قافلة تجمع الرياض الطبية تنطلق السبت إلى الخرج    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يجري استبدال مفصل ركبة بتقنية الروبوت الجراحي    الفنان عبدالله رشاد يحتفل بزفاف أسرار وإياد    تدشين جمعية التنمية الزراعية بالمدينة المنورة    «البلاد» ترصد أسرع 20 هدفًا في تاريخ الدوري السعودي    أنشيلوتي.. المدرب الذي كسر القاعدة    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال11 لمساعدة الشعب السوري    الإعلامي إبراهيم موسى يحصل على دبلوم إدارة الأعمال    أمير الشرقية يرأس اجتماع مجلس أمناء «قبس»    دوائر الغبار    إتاحة خدمة الدفع Google Pay    أمير القصيم يؤكد على السلامة المرورية    تعزيز مكانة محمية الملك عبدالعزيز البيئية والسياحية    محمية الملك عبدالعزيز تطلق إستراتيجية لتعزيز مكانتها البيئية والسياحية    مركز الملك سلمان يواصل إغاثته للشعب السوري    آل باعبدالله وآل باجميل يحتفلون بعقد قران عبدالرحمن    الشتاء.. نكهة خاصة    الذكاء الاصطناعي يتنبأ بمكونات الوجبة المثالية    ابتكاراً لضيوف الرحمن    إنطلاق فعاليات معرض مبادرتي "دن وأكسجين"    أيام قبل وصول ترمب!    كشف الحساب السعودي من أجل فلسطين... والحقيقة    صلاح للأهلي    وللشامتين الحجر!    السعودية ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في غزة وتثمن الجهود المبذولة من قطر ومصر وأمريكا    هدنة مشروطة تحت الاختبار في غزة    الامير سعود بن نهار يلتقي وزير التنمية الاجتماعية لجمهورية سنغافورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أميركا تطالب كوفي أنان بحق تفتيش مخبأ صدام حسين . هدف الضربة العسكرية : فتح مسارات السلام !
نشر في الحياة يوم 21 - 02 - 1998

قبل غزو الكويت بمدة قصيرة، بعث صدام حسين برسالة شفهية، الى كل من الرئيس الاميركي جورج بوش ورئيسة وزراء بريطانيا مرغريت تاتشر.
وفوجىء الوسيط العربي المعروف بعلاقاته الوثيقة مع الادارة الاميركية، بخطورة الرسالة التي يحملها، وسأل الرئيس العراقي عن الاسباب التي تمنعه من توجيهها عبر الطرق الديبلوماسية. وبرر صدام اختياره بالقول انه يريد التأكد من وصولها مباشرة الى صاحبي الشأن... كما يريد الاحتفاظ بها سراً من الاسرار بعيداً عن سفيري الولايات المتحدة وبريطانيا في بغداد.
حرص صدام حسين في رسالته على تطمين أميركا وبريطانيا الى انه لا ينوي شنّ حرب ضد الدولة العبرية، وان ما اعلنه في خطابه يوم الاحتفال بعيد الثورة لم يكن اكثر من تهويل قصد من ورائه ارضاء الشعب العراقي. وقال ان ما ذكره حول قدرة أسلحته المتطورة على احراق نصف اسرائيل، لم يكن اكثر من اداء استعراضي لكسب تأييد الشارع العربي. وانتقل من موضوع الغاء الخيار العسكري الى تأييد مسعى السلام في النزاع العربي - الاسرائىلي. وقال ان موقفه الداعم للسلام سيسهل دخول سورية في التسوية، ويشجع القيادة الفلسطينية على التحرك نظراً الى علاقاتها الوثيقة مع بغداد. وطلب مقابل هذا التحول وقف الضغوط والحملات ضد العراق.
حمل الرسول المحايد هذه الرسالة الشفهية الى مسز تاتشر في لندن. وبعدما أصغت باهتمام الى كل كلمة نُقلت اليها، رفضت بعنف الاقتناع بصدقية مضمونها، وعلّقت بقولها: صدام رجل شرير... شرير. نحن لا نثق بتعهداته لأن من الصعب التنبؤ بسلوكه.
في واشنطن كان وقع هذه الرسالة على جورج بوش مختلفاً، نظراً الى التحوّل السياسي الذي اعتبره الرئيس الاميركي تغييراً جذرياً في سياسة العراق. وقال للرسول ان هذا الموقف يعبّر عن جنوح العراق نحو السلام، الامر الذي ينهي حال النزاع في الشرق الاوسط، ويمهد لالغاء جبهة الرفض ومنظمات التطرف. وبما ان الجانب المهم من الرسالة كان معنياً بطمأنة الحكومة الاسرائيلية، فقد سارع بوش للاتصال هاتفياً باسحق شامير ليبلغه فحوى رسالة صدام حسين. ونقل الرئيس بوش الى الرسول ردود فعل شامير الذي شارك مسز تاتشر تحفظها حيال هذا الانعطاف المثير للشكوك. ولكنه وعد الرئيس الاميركي بأن بلاده تنتظر ترجمة هذا الموقف الى أفعال.
بعد انقضاء فترة قصيرة على إبلاغ رسالة التطمين الى أميركا وبريطانيا واسرائىل، قامت القوات العراقية بغزو مفاجىء للكويت. وفسرت واشنطن تناقض الاقوال مع الافعال بأن صدام حسين يريد فصل موقفه الدولي عن موقفه الاقليمي، وذلك عن طريق تحييد القوى الكبرى، وإيهامها بأن سياسته السلمية تجاه اسرائيل يجب ان تسمح بالسكوت عن تصرفاته في الخليج. واستناداً الى هذه الخلفية، فإن المعلومات المطمئنة والمهدئة التي يرسلها العراق الى واشنطن لم تعد تمثل الضمانات بأنه لا يملك اسلحة بيولوجية وكيماوية.
ومنذ بدء حملات التفتيش اعترف العراقيون انهم انتجوا مواداً قتالية كيماوية مثل الساريف والخردل والطابون. ويقدر خبراء الامم المتحدة ان كميات كبيرة قد تمّ التخلص منها، الا ان العراق لا يزال يحتفظ بانتاجه لمواد فتاكة جداً للاعصاب مثل "في اكس". وفي نهاية عام 1995 اعترف العراقيون تحت ضغط القرائن التي وفرها مراقبو الامم المتحدة بأنهم في صدد تطوير مادة "في - اكس". ويدّعي رئيس المراقبين ريتشارد بتلر ان الازمة الحالية انفجرت لأن رجاله اقتربوا من موقع الترسانة العراقية السرية. وفي رأيه ان بغداد تملك من "الانتراكس" ما فيه الكفاية لابادة نصف سكان تل أبيب. ومع ان واشنطن لا تؤيد هذه المبالغة، الا ان وزير الدفاع كوهين اعلن ان جميع الجنود الاميركيين سيتلقون جرعات مناعة ضد جرثومة "الانتراكس". وهذا ما أعلنه نتانياهو ايضاً الذي شغل وظيفة الناطق الاعلامي اثناء حرب الخليج. ويعترف زعيم ليكود في كتابه "مكان بين الامم" بأن اسرائيل لن تسمح بتكرار تجربة صواريخ "سكود"، وبأنها عازمة على تدميرها مهما كانت العوائق.
تعتقد الادارة الاميركية بأن صدام حسين افتعل الازمة الحالية ليوقف رقابة الامم المتحدة على ترسانته العسكرية. وهي ترى انه مستعد لتلقي ضربات موجعة قد يوظفها عربياً، ويمحو من أذهان المجتمع الدولي الخطأ القومي الذي اقترفه بحق جاراته. وبما ان التحالف السابق ضده لم يعد مؤثراً، فهو يطمح الى ظهور ائتلاف تدعمه روسيا وفرنسا والصين يمنع عنه ضربات الولايات المتحدة. واذا لم يتحقق هذا الامر، فإن تراجعه امام كوفي أنان يبدو عملاً منطقياً.
طارق عزيز أعلن صراحة ان العراق لا يملك سبباً لمهاجمة اسرائيل ولو حتى بدافع الانتحار. وهو بهذا الكلام المهدىء كان يحاول تخفيف مخاوف اسرائيل التي يعتبرها المحرض الرئيسي على العمل العسكري الاميركي. ولإثبات حسن النية إحتج وزير الخارجية العراقي محمد سعيد الصحاف على كلام ريتشارد بتلر بأن بغداد قادرة على تدمير تل أبيب. وهدد بتقديم شكوى في المحاكم الدولية ضد رئيس فريق التفتيش لأن كلامه أثار الرعب والهلع في قلوب الاسرائىليين الذين يتذكرون جيداً ما فعلته صواريخ "سكود" قبل سبع سنوات. واضطرت أميركا الى زيادة تعاونها الاستراتيجي مع اسرائيل في مجال مكافحة اسلحة الدمار وقدمت اليها كميات ضخمة من مواد التطعيم وأجهزة رصد بداية الهجوم البيولوجي، علماً بأن وزارة الدفاع الاميركية تؤمن بأن الصواريخ المخبأة في العراق لم تعد صالحة للعمل كما كانت عام 1991.
قبل ان يتوجه كوفي أنان الى بغداد سربت واشنطن معلومات مختلفة عن النتائج الاستراتيجية الخطيرة التي ستترتب عن ضربتها العسكرية. وتحدث شيوخ في الكونغرس عن احتمال اعلان دولة العراق الحر من منطقة الاكراد، على ان يباشر مؤيدوها الزحف باتجاه بغداد اثر اعتراف الولايات المتحدة بها، بينما تبرعت صحف كبرى مثل "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" و"لوس أنجليس تايمز" بنشر سيناريوات عن إمكان تشقق وحدة العراق الى ثلاث دويلات مذهبية... وعن حدوث متغيرات اقليمية تصيب دول مجلس التعاون الخليجي والاردن. ويبدو ان موسكو دخلت هي الاخرى جوقة التخويف، فراحت تتحدث عن خشيتها من امتداد آثار الضربة المحتملة للعراق الى آسيا. وطرح مثل هذا التصور الخيالي العديد من التساؤلات المريبة حول الغاية من تضخيم نتائج العمل العسكري الاميركي، وما اذا كانت الولايات المتحدة مستعدة فعلاً لإحداث تغييرات من المؤكد ان نتائجها ستؤثر على النظام النفطي في العالم، انتاجاً وتسويقاً. بكلام آخر، هل أصبح صدام حسين "بعبع المنطقة النفطية" والمبرر التخويفي لبقاء القوات الاميركية في الخليج، خطراً فعلياً على جاراته العربيات ام على سلامة اسرائيل وحدها؟
الجواب عن هذا السؤال لا يحتمل اي تأويل، لان كلينتون في خطابه الاخير اعترف بان 60 في المئة من النفط الاستراتيجي تحصل عليه اميركا من الخليج اضافة الى 80 في المئة من انتاج هذه المنطقة يؤمن الدم الصناعي للدول الاوروبية واليابان.
اذن، ما هي الغاية من زعزعة منطقة بالغة الاهمية قبل الحصول على بدائل نفطية من آبار بلدان آسيا الوسطى؟ صحيح ان اسرائىل هي الدولة الاكثر انتفاعاً من اضعاف القوة النفطية العربية... ولكن الصحيح ايضاً ان أميركا لن تضمن مصالحها الحيوية مع التغيير، خصوصاً ان الاصوليين هم الذين سيبرزون الى السطح في حال بدأت لعبة التغيير.
وفي هذا الاطار تبدو الحملات الاميركية كأنها ادوات ضغط متواصل لعل الدول العربية الخائفة على مصائرها، تتدخل مع صدام حسين وتقنعه بضرورة التراجع. عندئذ تكون واشنطن قد حققت اهدافها... كما يكون بيل كلينتون قد مهد الطريق لخلفه آل غور، وذلك بواسطة الاعلان عن هزيمة صدام حسين. ومن المؤكد ان العنصر الانتخابي المحلي يلعب لعبته في العملية، المتوقعة، على اعتبار ان كلينتون سيبيع مواقفه للشعب، ويبلغه انه انتصر على عدو فشل جورج بوش الجمهوري في قهره.
يبقى السؤال المركزي في هذه الازمة: هل ينجح الأمين العام للامم المتحدة كوفي أنان في مهمته؟
المندوب الاميركي بيل ريتشاردسون لم يلغ احتمالات الضربة العسكرية، وقال انه يتحفظ على المهمة، خصوصاً اذا جاءت النتائج مخالفة لمطالب الادارة الاميركية. ويبدو ان قرار مجلس الامن أراح حزب العمال البريطاني الذي يخشى فقدان روحية التعاون بين دول مجلس الامن. كما يخشى حصول تباعد اميركي - أوروبي يتأثر بنتائجه دور طوني بلير في المرحلة المقبلة. وهو دور بالغ الاهمية يطمح الى استعادة مناخات الثقة التي ميّزت العلاقات البريطانية - الاميركية في ايام روزفلت وتشرشل. وكما ان حرب جزر الفوكلاند أعطت مسز تاتشر زخماً سياسياً لتثبيت برنامجها، كذلك يتوقع بلير ان تزوده المشاركة في الحرب ضد العراق، بزخم مماثل لكي ينفذ برنامجه الاقتصادي.
يقول فريق من المحللين ان الانتصار السياسي الذي أحرزه نتانياهو ضد كلينتون اثناء زيارته الاخيرة لواشنطن، شجع الرئيس الاميركي على المضي في الخيار العسكري ضد العراق. والسبب ان الحرب المتوقعة ستحول نتانياهو من لاعب اساسي يسيطر على لعبة السلام في المنطقة، الى لاعب ثانوي تضطره المعارك الى الارتباط بأطراف خارجية مثل الولايات المتحدة. كما يضطره الخوف من هجوم صاروخي عراقي الى طلب حماية الدولة التي يتجاهلها في الظروف العادية. وعليه يتوقع كلينتون - اذا حدثت الضربة العسكرية - ان تفتح أمامه طريق المسارات المعطلة مع الفلسطينيين وسورية ولبنان، باعتبار ان نتانياهو يصبح اكثر تدجيناً وأقل تصلباً. ويستفاد من هذا التحليل ان الضربة العسكرية ضرورية لفتح بوابة السلام المعطلة... وان مهمة كوفي أنان لا تختلف عن زيارة سلفه لبغداد. ذلك ان قبول صدام حسين بتفتيش كل قصوره سيؤدي تلقائياً الى اكتشاف المخابىء السرية التي يلجأ اليها. وربما تكون هذه هي الغاية الاساسية من وراء تفتيش القصور، لان كلينتون يبحث عن صدام وليس عن صواريخ صدام حسين!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.