قد يكون الموقف العربي المعلن من المواجهة بين واشنطنوبغداد يدعو الى حل ديبلوماسي للأزمة، لكن الموقف الحقيقي يختلف، فالعرب من جيران العراق، والعراقيون انفسهم، يتمنون الخلاص من نظام "ام الكوارث" المتتالية. لكن المشكلة تكمن في ان واشنطن غير مستعدة او راغبة في الذهاب الى النهاية في مواجهتها مع بغداد. ولذا، فإن الاطراف الاقليمية العربية ترى ان أية ضربة اميركية للعراق تبقي صدام في السلطة ستتحول عبئاً سياسياً لا ترغب في دفعه طالما انها هي التي ستضطر الى التعايش مع شعب جريح، ينزف امام أعينها، دون سبيل الى انقاذه من مطرقة النظام وسندان الحصار الدولي. والمشكلة في الموقف العربي المعتمد على الولاياتالمتحدة لحل الازمة العراقية، كما في ازمة السلام، هو انه ليس صاحب مبادرة سواء في اطاحة النظام او في اعادة تأهيله. فجيران العراق من العرب المعنيين مباشرة وفي الدرجة الاولى بمستقبل العراق، لم يفعلوا شيئاً منذ حرب الخليج الثانية، سواء على صعيد تخليص العراق من نظامه بعمل عسكري مشترك تحت غطاء الجامعة العربية، او اعادة تأهيله في المنطقة من خلال حوار مستقل عن السياسة الاميركية وان لم يكن متعارضاً معها. وإن كنا نسلّم بالخلافات في الرؤية الاستراتيجية والمصلحية لدول المنطقة، وهو امر طبيعي، فان هناك ثوابت مشتركة يمكن البناء عليها وهي المحافظة على وحدة الاراضي العراقية والشعب العراقي. ان اطاحة النظام العراقي تتطلب انزال جنود على الارض، وليس سراً ان الولاياتالمتحدة تتردد كثيراً قبل تعريض حياة جنودها للخطر لانقاذ شعب اجنبي او للدفاع عن قضية اقليمية تبعد عنها آلاف الاميال، بخاصة عندما لا تكون مصالحها مهددة في شكل مباشر. ولا سبيل هنا للتهرّب من ان الازمة العراقية هي ازمة عربية - خليجية - اقليمية وليست اميركية بالدرجة الاولى، والحل لا بد ان ينبثق اقليمياً سواء بالعمل العسكري او الحوار الديبلوماسي، ان كان هناك ثمة فائدة من حوار. واذا كانت الاطراف العربية المعنية تعترف بأن النظام العراقي واسلحته التقليدية منها او غير التقليدية يشكل تهديداً لشعبه اولاً وللمنطقة ثانياً قبل ان يكون تهديداً لاسرائيل والولاياتالمتحدة، فان ذلك يتطلب وضع خطة اقليمية تستند الى اتفاق الحد الاقصى الذي يمكن ان تتفق عليه الدول المعنية للتعامل مع هذا التهديد، فالعراق الخارج من حرب ايران بادر الى غزو الكويت وليس الى تحرير فلسطين او ضرب واشنطن. كما ان أفغنة العراق او لبننته سيهدد في المقابل دول الجوار في الدرجة الاولى. اي ان واشنطن لا تستطيع ان تستمر في فرض أطر وحدود التعامل مع العراق على دول المنطقة من منظورها هي. فالمراهنة على ابقاء العراق ضعيفاً في ظل حصار مستمر الى ما لا نهاية مسألة لا يمكن ضمانها او السكوت عنها، ناهيك عن انها جريمة بحق الشعب العراقي. فالعراق ليس كوبا، والدول الخليجية ليست اميركا. والطريق الى الخلاص من مستقبل لا يبشر بالخير للعراق والمنطقة هو عمل عربي - خليجي يستهدف فتح حوار اقليمي جدي مع كل من تركياوايران للاتفاق على سياسة موحدة تستهدف انقاذ الشعب العراقي وحماية وحدة اراضيه من خلال تحرك اقليمي يتفق على شروطه مسبقاً. فالتنسيق حيال العراق يمكن ان يبدأ بالدائرة الضيّقة وهي دول الجوار العربي المباشر، لينطلق بعدها الى دول الجوار غير العربي والقوى الفاعلة في المنطقة في اتجاه فرض اجندة اقليمية، لا تستبعد الحل العسكري. اما بقاء المنطقة أسيرة للمنظور الاستراتيجي الاميركي، وتفاعلاته الروسية والفرنسية والصينية، على افتراض وجود استراتيجية اميركية اصلاً، فسيدفع ثمنه جيران العراق اولاً واخيراً. فلماذا يتوجب على جيران العراق العرب دفع ثمن سياسة لا يشاركون في صوغها؟