إذا استطاع العراق ان يضمن تنفيذ الاتفاق الذي وقعه مع الأمين العام للأمم المتحدة، سيكون ذلك أفضل صفقة توصل اليها منذ 2 آب اغسطس 1990، تاريخ اقدام قيادته على مغامرة اجتياح الكويت. فالاتفاق الذي توصل اليه مع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان، ومع الشخص الذي كان الى جانبه السيد الأخضر الابراهيمي الذي لا يمكن الشك في عروبته وفي أصالته، يشكل الطريق الأقصر الى اعادة تأهيل العراق بعيداً عن الأحلام والأوهام التي تقوم على فكرة ان قوة العراق تكمن في امتلاكه أسلحة متطورة من النوع الذي يهدد به جيرانه. الواقع ان قوة العراق تقوم أولاً وأخيراً على قدرته على استغلال ثرواته وعلى اقامة نظام عادل يشعر فيه المواطن العراقي بأنه حر وكريم على أرض بلده، فهل تنتقل القيادة العراقية الى هذه المرحلة أم تظل أسيرة الماضي ليتبين انها لم توقع الاتفاق مع كوفي انان إلا لأنها أدركت ان ضغوطاً أميركية حقيقية مورست، وأن الخيار كان بين الاتفاق وبين ضربة عسكرية قوية أقرب الى اجتياح جوي للبلد؟ لا شك انه لا بد من التزام جانب الحذر في التعاطي مع الاتفاق، وذلك في انتظار ان تقول الادارة الأميركية كلمتها النهائية فيه. وإذا كان من درس يمكن استخلاصه فهو ان الولاياتالمتحدة لا تعطي الأولوية لتوجيه ضربة عسكرية للعراق بمقدار ما ان همها هو ان تتعايش مع عراق برئاسة صدام حسين، ولكن تحت نظام العقوبات. وهنا يكمن النجاح الرئيسي لكوفي انان الذي استطاع التوفيق بين رغبة العراق في تفادي ضربة عسكرية قوية من جهة، وبين تمسك الولاياتالمتحدة بنظام العقوبات من جهة أخرى. ونظراً الى ان الهزيمة يتيمة وأن الانتصار له أكثر من أب، يفترض في النظام العراقي ان يشكر كل الأطراف العربية التي ساعدته في تفادي الكارثة، بدءاً بالسعودية والأردن وانتهاء بمصر والمغرب واليمن وقطر مروراً بدولة الامارات والبحرين وسورية. والأكيد ان النظام العراقي لا يمكن ان ينسى ان قطر ارسلت وزير خارجيتها الى بغداد ليكون أول مسؤول في هذا المستوى ينتمي الى احدى دول مجلس التعاون الخليجي يقابل الرئيس صدام حسين منذ حرب الخليج. وهذا يعني ان على النظام العراقي ان يعي ان العرب عملوا من أجل خلاص العراق في حين انه كان يعمل من أجل تفتيت الوضع العربي عبر تقوية موقف بنيامين نتانياهو الذي كان حتى الأمس المستفيد الأول من استمرار الأزمة بين الأممالمتحدةوبغداد. ليس كافياً ان يتوصل العراق الى صفقة مع الأمين العام للأمم المتحدة. وإذا كان يريد الاستفادة من الفرصة المتاحة له الآن، عليه ان يفهم ان مشكلته الأولى لا تكمن في انه لم يستوعب يوماً ان عليه ان يعيش بشكل طبيعي بصفته دولة من دول المنطقة لا تشكل تهديداً لجيرانها فحسب، بل دولة قادرة على ان تلعب دوراً ايجابياً على الصعيد الاقليمي ايضاً. وإذا كان يريد ان يفهم ماذا يعني هذا الكلام، فليس أمام الرئيس صدام حسين سوى العودة الى مضمون الرسالة التي بعث بها اليه الملك حسين بواسطة رئيس الديوان الملكي آنذاك السيد مروان القاسم في تموز يوليو 1995