ثمة أمل في التوصل الى تسوية بين العراقوالأممالمتحدة. وإذا توجه كوفي انان الأمين العام للمنظمة الدولية الى بغداد، فإن ذلك سيكون دليلاً على أن في الامكان تفادي المواجهة العسكرية التي لا يمكن إلا أن تلحق مزيداً من العذابات بالشعب العراقي الذي يدفع ثمن الأخطاء التي ترتكبها قيادته، وهي أخطاء لا علاقة له بها لا من قريب ولا من بعيد. إذا كانت القيادة العراقية تمتلك حداً أدنى من المنطق، يفترض فيها أن تقدم كل التنازلات المطلوبة منها تفادياً للضربة العسكرية، وأن تتخلى عن فكرة أن في استطاعتها الاستفادة من هذه الضربة. فالمقامرة شيء والسياسة شيء آخر، ويكفي للتأكد من ذلك اقدام النظام العراقي على مغامرة اجتياح الكويت وما أدت اليه من خسائر افقدت العراق أي دور اقليمي وجعلته سجين قفص العقوبات الدولية. يكفي أن ينظر المسؤولون العراقيون حولهم للتأكد من أن عليهم تقديم كل التنازلات المطلوبة بموجب قرارات الأممالمتحدة وأن يبحثوا عن كيفية التعامل مع هذه القرارات في مرحلة لاحقة، ولكن من منطلق أنها قرارات سياسية وليست قرارات قانونية. وما يفترض ان لا يغيب عن بال المسؤولين العراقيين هو أن الدول العربية، وفي مقدمها دول الخليج، تسعى الى تفادي الضربة الأميركية من منطلق الحرص على شعب العراق أولاً. ولذلك صدرت مواقف تدعو العراق الى تنفيذ قرارات الأممالمتحدة عن كبار المسؤولين السعوديين على رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وولي عهده الامير عبدالله والنائب الثاني لرئيس الوزراء وزير الدفاع والطيران الامير سلطان. ولذلك اعلنت دولة الامارات بعد جلسة لمجلس الوزراء ترأسها الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان انها ضد الضربة الأميركية، ولذلك توجه وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني الى بغداد للتأكيد للعراقيين أن العمل العسكري الأميركي وارد، بل انه حتمي، إذا لم يحصل تغيير في الموقف العراقي. المهم الآن ألا تفهم القيادة العراقية الموقف العربي على غير حقيقته وأن تعتبر الوسطاء العرب وكأنهم مبعوثون أميركيون يريدون اخراج الولاياتالمتحدة من ورطة وقعت فيها. ذلك أن الواقع هو أن التحرك الخليجي هو تعبير حقيقي عن المصلحة العربية أولاً وأخيراً، وعن مصلحة العراق كدولة عربية تشكل جزءاً من التوازن الاقليمي تحديداً. وهذه المرة يفترض في القيادة العراقية ان تسمع صوت العقل وأن تنظر الى الأمور بطريقة مختلفة عن "عنتريات" وزير الخارجية الذي يعتبر الأميركيين "طراطير" ثم يهدد من بيروت الدول العربية التي تقدم تسهيلات للقوات الأميركية. فلماذا لم يعترض النظام العراقي على الوجود الأميركي وغير الأميركي في الخليج خلال حربه مع ايران؟ هل كان ذلك حلالاً ثم أصبح حراماً بعدما أقدم على مغامرة اجتياح الكويت وتشريد شعبها؟ متى فهم النظام العراقي أنه يوفر حالياً المبرر الأول للوجود الأميركي في الخليج، سيسهل عليه استيعاب أن الوساطات العربية تستهدف انقاذ العراق، وأن الطريق الأقصر الى ذلك تنفيذ القرارات الدولية من دون قيد أو شرط والقبول بالصفقة المطروحة وهي بقاء العقوبات ونظام الحظر في المرحلة الراهنة مع زيادة الصادرات النفطية للعراق بنسبة الضعفين. الواقع انه إذا فهم النظام العراقي هذه المعادلة، انطلاقاً من أن القناعة كنز لا يفنى، سيسهل عليه التفكير في المستقبل في أن البحث في كيفية التخلص من العقوبات الدولية مسألة تحتاج الى وقت والى أشخاص قادرين على استيعاب المعادلات الاقليمية والدولية، وهو أمر استطاع كل جيرانه فهمه بما في ذلك ايران التي ستكون المستفيد الأول من أي ضربة عراقية!