وحدها على المسرح مع عازف البيانو الفرنسي الجزائري المولد جان ماري سينيا، وفي قرابة تسعين دقيقة متواصلة حوّلت الممثلة الألمانية هانا شيغولا قلوب وعواطف وأذهان جمهورها الى اوركسترا تردّد اصداء صوتها وتلاحق حركتها وتتحرّى اشارات وجهها ويديها. ومرّ الوقت على متوازيين: تهافت الثواني فكأنها انفاس متلاحقة، ومطر غزير من الشعر والايحاء والدراما. عنوان العرض مأخوذ من قصيدة لجان كلود كاريير "مهما كان الحلم" وفيها يقول "مهما كان الحلم /حيث تغوص الروح /لا بد للأكذوبة من حقيقة ... ولا بد للشعلة من ظلام". ولكاريير حصة كبيرة من اختيارات شيغولا اذ ركّبت نص عرضها من قصائد ومقاطع شملت الى كاريير المخرج الألماني الراحل رينر ورنر فاسبيندر الذي عملت معه في معظم افلامه منذ العام 1966 عندما التقيا في مدرسة التمثيل الاميركية. كذلك اقتطعت شيغولا نصوصاً لشعراء فرنسيين وألمان مثل جول سوبرفيال وهاينر موللر وبيتر هاندكه وبودلير. "كلما اغلق الاحياء جفون الموتى انفتحت عيونهم اكثر"... "القبلة التي لم تأخذها مني تحولت الى نجمة في اعماقي"... عبارات كهذه بالمئات، وقصة ألمانية تحاكي قصة قلبي على ولدي وقلب ولدي على الحجر المعروفة عندنا منذ ايام المدرسة، روتها هانا شيغولا في قوة ادائية ساحرة مسمرت جمهور قاعة "البستان" واستحقت تصفيقه المطوّل. منذ بداياتها اختارت شيغولا الطريق الفني الصعب، طريق النوعية العالية والابداع المميز فعملت مع كبار مخرجي العصر مثل فيم فيندرز وكارلوس ساورا وغودار وأندري فايدا وكينيث برانا، اضافة الى مساهمتها الواسعة في اعمال فاسبيندر. ومنذ 1993 اختارت شيغولا اسلوباً آخر في التعبير عن افكارها وموهبتها، وبدأت تقوم بدورات غنائية - تمثيلية متعاونة مع عازفين ودراميين اوروبيين. يذكر ان شيغولا حازت جائزة افضل ممثلة في كان 1982 عن دورها في فيلم "قصة بييرا" للإيطالي ماركو فيريري.