استقبل الرئيس جاك شيراك في قصر الاليزيه امس الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان الذي سيسافر اليوم الى بغداد في مهمة تستهدف التوصل الى حل ديبلوماسي للأزمة العراقية. وقال شيراك بعد استقباله أنان "اني أدعو العراق الى قبول الاقتراحات التي يحملها الامين العام لأنها اقتراحات مدعومة من الاسرة الدولية كلها". وقالت مصادر ديبلوماسية غربية ل"الحياة" في عمان ان انان سيطالب الرئيس صدام حسين عندما يلتقيه غداً السبت بتقديم "تعهد خطي" بعدم تعرض العراق لفرق التفتيش والسماح لها بدخول اي موقع تشاء دون تحديدمهلة زمنية لعمليات التفتيش وذلك "في مقابل رفع الحصار الدولي عن العراق بمجرد اقرار اللجنة الخاصة بانتهاء مهمتها". وأكد انان في تصريح أدلى به بعد وصوله الى باريس ان لديه "كل ما يلزم للتفاوض مع المسؤولين العراقيين في شأن اجراءات تفتيش المواقع الرئاسية. ويسافر أنان صباح اليوم مباشرة الى بغداد في طائرة رسمية وضعتها فرنسا تحت تصرفه. المغرب ضد الضربة وانضم المغرب امس الى الدول العربية المعارضة للخيار العسكري لحل الازمة العراقية ورحب بقرار الأمين العام للأمم المتحدة التوجه الى بغداد. وأصدرت وزارة الخارجية المغربية بياناً اكدت فيه ترحيب المغرب باتخاذ قرار ارسال انان الى بغداد مدعوماً من مجلس الأمن. ورأت "ان هذا القرار يشكل في حد ذاته تعبيراً عن حكمة كبيرة لأنه من الأنسب حل الازمة الخطيرة الحالية بالوسائل الديبلوماسية، ما يجنب العراق والشعب العراقي العواقب الكارثية لعمل عسكري". ووجه المغرب نداء الى العراق لحضه على تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة. لكنه رأى ان الرباط "وهي تنظر في الأفق الى رفع الحصار، تدعم مبادرة انان الرامية الى تخفيف آلام الشعب العراقي من خلال ملاءمة مقتضيات قرار النفط للغذاء مع حاجاته الملحة". وفي باريس قالت الناطقة باسم الرئاسة الفرنسية كاترين كولونا لپ"الحياة" ان مهمة انان تأتي في لحظة "حرجة" وان فرنسا "تؤيده مئة في المئة" وانها "فعلت الكثير لكي يحصل على تأييد الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بما فيها الولاياتالمتحدة التي كانت مترددة في البداية". وأضافت ان أنان يتوجه الى بغداد مزوداً ضوءاً اخضر من الجميع وان الرئيس بيل كلينتون ابلغ نظيره الفرنسي خلال مكالمة هاتفية دارت بينهما بعد ظهر امس بدعمه لمهمة انان وانه لا يزال يأمل بحل ديبلوماسي. لكنها اشارت الى ان مهمة انان "صعبة" لأنه اذا كانت هناك امكانية للتوصل الى اتفاق في شأن اجراءات تفتيش المواقع، عبر التفاوض، فإنه ليس في وسع انان ان يناقش المبادئ، وانه مزوّد هامشاً للتحرك حول اجراءات التفتيش، ولكن ليس على صعيد المبادئ المتعلقة باللجنة الخاصة لنزع التسلّح العراقي وبطبيعة عملها وإتاحة المجال امامها لتفتيش كل المواقع. وفي نيويورك، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة قبل توجهه إلى باريس عن "مقدار معقول من الثقة" بنجاح مهمته في بغداد ومقدار من التفاؤل. وقال: "لست قلقاً جداً من تكرار ما حدث" للأمين العام السابق خافيير بيريز ديكويار عندما فشلت زيارته عام 1991 إلى بغداد، "فالأوقات مختلفة". كما هناك أيضاً عنصر "التاريخ". وزاد ان زيارة ديكويار سبقت الحرب، والعراق تعرض لضربات عسكرية مرات عدة منذ ذلك الوقت، و"يدرك ما يحدث عندما تقرر الأسرة الدولية أن تستخدم القوة العسكرية. وبالتالي اعتقد أن الإدراك والتاريخ من شأنهما ان يساعدا في هذه المحادثات". وأضاف أنان انه سيشرح لدى اجتماعه بالرئس العراقي غداً السبت "الوضع بوضوح كامل كي يفهم تماماً ان من مصلحة العراق ومصلحة الشعب العراقي الموافقة على تنفيذ قرارات مجلس الأمن". واعترف أنان بصعوبة مهمته، نظراً إلى "العلاقة الصعبة بيننا وبين حكومة العراق والرئيس صدام حسين، إذ ان هناك مقداراً كبيراً من الشكوك من الطرفين. ولن يكون سهلاً التغلب على الفجوة والتمكن من جعله يفهم ما جئت أقول له". وأعرب الأمين العام عن استغرابه ما ورد في صحيفة "نيويورك تايمز" التي نقلت عن الرئيس بيل كلينتون قوله له في محادثة هاتفية بينهما، استناداً الى مسؤول اميركي رفيع المستوى: "كوفي، لا تضغط وتشوّش عليّ. اضغط وشوّش على العراقيين... ندرك انك ستقوم بمهمتك بصورة جيدة، لكننا لا نريدك ان تعود بأجوبة نصف مطبوخة لا تحلّ المشكلة". ونفى أنان ما نشرته الصحيفة. وقبل مغادرته نيويورك تسلّم الامين العام رسالة عاجلة من القاهرة نقلها السفير نبيل العربي فحواها ان "الاتصالات بين القاهرةوبغداد أسفرت عن تأكيدات لنا بأنهم سيبذلون كل شيء لإنجاح مهمته"، حسب السفير العربي. وزاد ان القاهرة اوضحت للامين العام ان هذه "مهمة تاريخية يتوقف عليها الحرب والسلام في الشرق الاوسط، ودور الاممالمتحدة مستقبلاً". واجتمع مندوب الكويت السفير محمد ابو الحسن ومندوب البحرين العضو العربي الوحيد في مجلس الامن، السفير جاسم بوعلاي مع الامين العام قبل مغادرته نيويورك. وقال ابو الحسن انهما طلبا من الامين العام اثارة موضوع الاسرى والمرتهنين من كويتيين ورعايا دول ثالثة "مع القيادة السياسية في العراق، وعلى اعلى المستويات مباشرة". وزاد: "بحثنا مع الامين العام في هذا الموضوع بشكل مفصل. وطلبنا من واقع مسؤولياته القانونية والسياسية والادبية، ان يستغل وزنه الاعتباري وثقله المعنوي ومنصبه العالي لاثارة هذا الموضوع". واضاف: "ان هذه المسألة الانسانية تعتبر من ابرز المسائل التي يمكن للعراق ان يثبت عبرها نيّاته السلمية تجاه دول المنطقة اذا اطلق اولئك الابرياء". وابلغ ابو الحسن وبوعلاي الامين العام حرص مجلس التعاون الخليجي "على ايجاد حل سلمي لهذه الازمة" وأمله بأن "يكون ايجاد حل لموضوع الاسرى والمرتهنين على يديه". وفي واشنطن، أعلن الرئيس بيل كلينتون أنه والرئيس جاك شيراك متفقان في الرأي القائل إن مهمة الأمين العام للأمم المتحدة في بغداد تشكل "فرصة حاسمة" لتحقيق النتائج التي يفضلها الجميع وهي "نهاية سلمية ترتكز على المبادئ للأزمة" مع العراق. وكان الرئيس الأميركي يتحدث إلى الصحافيين أمس بعد اتصال هاتفي أجراه مع شيراك ووصفه بأنه كان "جيداً". وقال إن الأمين العام مدعوم بموقف واضح من مجلس الأمن، وهو ان "على صدام حسين ان يعطي مفتشي الأسلحة حرية الوصول إلى كل المواقع المشتبه بها في كل مكان من العراق، وأن ذلك يشكل المقياس الذي وافق عليه صدام حسين بنفسه في نهاية حرب الخليج، وهو مقياس كرره مجلس الأمن في مناسبات عدة. وبكل بساطة عليه أن يتقيد بهذا المقياس". وذكر كلينتون أنه طلب من نائبه آل غور تأجيل زيارته لجنوب افريقيا "لأنني ارغب بأن يكون فريق مجلس الأمن القومي كله حاضراً للمشاركة في المشاورات والقرارات التي سنتخذها في شأن هذا الموضوع المهم والحيوي". وقال: "نأمل بأن ينجح الأمين العام في مهمته، لكني أريد أن أكون واضحاً، إذا فشلت الديبلوماسية، سنكون مستعدين للعمل العسكري، وان الخيار يظل خيار صدام حسين، ونأمل أيضاً بأن يقبل مطالب المجموعة الدولية ... وإلا سيتحمل مسؤولية النتائج". وبعدما أعلن أنه لم يتخذ قراره في شأن تحديد موعد للجوء إلى الخيار العسكري، قال كلينتون: "إذا كان ضرورياً القيام بمزيد من الأعمال، سأتحدث مباشرة إلى الشعب الأميركي عنها طبعاً". وسئل كلينتون عن العبر التي تعلمها من اجتماع اوهايو بعد ظهر الأربعاء عندما ظهرت اعتراضات واضحة من مواطنين أميركيين على السياسة العراقية للإدارة راجع ص5، قال ان ما حدث في جامعة اوهايو "نقاش اميركي تقليدي" وأشاد بوزيري الخارجية والدفاع وبمستشاره لشؤون الأمن القومي صموئيل برغر وقال "اعتقد بقوة ان معظم الشعب الاميركي يؤيد سياستنا ويدعم تصميمنا وان اغلبية الاميركيين تريد ايضاً حلاً سلمياً للأزمة. لكن اذا كان من الضروري ان نتحرك، فأعتقد ان اميركا ستفعل ما تفعله دائماً. اعتقد انها ستتوجه، كما حصل عام 1991، حيال العمل الضروري" الذي قمنا به. وسئل هل سيتصلب صدام حسين بعد الذي حصل في كولومبوس اوهايو فأجاب: "لا اذا كان يفهم اول شيء يجب ان يفهمه عن اميركا". واعتبر ان خطابه "مطلع الأسبوع في وزارة الدفاع كان واضحاً جداً لجهة تحديد سياسته تجاه العراق خصوصاً لجهة رغبة الولاياتالمتحدة في خفض قدرات بغداد على انتاج الاسلحة الكيماوية والبيولوجية ووسائل نقلها واستعمالها ضد شعبه وجيرانه وحول العالم. وقال "اعتقد انه كلما عرف الشعب الاميركي المزيد عن مخاطر الحرب الكيماوية والبيولوجية والمشاكل التي قد تشكلها لنا الآن وفي المستقبل، يزداد تصميمه. وعليه اعتقد ان الوقت يعمل لمصلحتنا. وأعتقد ايضاً انه بعد عشر سنوات من الآن ... او بعد 15 سنة سينظر الناس الى هذا الوقت" ويقدرون الجهود التي بذلت لتخليص العالم من هذا الخطر. وفي عمان، كشفت مصادر ديبلوماسية غربية أمس تفاصيل الصفقة التي سيعرضها الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان اليوم على الرئيس صدام حسين بتفويض من مجلس الأمن لتفادي ضربة عسكرية اميركية للعراق. وقالت المصادر لپ"الحياة" ان انان سيطالب الرئيس العراقي بتقديم "تعهد خطي" بعدم تعرض العراق لفرق التفتيش والسماح لها بدخول اي موقع تشاء دون تحديد مهلة زمنية لعمليات التفتيش، وذلك "في مقابل رفع الحصار الدولي عن العراق بمجرد إقرار اللجنة الخاصة بانتهاء مهماتها". واوضحت هذه المصادر انه في حال موافقة العراق على تقديم التعهد الخطي، ستحصل الولاياتالمتحدة على تعهد خطي آخر من مجلس الامن يقرّ بأنه "في حال اقدام العراق على عرقلة تطبيق اي من قرارات مجلس الامن او عمليات اونسكوم، فان المجلس يفوّض الولاياتالمتحدة استخدام القوة ضد العراق دون العودة الى مجلس الامن". وزادت المصادر نفسها ان الصفقة تتضمن ايضاً موافقة مجلس الامن على تشكيل هيئة للرقابة تابعة لمجلس الامن مباشرة للمشاركة في عمليات التفتيش الى جانب اللجنة الخاصة "من دون التأثير على مهمات اونسكوم". وكانت المصادر ابلغت "الحياة" اول من امس ان واشنطن رفضت محاولات عراقية عدة لفتح حوار معها في مقابل موافقة بغداد على استئناف عمليات التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل العراقية. وكشفت المصادر الديبلوماسية نفسها ان واشنطن قدمت تطمينات الى اعضاء مجلس الامن بأن انهيار نظام الرقابة على أسلحة الدمار الشامل في حال توجيه ضربة عسكرية للعراق لن ينعكس سلباً على ما أُنجز حتى الآن "لأن الضربة العسكرية ستدمّر كل المواقع المشتبه بها في العراق والتي تطالب اونسكوم بتفتيشها". واوضحت انه "لن يعود هناك داع لنظام الرقابة القائم حالياً بعد تدمير تلك المواقع التي يُشتبه بأنها مخازن لأسلحة محظورة او مراكز لتطوير تلك الأسلحة".