الحقول والمواقع الاثرية التي تزنّر مدينة صور من كل حدب وصوب، هي غيض من فيض، وما تخبئه رمال هذه المدينة، وأساسات الأبنية الحديثة والعملاقة، التي بنيت في شكل سريع ومرتجل فحوّلت المدينة التاريخية الى فضاء اسمنتي بشع. وفي صور اليوم موقعان اثريان كبيران هما الملعب الروماني في منطقة البص، وهو عبارة عن مدرّجات اثرية تحيط بمساحة كبيرة يقال انها كانت "ستاد" لألعاب رياضية ادخلها الرومان الى المنطقة. وتحيط بالملعب حقول تملؤها النواويس، اضافة الى بوابة عملاقة يقال انها كانت بوابة المدينة. والموقع الثاني هو ما يسمّيه ابناء صور منطقة الحفريات، في الجهة الغربية. وبين هذين الموقعين يقع حي الرمل، او ما يسمّيه الصوريون بالردميات، ويعتقد ان هذا الحي هو ما ردمه الاسكندر ليصل جزيرة صور بالبر، وبين الموقعين ايضاً عشرات المواقع الاثرية الصغيرة المكتشف بعضها والمستملك من جانب مديرية الآثار، والمردوم معظمها والمشاد فوقها أبنية حديثة. ويقول خبراء الآثار في حال وُجدت رغبة جدية في التنقيب عن الآثار في صور وفي محيطها لوجب اخلاء قسم كبير من المدينة، لأن كل مبنى يقع بين الموقعين الاثريين مرشح لأن يكون تحته موقع اثري لا يقل اهمية عن المواقع المكتشفة. وهذا ما حصل بالفعل السنة الماضية، عندما كان احد مقاولي البناء يقوم بجرف قطعة ارض صغيرة تقع بين مبنيين، فأتت جرافته على اقدم كنيسة في العالم كما يؤكد علماء الآثار، انها كنيسة "البازيليك" البيزنطية. وبعد ان استملكتها مديرية الآثار وقامت بتسييجها وتبيان ما تبقى من ملامحها، ظهرت اعمدة الرخام والمرمر الخضراء، لكن جرافة المقاول كانت حطمتها. وفي محاذاتها تماماً مبنيان يظهر امتداد حرمهما الى اسفلهما. ويقول صوريّون ان صاحب احدهما قام بجرف اساسات مبناه عند بنائه ليلاً بعد ان سيّجه بعوازل تحجب النظر. اما المبنى الثاني فيقول علماء آثار انه مشاد فوق الموقف وأنه من الواضح بعد ان ظهرت اساسات المبنى خلال عمليات الحفر لتحديد الموقع، انه اشاد مبناه من دون ان يحطم انشاءات الكنيسة. وصور طبقات كما يؤكد الادلاء السياحيون والاثريون، وما تم الكشف عنه الى اليوم هو جزء قليل من ذلك الذي تختزنه طبقاتها. ومن اسباب صعوبة البحث عن الآثار، ان تلك المساحات المرشحة وشبه المؤكد وجود آثار تحتها، هي املاك خاصة، وما تم استملاكه منها، لا قدرة لمديرية الآثار على البحث والتنقيب فيه بسبب ضعف امكانات هذه المديرية. فالدولة اللبنانية استملكت قبل الحرب 500 الف متر مربّع، قامت في حينها بحفر نحو 300 الف متر مربّع، والباقي لم ينقّب فيه حتى الان باستثناء مساحة صغيرة اكتشف فيها السنة الماضية مقبرة فينيقية تعود للقرن العاشر قبل الميلاد. ومن المناطق التي يحتمل ان تحتوي على غابات من الآثار كما يقول خبراء الآثار، هي منطقة الشواكير شرق المدينة، ويحتاج العمل فيها الى استملاك نحو 2 كلم مربع، وهي تمتد لتصل الى منطقة الرشيدية، يعتقد ان مدينة "اوشو" اي صور البرية، تستقر تحت رمالها. الجرافات والأبنية الحديثة لم تكونا مصدر التهديد الوحيد لآثار المدينة، بل ان حكايات يتناقلها الصوريون عن عمليات اتجار بالآثار، وسرقتها من مواقعها حصلت خلال سنوات الحرب، وتحديداً في اعوامها الاخيرة. لكن امكان استعادة القطع المسروقة والموجودة في متاحف عالمية، شبه مستحيل، وذلك لشبهها مع قطع اخرى موجودة في سورية وتركيا ومناطق اخرى في الشرق الاوسط. وعند مطالبة هذه المتاحف بها، يجب اقران المطالب بوثائق تثبت صوريّتها وهي غير موجودة. عند وصول الصحافي الياباني الذي كان ضمن الوفد الاعلامي في الرحلة التي نظمتها وزارة الثقافة للصحافيين الى آثار مدينة صور لمناسبة اطلاق اليوم العالمي لحماية آثار المدينة في 3 آذار مارس المقبل الى الملعب الروماني في صور، فتح ازار سترته وشرع يتقلب بين الدهشة والضحك، فأجابه عميد صحافيي صور "نحن لا ندرك اهمية هذه الآثار إلا عندما تحضرون انتم، ويبدو انه من الافضل لهذه الآثار ان تكون في بلادكم".