الأكيد أن العراق بحاجة الى أن يرى نوراً في نهاية النفق. وهذا النور يتمثل في أمر واحد له معنى حقيقي، انه الخلاص من نظام الرئيس صدام حسين. والحقيقة ان هذا هو الحل الواقعي الوحيد الممكن لإنهاء أزمة العراق، تمهيداً لبدء عملية طويلة لرد الاعتبار اليه وإعادة تأهيله ودمجه مجدداً في محيطه الأقليمي ثم المحيط الدولي الأوسع. فكل من يعتقد بوجود وسيلة اخرى لإزالة أسلحة الدمار الشامل للعراق إنما يتمنى ويحلم. والسبب في غاية البساطة، وهو ان صدام عازم على عدم تسليم ما يملك من هذه الأسلحة وعلى اخفاء كل المعلومات الخاصة بتصنيعها. والأدلة على ذلك كثيرة ومعروفة. آخر هذه الأدلة يتمثل في أن مفتشي لجنة ازالة هذه الاسلحة أونسكوم منعوا، خلال الأشهر الماضية القليلة فقط، من دخول مواقع كانوا على وشك دخولها في أربع من خمس مرات. والسبب الوحيد الذي توصل المفتشون اليه هو أن هذه المواقع كانت تضم بالفعل أسلحة محظورة أو معلومات عنها. واتخذ صدام قرارا بعدم التخلي عن أسلحته المدمرة قبل ذلك بفترة طويلة. وهذا يفسر تفضيله أن يعرقل عمل "أونسكوم" ويبقى الحصار على ان يحصل على 120 بليون دولار هي مجموع ما خسره العراق نتيجة منعه من تصدير النفط منذ اتخذ مجلس الامن في نيسان ابريل 1991 القرار 687 الخاص بشروط وقف النار في حرب الخليج. لزيادة المعلومات، وهذه حقائق موثقة وليست مزاعم، يُشار الى أن بغداد ظلت تنفي وبكل عناد أنها تملك أصلاً أي برنامج لأسلحة بيولوجية. وتمسك صدام بهذا النفي الرسمي منذ البدء بتنفيذ القرار 687 حتى فرار صهره حسين كامل حسن المجيد الى الاردن في آب اغسطس 1995. وعند ذلك فقط اعترفت بغداد بأنها تملك بالفعل برنامجاً لانتاج أسلحة بيولوجية، ثم زعمت أنها أتلفتها كلها خلال حرب الخليج ولم تقدم دليلاً موثقاً واحداً يدعم هذا الزعم. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك جدوى من الاستمرار في لعبة وضع صدام قواعدها بنفسه ويمكن تلخيصها بكلمتي "القط والفأر"؟ والجواب هو أن هذه القواعد تضمن عدم التوصل الى كشف الأسلحة وتدميرها حتى لو حاولت "أونسكوم" مئة سنة أخرى. بعبارة أخرى ليس هناك سوى حل واحد يمكن المجتمع الدولي أن يلجأ اليه في هذه الحال. والخطوة الأولى نحو هذا الحل هي التخلي لعبة "أونسكوم" واعلان وفاتها. أما الخطوة الثانية فهي أن تُبدي الولاياتالمتحدة وهذا أمر لا مناص منه لأنها القوة العظمى الوحيدة في العالم القادرة على اتخاذ مثل هذا القرار وتنفيذه إرادة سياسية حازمة تتمثل في تبني الهدف الوحيد المنطقي وهو إطاحة صدام. والخطوة الثالثة، في حال أصبحت الضربة العسكرية حتمية، يجب أن تكون في اعلان هدف واضح وصريح لها بأنه ستستهدف الاعمدة التي يستند اليها صدام وهي الحرس الجمهوري الحرس الخاص وغيرهما من الاجهزة العسكرية والامنية القمعية بغية إضعاف نظامه الى حد كسر حاجز الارهاب الذي تشكله هذه الأجهزة، وبالتالي الافساح في المجال لانتفاضات وتحركات داخل الجيش الذي سيتحرر من ذل الخضوع للحرس الصدامي التكريتي... هل يجب الخجل من طرح هذه المطالب؟ والجواب هو "لا" قاطعة، على الأقل من باب الرأفة بالشعب العراقي الذي أصبح همه الوحيد أن يتخلص من نظام صدام وليس من يقوم بهذه المهمة.