على رغم التركيز الكبير للصحافة المغربية على الشأن السياسي الداخلي في مناسبة تعيين عبدالرحمن اليوسفي رئيساً للحكومة، ومع ان تعاليق وردود وتحاليل نشرت في موضوع الصحراء، وما يتعرض له مسلسل تحديد الهوية من تجاوزات من طرف ممثلي البوليساريو، اولت الصحف اهتماماً بارزاً للاستعدادات الاميركية والبريطانية لضرب العراق، وخصصت صفحات وافتتاحيات حول هذا الامتحان العسكري الكبير، وما يحمل من مضاعفات على صعيد المنطقة والعالم العربي برمته. وإذا كان المغرب عرف بتنظيم اكبر تظاهرة في شوارع الرباط للتنديد بما جرى للعراق اثناء حرب الخليج الثانية 1991، لاحظ المراقبون آنذاك، وفي الوقت نفسه، مواقف مغربية، سياسية وحزبية وثقافية، لا تساير التيار الغالب للرأي العام في دعم العراق، ونددت بالخطوة التي اقدم عليها باجتياحه للكويت معللين ذلك باحترام الشرعية الدولية او بالطبيعة الفاشية للنظام... الخ. اذا كان الامر كذلك إبان سنة 1991، فان الصحافة المغربية، بمختلف اتجاهاتها وحساسياتها السياسية والاعلامية، اجمعت على ان ما تقوم به الولاياتالمتحدة وحلفاؤها، يعبر عن ظلم فاضح وعن غطرسة دولة عظمى تتحرش بشعب يعاني الحصار والتجويع والموت. فقد انسحبت الاختلافات بشأن العراق كنظام، وبرز وعي بأن ما يجري لا يستهدف هذا البلد العربي وحده بل يهدد المنطقة بأكملها، ومن دون وجه حق، او على الأقل من دون مبررات مقنعة لحشد كل هذه الترسانة الاميركية البريطانية لضرب العراق. يلاحظ، من جهة اخرى، ان اقلاماً لا حصر لها كانت احتلت مساحات واسعة في الصحف إبان حرب 1991، تواكب تطورات المواجهة، تحلل وتعلق وترسم السيناريوهات وتناقش وتساجل، الى درجة لعبت بعض الاسماء دوراً تعبوياً كبيراً في تحسيس الرأي العام في اتجاه دعم العراق والدفاع عنه، لم تظهر، في الأيام القليلة الماضية، هذه الأقلام مجدداً، عدا حالات قليلة، واكتفت الصحف برصد اخبار النزاع، وكتابة افتتاحيات، ومواكبة المعلومات والمواقف التي تبرز الأبعاد العدوانية الظاهرة للقرار الاميركي بضرب العراق. اذ غلب تعاطف عام مع دعوات العراق السلمية وشجب قوي للارادة الحربية الاميركية. تجلّى ذلك في الاهتمام بكل تعبيرات هذا الصراع، بدءاً بالتحديد الاصطلاحي اذ لاحظت صحيفة "المنظمة" 10 كانون الثاني/ يناير 1998 ان المتتبع لما يذاع وينشر عن الغطرسة الاميركية هذه الأيام، لا بد وأن يلاحظ نوعاً من الارتباك في تحديد اطرف ما اصطلح على تسميته بالازمة العراقية، فهي مرة "الازمة بين العراقوالأممالمتحدة" ومرة اخرى "الازمة بين العراقوالولاياتالمتحدة"... والى حد الآن تعبر الولاياتالمتحدة عن الأممالمتحدة... بل اكثر من هذا، واستناداً الى ميثاق الأممالمتحدة، هي ازمة بين "الاممالمتحدةوالولاياتالمتحدة". الصحيفة نفسها ابرزت في افتتاحيتها، اهمية المبادرات السلمية العراقية، ملاحظة ان هناك "ارادتان في التعامل مع الموضوع المتعلق بالعراقوالأممالمتحدة. وفي الوقت الذي ترحب فيه هذه الاخيرة بالمبادرات السلمية، تمضي اميركا في التصعيد وتجسيد ارادة الحرب ضدا على ارادة السلام، وهذا ما لا ينبغي للمبادرات السلمية الجادة ان تغفله حتى لا يكون الضغط على الجانب العراقي فقط، في حين ان الولاياتالمتحدة تتمتع بالحرية في اشهار تهديداتها وتحركاتها العسكرية بما فيها حريتها في تجاوز الأممالمتحدة والاحلال محلها...". كما اوردت الصحيفة، في العدد نفسه، خبراً لمراسلها في واشنطن حول تظاهرات وإعلانات صادرة في اميركا ضد قصف العراق. هذا "السعار الاميركي" يخفي اهدافاً عديدة، منها "شغل الرأي العام الاميركي بأزمة خانقة جديدة مع العدو الابدي - العراق - عن الفضائح الجنسية للرئيس". كما ان العدوان على العراق بقي مستمراً لدى النخب الاميركية الحاكمة "لتعيد الاعتبار لهيبتها التي تلقت عدة هزات خصوصاً من العراق الذي تمكن منذ شهور من طرد الاعضاء الاميركيين من لجنة مراقبة الاسلحة" كما تسجل صحيفة "الراية" وهي ذات اتجاه اسلامي 5 شباط/ فبراير 1998، بل ان المستهدف ليس هو العراق لأن الهدف الحقيقي، حسب الصحيفة، يتمثل في "استكمال ما شنت حرب الخليج الثانية من اجله وهو فرض التسوية الاسرائيلية على العرب وإخضاع المنطقة بأسرها للانتداب الاميركي بواسطة اسرائيل" كما ان المستهدف "هو العقل العربي والهوية العربية والسلاح العربي والروابط الاسلامية العربية التي فشلت انقسامات حرب الخليج الأولى ثم حرب الخليج الثانية في زعزعتها". وفي هذا السياق اهتمت الصحف بكل التصريحات التي صدرت عن القيادة العراقية، التي ابدت مرونة نسبية لحل الخلاف مع الولاياتالمتحدة بطرق سلمية. ونقلت "الميثاق الوطني" 11 شباط 1998 انتقاد بغداد لكوفي انان معتبرة ان ارجاء زيارته للعراق دليل على "الاذعان للضغوط الاميركية"، فضلاً عن انه "لا يتحلى بالحياد ولا يشعر بالمسؤولية عن الأمن والسلم في العالم". وأشارت "بيان اليوم" 10 شباط، على لسان احد المسؤولين العراقيين، الى الدور الذي تلعبه اسرائيل في تأجيج الصراع وتشجيع اميركا على تدمير العراق وبلقنة المنطقة. وفي سياق متابعتها للاحداث في الخليج خصصت "رسالة الامة" 11 شباط 1998 صفحة كاملة تناولت فيها تطورات المواقف الدولية والعربية مصنفة الجهات المؤيدة للحل السلمي والاسباب التي تقدمها لتفادي المواجهة العسكرية، ومستعرضة المواقف المؤيدة للحل العسكري والنوايا التي تحركها، ملاحظة ان الازمة العراقية الاميركية تتجه نحو التصعيد حيث "تتشبث الادارة الاميركية بفرض تصورها لحل الازمة بالخيار العسكري". ويلاحظ احد محرري "السياسة الجديدة" 10 شباط 1998 ان مواقف بعض بلدان العالم كروسيا وأفريقيا الجنوبية... الخ توجه "رسائل عربية اكثر من العرب" اذ ان مجلس الدوما الروسي البرلمان لم يكتف باعلان اعتراضه الشديد على السياسة الاميركية ازاء العراق لكنه "ربط الموقف السياسي والاخلاقي بإجراء عملي واضح ومحدد، عندما دعا السلطات الروسية الى تجاوز العقوبات الدولية ضد العراق، واعتبار الحصار المفروض عليه لاغياً اذا ما تعرض من جديد للعدوان الاميركي". رسالة روسية قوية لم تدركها العواصم العربية، اذ "يتحرك البعيدون عن المنطقة العربية لادانة العربدة الاميركية في الخليج، ودعم العراق من موقفه ازاء لجان تفتيش اميركية، وليست اممية، وتأكيد الواجبات المطروحة على الدول العربية في سبيل ايجاد حل لمعاناة ملايين العراقيين، ولمعاناة دول الخليج نفسها من ابتزازات واشنطن". وفي العدد نفسه نقلت الصحيفة خبر دعوة شيخ الازهر محمد سيد طنطاوي المسلمين الى "الوقوف الى جانب العراق وان يفدوه بأموالهم وانفسهم". ولاحظت "الاتحاد الاشتراكي" في افتتاحية لها، انه في ضوء تطورات الازمة القائمة بين اميركا والعراق بدأت مواقف بعض الدول العربية تتبلور، واعتبرت "الموقف العربي على رغم تراوحه ما بين استبعاد الضربة العسكرية ومطالبة العراق بتنفيذ قرارات الاممالمتحدة، هو موقف ايجابي في ظل الوضع العربي الراهن، ينبغي تطويره في الاتجاه الذي يؤدي الى رفع الحصار عن الشعب العراقي". ولهذا السبب، وما دام الموقف العربي اساسي في معادلات الازمة، فان الواجب يقضي الغوص في الاسباب التي ادت الى الازمة "والمتمثلة في حصار شعب عربي شقيق وهو موقف ينبغي ان يتماشى مع مواقف المنظمات الشعبية العربية التي اخذت تتحرك في اكثر من بلد عربي لنصرة الشعب العراقي والتضامن معه في محنته الانسانية، من اجل المطالبة برفع الحصار المضروب عليه منذ سنوات"، بل ان صحيفة "المنعطف" 11 شباط/ فبراير 1998 لاحظت ان التهديدات "الاميركية العدوانية ضد العراق الشقيق" ولدت لدى بعض دول الشرق العربي شعوراً "بحجم كبير من الاحتقار والامتعاض". غير ان التعبير عن هذا الشعور لا يخلق سوى مواقف ضعيفة الامر الذي يستوجب الاهتمام بتفعيل الدور المغاربي لان الدول المغاربية وخصوصاً المغرب وتونس تجد مساحة اوسع لانتاج مبادرات ذات روح قومية "من شأنها ابعاد شبح الحرب عن كاهل المنطقة". ومع ذلك نقلت "العلم" في تحليل اخباري طويل الثلثاء 10 شباط 1998 عن احد الديبلوماسيين العرب قوله ان زيارة عصمت عبدالمجيد الى بغداد مبعوثاً من قبل الرئيس المصري حسني مبارك "عكست جديداً في التعامل العرقي مع العراق"، فضلاً عن "ان رفض السعودية فتح قواعدها للقوات الاميركية يشكل خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها". بل ان مواقف بعض الدول الخليجية الرافضة للضربة العسكرية "عقّدت مهمة واشنطن، سواء في حشد التأييد او استعمال بعض القواعد العسكرية" الرأي 11 شباط 1998. واذا كانت بعض المقالات ركزت في بداية الازمة على دور فضائح الرئيس بيل كلينتون الجنسية وفشل الوساطة الاميركية في تنفيذ اتفاقات اوسلو، لتحويل انظار الرأي العام الاميركي والعالمي وتصعيد المواجهة مع العراق، فانه مع توالي الايام اتجهت اهتمامات الصحف المغربية الى ابراز الاخبار والمعلومات التي تساعد على تسليط الضوء على تطورات الصراع، والتأكيد على الموقف المبدئي الرافض للظلم الذي يتعرض له العراق ككيان وكشعب. ولا توجد اي خلافات في الرأي على هذا الصعيد، بما فيها كتابات بعض المنابر الناطقة بالفرنسية، التي كثيراً ما تستخف من بعض المواقف القومية. ورد في افتتاحية "لا غازيت دي ماروك" 10 شباط 1998 نقلاً عن احد الضباط الاميركيين الساميين، في مناسبة زيارة قام بها وفد صحافي عربي الى واشنطن، ان الاميركيين يكونون "امة من التجار، وجيشنا وديبلوماسيتنا في خدمة مصالحنا التجارية. الاستثناء الوحيد بالنسبة الينا هو اسرائيل، اذ نتحمل مسؤولية الدفاع عن مصالحها لاسباب تعود الى سياستنا الداخلية". ولاحظ المحرر ان "الكابوي" الاميركي لا يتحرك باسم قيم او قرارات دولية ما، لكنه يريد فرض منطقه على العالم لتأمين مصالحه ومصالح الدولة العنصرية الاصولية لاسرائيل… ولذلك فالسلام الاميركي لا يمكن ان يكون سلام الشجعان، ولكن سلام اسرائيل الكبرى من خلال وسائل اخرى". اما جريدة "لو جورنال" 9/15 شباط 1998 وهي ذات نزوع ليبرالي اغلب محرريها من ذوي تكوين انكلوساكسوني، عنونت احدى مقالاتها كالآتي: "اميركا: زمن الخارجين على القانون"، ولاحظ كاتبها الهستيريا الظاهرة على القيادة الاميركية، جمهوريين وديموقراطيين، بخصوص موضوع العراق غير انه اذا كانت اميركا دولة الحق والقانون ويمكن لاي مواطن او مواطنة ان ترفع قضية ضد الرئيس، فانه حين يتعلق الامر بمصالحها او مصالح حليفتها اسرائيل فان "الجريمة والقتل بدم بارد يغدو امراً شرعياً،لا كما هو شرعي فرض حظر بدون رحمة على بلد يموت اطفاله ونساؤه وشيوخه…". ويخلص الى القول بأن السلوك الاميركي يجعل من العالم "فارويست" حيث لا مجال الا للأقوى، وهذا ما يجعل "الاميركيين خارج القانون". هذه بعض المواقف المغربية كما تعبّر عنها الصحف، وتتجه بشكل تام لدعم العراق كوجود وكشعب، وتثمين بعض المواقف العربية الرافضة للعدوان العسكري، وفضح خلفيات "الهستيريا" الاميركية التي تريد ترتيب اوضاع المنطقة في ضوء مصالحها ومصالح الدولة الصهيونية. وعلى رغم اختلاف الانتماءات السياسية لهذه الصحف يتفق الجميع على ان ظلماً يتهيأ ضد العراق وضد العرب. وهذا ما ظهر ايضاً في بيانات "اللجنة الوطنية المغربية للتضامن مع الشعب العراقي" التي نظمت مؤتمراً صحافياً يوم 11 شباط، ومواقف منظمات الدفاع عن حقوق الانسان، وما تهيئه قيادات وفعاليات سياسية وثقافية من خلال اطار اختاروا له اسم "الهيئة الوطنية لمساندة العراق" تضم شخصيات كبيرة مثل عبدالله ابراهيم والفقيه محمد البصري، عمر الخطابي، محمد عابد الجابري، محمد الحبيب الفرقاني، المهدي المنجرة... ومن المنتظر في الأيام القليلة المقبلة اطلاق مبادرات وتنظيم تجمعات ومهرجانات لتحسين الرأي العام بخطورة العمل العسكري ضد العراق.