أهمية ذلك ان اليوسفي ارتبط بعلاقات مع المسؤولين في الجزائر خلال الفترة السابقة، وعلى رغم التأثير الواضح لموقف الجزائر من نزاع الصحراء في مسار تلك العلاقات، فقد ظل الرجل من دعاة الانفتاح على الجزائر، يقيناً منه ان بناء علاقات ثقة قوية بين البلدين ينعكس ايجاباً على كل بلدان الشمال الافريقي، ويلتقي في ذلك مع توجه العاهل المغربي الملك الحسن الثاني الذي يصر على القول ان الخلاف مع جزائر قوية أفضل من التساكن مع بلاد ضعيفة. ذلك ان قوة الجزائر تأتي من الاستقرار في الداخل فقط، ولكنها تتوازن مع الانفتاح على الخارج، بخاصة بلدان الجوار. ان القول بالتأثير السلبي لنزاع الصحراء في مسار العلاقات المغاربية لم يعد مجرد استنتاج سياسي، ولكنه واقع قائم تطاول امتداداته علاقات الجوار والابعاد الاقليمية، وبالقدر نفسه العلاقات مع بلدان الاتحاد الاوروبي. وفي الامكان الذهاب ابعد نحو استحضار تأثيره في خلفيات التوازن الاقليمي الذي يفتح شهية الولاياتالمتحدة الاميركية بالقدر الذي يحوّل المنطقة الى مركز لتجاذب النفوذين الاميركي والاوروبي. عملياً يقر المغاربة والجزائريون ان خلافاتهم حول المسائل التي كانت تطاول ترسيم الحدود واعادة الدفء للتعاون في الشريط الحدودي، واحياء مشاريع التعاون المشترك في المجالات الاقتصادية والتجارية ليست بالقدر الذي يصعب تجاوزه، ويستدلون على ذلك بأن تمرير الغاز الطبيعي الجزائري نحو اسبانيا عبر الاراضي المغربية لم يتضرر في ذروة الازمات السياسية، فالعمل به لا يزال ساري المفعول وان كانت الحدود مغلقة. لكن المشروع الذي اطلق عليه اسم "انبوب المغرب العربي" للدلالة على التوجهات المغاربية للبلدين لم تعززه مشاريع اخرى، مثل قطار المغرب العربي والغاء الجمارك وتكريس حرية تنقل الاشخاص والبضائع... كذلك الحال بالنسبة الى تنسيق المواقف ازاء ملفات الهجرة ومحاربة الارهاب. وزاد في تعقيد مهمات مؤسسات الاتحاد المغاربي تأثير الاوضاع الخاصة للبلدان المعنية التي ركزت على اولويات ترتيب البيت الداخلي في حين اتجهت الجماهيرية الليبية نحو محاولات فك العزلة عبر جوارها الافريقي بسبب أزمة لوكربي. التطور البارز في سياق العلاقات المغربية - الجزائرية ان اتفاقات هيوستن التي رعاها الوسيط الدولي جيمس بيكر لتسريع الاستفتاء في الصحراء، مكّنت الجزائر من هامش اكبر للحياد، لكون الاتفاقات المبرمة تمت بين المغرب والجزائر، والتزام تنفيذها يخص الطرفين اكثر من غيرهما، وقد يكون مفيداً استخدام هذا الهامش للانفتاح على المغرب، ما دام الملف الصحراوي اصبح من اختصاص الاممالمتحدة. وبالدرجة نفسها قد يكون ذلك ملائماً بالنسبة الى الرباط في تعاطيها مع ترتيب العلاقة مع جارتها الجزائر التي تمر بفترة شك وحذر. تعيين اليوسفي رئيساً للحكومة، قد لا يكون سبباً كافياً لتوقع حدوث هذا الانفتاح، لكن في امكان الرجل ان يمهد الطريق لذلك عبر اعطاء مزيد من الاشارات المشجعة. فالامر يتعلق بأزمة ثقة وليس بقطيعة. وكل القرارات تتوقف على الاهمية الاستراتيجية لمعاودة البناء المغاربي، وليس من نقطة الصفر.