بالتعاون بين كلية الآداب والفنون الجميلة في جامعة لايدن الهولندية وكلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق، أقيمت أخيراً ورشة عمل بعنوان "الفسيفساء في سورية" شارك فيها باحثون من هولنداولبنان وسورية تحدثوا عن واقع الفسيفساء وتاريخه والتأثير المتبادل بين الغرب والشرق. في بحث عن "الفسيفساء في سورية" قدم الدكتور لوكاس رومباي من جامعة لايدن موجزاً أعاد فيه تاريخ هذا الفن الى القرن الثاني قبل الميلاد، وتحديداً إلى الفترة اليونانية والرومانية والفترة المسيحية بعد الميلاد، محدداً مناطق وجودها الكبير في شهبا في جبل العرب جنوب البلاد وأنطاكية شمال سورية وأفاميا في الوسط. وقال "انها فسيفساء خرجت عن القاعدة الكلاسيكية على رغم انتمائها الى التقليد الروماني ذلك ببروز عناصر وخصائص محلية فيها، ولم تعد الفسيفساء نصوصاً سريانية من القرن الرابع حتى الخامس إذ نشط الأدب الآرامي فنشأ خلاف بين الإلتزام الكلاسيكي للفسيفساء وبين اللغة التي يمتلكها الشعب". وقارن رومباي بين لوحة وجدت في منطقة الرقة تضم غزالين وبين مخطوط سرياني لإنجيل موجود في متحف باريس، مؤكداً "التشابه العجيب" بين اللوحتين. كما لاحظ أثراً للفن المسيحي "عندما تابع الصناع المسيحيون بناء الكنائس والمعابد مزخرفين واجهاتها بالفسيفساء فانتقل الفن الى الدين الإسلامي وأصبح له هوية إسلامية خاصة به". وقدم مثلاً تلك اللوحة الموجودة في المسجد الأموي وقد كتب عليها باليونانية اسم الخليفة معاوية. وأكد بطرس أبي عون من جامعة الكسليك لبنان وجود تشابه بين الفسيفساء اللبنانية والسورية "سواء في روايتها الأساطير وخصائصها أو رموزها الدينية". وأشار الى أن الدراسات لا تزال قائمة ومرت بمرحلتين: "مرحلة التسعينات ومرحلة ما بعد التسعينات ولا يزال بعضها قيد الترميم، ويعود تاريخها الى العصر الروماني والبيزنطي". وعرض بعض النماذج من الفسيفساء كالتي وجدت في كنيسة خلدة والجيه قرب بيروت. ولإعطاء الندوة جرعة عملية قدمت الباحثة السورية رفاه مدور وصفاً لأرضية موزاييك لكنيسة موجودة في قرية قمحانة الواقعة الى الشمال الشرقي من مدينة حماه وتبعد عنها سبعة كيلومترات. ويعود تاريخ الكنيسة الى القرن الرابع أو الخامس الميلادي. وقالت "كلما دخلنا الى بهو الكنيسة زادت الفسيفساء روعة ورهبة، تمتلىء بالزخارف وثمرة العنب والعصافير وذلك للدلالة على أهمية المكان إضافة الى الدوائر والجدلة ونبتة السماق". كما وصف الدكتور مات امينريل من جامعة لايدن لوحة بروميتوس الموجودة في متحف شهبا جنوب سورية وقال: "إنها أجمل فسيفساء رأتها عيناي، تمثل برميتوس الإله الاغريقي الذي يمنح الروح للإنسان وهيرمز قابض الأرواح. وهي تعبير عن الحياة والموت والأبدية". وفي حين قدم كامل شحادة بحثاً عن متحف معرة النعمان شمال سورية الذي يضم أهم اللوحات في البلاد، طرح الدكتور مات امبرزيل المسؤول عن العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي ورقة عمل تحمل عنوان "تقنية نزع الفسيفساء من أرضها" أعطى فيها فكرة عن طريقة نزع الفسيفساء خصوصاً الهشة منها نتيجة لمرور الزمن عليها. وقال: "أولاً نقوم بتقوية سطح الفسيفساء ونستخدم مادة لاصقة صناعية، ثانياً نضع اللاصق على قطعة من الشاش ونغطي بها الفسيفساء. ونستمر في عملية اللصق حتى نشعر بأنها تماسكت وقويت تماماً. ثالثاً نقوم بعملية التوثيق وتكون بأن نضع البلاستيك على الفسيفساء ونرسم تفاصيلها وحدودها رسماً فنياً ثم نقويها باللاصق. رابعاً، ننزع كل قطعة على حده بعد مرور أيام عدة ونضعها في مكانها المحدد لها، ويكون النقل بشكل سوي وحذر بحيث يحملها أكثر من شخص".