أن يحضر قمة دول مجلس التعاون الخليجي الأمناء العامون للامم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي والرئيس نيلسون مانديلا، أحد أكبر رموز القارة السوداء، تطور يحمل رسالتين مهمتين في مسيرة المجلس. واحدة الى المجتمع الدولي ان هذه المنظمة الخليجية تتطلع الى دور مشارك في ادارة المجتمع الدولي، يتجاوز تخصيص مقعد مراقب لها ربما في المنظمة الدولية. والثانية الى دول الخليج نفسها لعلها تدرك مسؤوليتها الجسيمة ليس في الحفاظ على هذا التجمع فحسب، بل في السعي الى خطوات وآليات تخرجه من رتابته فلا يظل هاجس مؤسساته الحفاظ على استمراره وصموده، وحمايته من متاعب أهله ومشاكلهم أحياناً مثلما من الأخطار الخارجية. لم يعد يكفي المجلس الخليجي ان يتغنى بأنه استمر وصمد طوال حربين شرستين شهدتهما المنطقة، خصوصاً انه يواجه أزمات كبيرة تضاف الى أزماته المستمرة الناشئة من آثار تلك الحربين. كانت القمم السابقة تتلقى في السابق رسائل من زعماء دوليين يعتبرون ان شراكتهم الاستراتيجية ومصالحهم المشتركة مع أهل الخليج ثوابت لا جدال فيها تسمح لبعضهم احياناً بتجاوز لغة البروتوكول والتمني بين شريكين، ليصلوا الى ما يشبه التوجيهات. ولعل دعوة ممثلي منظمات دولية واقليمية الى قمة أبو ظبي هذه السنة، هي بمثابة الدعوة المفتوحة الى الشركاء والحلفاء. وفي ذلك ما يعني ان لدى القادة الستة لدول المجلس ما يقولونه هذه المرة. وهو يجب ان يكون مختلفاً عما قالوه في قمم سابقة ويقولونه في محافل واجتماعات دورية. ولعل الأزمة الاقتصادية، أو الأزمة النفطية، وحدها كافية لتضع قادة الخليج أمام مسؤوليات تاريخية تستدعيها التداعيات الاجتماعية التي قد يخلفها التدهور المستمر لأسعار النفط. لقد منيت دول "أوبك" بخسائر تفوق ستين بليون دولار حتى الآن، من جراء هذا التهور. ألا يشكل هذا دافعاً الى البحث عن مخارج واجراءات خليجية موحدة... اذا كان متعذراً التوافق بين دول "أوبك"؟ إن مواجهة هذه الحرب على النفط تستدعي معالجات وحلولاًَ في اتجاهين: أولها وأهمها التوافق على خطوات ملزمة على طريق قيام السوق الخليجية المشتركة، بدل الغرق في الدراسات وتأليف اللجان. ثم التوافق على حلول داخلية يشارك فيها المواطنون الخليجيون جميعاً ليشعروا فعلاً بأن هذه الحرب الاقتصادية الجديدة قد تكون أقسى من الحربين العسكريتين السابقتين. وهي تستلزم مزيداً من الوحدة والصمود لئلا يهتز الأمن الاجتماعي فيضيف خطراً جديداً الى مخاطر أمنية تحملها أمواج الخليج كل يوم. فهنا مناورات ايرانية واسعة، وهنا ايضاً سفن أميركية وبريطانية دائمة التأهب لمواجهة النظام في بغداد. أما التوجه الثاني، فهو البحث عن صيغة مع المستهلك الدولي لاخراج النفط من بورصة العملات، فلا يظل نقداً يتحكم به المضاربون، في حين يجب أن ينظر إليه رواد العولمة وقادتها ومسيرو دفتها سلعة أساسية وحيوية للمنتج بقدر ما هي سلعة استراتيجية للمستهلك. والخطاب الخليجي الجديد ليس مطلوباً في مجال الاقتصاد فحسب، بل هو ضروري في قضيتين سياسيتين - أمنيتين رئيسيتين تفرضهما حقائق الجغرافيا، هما قضية العراق المزمنة، والعلاقات مع ايران. وإذا كان بديهياً أن تجدد الدول الخليجية الست دعمها للشعب العراقي وتعاطفها معه واستعدادها لتخفيف محنته، فإن من الضروري أيضاً تغيير لغة التعامل مع النظام في بغداد فلا يظل يمارس سياسة التعالي على جيرانه كأنهم هم الذين اعتدوا وغزوا... لعل هذا يقود الى شيء من التغيير في قواعد اللعبة بين بغداد وواشنطن، ما دام الثمن في كل أزمة بين العاصمتين يدفعه أهل الخليج من أمنهم واقتصادهم. ولغة الحوار بين أهل الخليج وايران منذ وصول الرئيس سيد محمد خاتمي، تستلزم هي أيضاً نقلة نوعية في اطار سياسة خليجية موحدة بخطوطها العريضة. وأولى الخطوات تبدأ من طهران. من دون هذا التحول من لغة البيانات الى الفعل سيبقى أمن الخليج سلعة في بورصة الآخرين ليظل النفط عملة في بورصة الآخرين... ومثله المستقبل والمصير