"إلباس القرن العشرين". هذا هو العنوان الرئيسي لمعرض "100 عام من الفن والأزياء". صممت المعرض المهندسة زهاء حديد، ويستمر عرضه في صالة "هايوارد غاليري" في لندن حتى 11 من الشهر المقبل. وبدا المعرض مناسبة ليعيد المجتمع البريطاني اكتشاف المعمارية العراقية التي درست في لندن وعملت فيها طوال عشرين عاماً تقريباً واشتهرت عالمياً بأنها المهندسة التي لا تسمح لها بريطانيا بالبناء في أراضيها. وقبل اسبوعين التقت نخبة من المهندسين والنقاد المعماريين العالميين في"هايوارد غاليري" للتعرف على تصميم زهاء حديد لمركز الفنون الحديثة في ولاية سنسناتي الأميركية الذي فازت به على 97 مهندساً عالمياً. اختلاط هذه الأحداث مع قصف الأميركيين والبريطانيين مدينة بغداد التي ولدت فيها زهاء أثار مشاعر مؤلمة. شهرزاد العمارة حدث ذلك قبل قصف بغداد بأيام قليلة. احيطت زهاء بالنخبة، التي تمثل حسب قول صحيفة "نيويورك تايمس" "أكثر الأشخاص نفوذاً في حصن العمارة العالمية". في البداية عرضت مجموعة صور فيديو وسلايدات لتصميم مركز الفنون الحديثة الذي قالت عنه الصحافة البريطانية إنه سيضع ولاية سنسناتي الأميركية على خريطة القرن الحادي والعشرين. وفي العادة تكره زهاء حديث الصحافة العالمية عن تصاميمها المعمارية بلغة ألف ليلة وليلة والبساط السحري، على رغم أنها قالت مرة ل "الحياة" إنها تدين بملكتها المعمارية للموهبة العراقية في رواية القصص. وقد بدت زهاء في تلك اللحظات شهرزاد تروي باستطراد عفوي قصة تصميم مركز سنسناتي. وفجأة قطعت زهاء حديثها المسترسل. شدّت على ثوبها الأسود الطويل الذي يحيط قامتها الواسعة كجلباب عربي، وقالت: - أنا لست انكليزية ولا بريطانية. لم تظهر ردود فعل على الحضور المثقف الذي اعتاد على أطوار زهاء "الحدّية والدلّوعة والبركانية"، وفق تعبير صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية. لكن المساعدة الشابة لمدير مركز سنسناتي همست بصوت مسموع في اذنه: - هل سمعت ما تقول؟ قال الأميركي ضاحكاً: واه! فضيحة! في الاسبوع التالي لذلك اللقاء كانت هناك فضيحة من نوع آخر. قُصفت بغداد وصدر ملحق صحيفة "غارديان" البريطانية وعلى غلافه صورة ام عراقية تحمل طفلها الذي شوهته قذائف الحرب. احتلت الصورة الملونة صفحة كاملة مع عنوان عريض: "هل نحن الذين فعلنا ذلك"؟ وظهر في الصحيفة نفسها تقرير كتبه الناقد المعماري جوناثان غلانسي عن تصميم زهاء لمركز الفنون الحديثة في سنسناتي. كتب غلانسي أن تصميم زهاء هو النموذج المطلوب لإعادة بناء "الساوث بنك" الذي يضم أكبر مجمع للفنون في العاصمة البريطانية. والمفارقة في عنوان التقرير "إذا كانت زهاء تستطيع أن تفعل ذلك لماذا لا نطلب منها أن تنقذ الساوث بنك"؟ ما تفعله زهاء لبريطانيا وما تفعله بريطانيا لها تمثل قصة اخرى من قصص العرب مع بريطانيا في القرن العشرين. غراميات زهاء! وتعكس الكتابات عن معرض "إلباس القرن العشرين" مشاعر بريطانية مفارقة من المهندسة العربية. صحيفة "الديلي تلغراف" المحافظة خصصت لزهاء تقريراً بالألوان على أربع صفحات. تصف كاتبة التقرير مشاعر الوجل التي أحست بها وهي ترتقي السلالم الى شقة زهاء في منطقة كنزنغتن وسط لندن. كانت تحس كما لو أنها في طريقها الى "الالتقاء بوحش مفترس". وتفكر الصحافية البريطانية حين تراها "هذه المرأة فخمة دون شك، لكنها تملك الحميمية والحضور المهيب المميز للنجوم". وتستكشف الصحافية الانكليزية بهاجس نسوي مرهف كل ما يحيط زهاء، بدءاً من لَكنتها العربية المتميزة ونطقها الانكليزية بعفوية "غير نحوية". وتبدو لها "عيونها الواسعة جداً كالمخلوق الفضائي في فيلم "إي تى" وتحس معها "كأنها تستوعب كل الغرفة وما وراءها". وفستانها ماركة "ماييك" الذي تفضله زهاء لأنه يُغسل يدوياً، و"زهاء تغسله بنفسها... وسيارتها الشخصية من نوع تاكسي "الكاب" البريطاني الأسود، وطريقتها النسوية العربية بالتطلع بعينيها الى الأعلى عند توجيه سؤال شخصي ثم الجواب بكلمة واحدة "لا" مع ضحكة مزغللة. و"هل تعود موهبة زهاء الي عزوبيتها وتعويضها عن الامومة المفتقدة"؟... وماذا عن غرامياتها؟ هذه الأسئلة بحثت الصحافية الانكليزية عن جوابها عند عميد كلية العمارة البريطانية AA التي تخرجت منها زهاء ودرّست فيها 10 سنوات. وكان الجواب "أيّ غراميات؟ لا وقت لديها لذلك". وأوضح عميد الكلية "إنها من التراث العريق لنساء العلم والسياسة في العالم العربي، وهذا شيء مفاجئ لنا"! مهندسة الجنائن وقد انتزعت زهاء مكانتها المعمارية انتزاعاً من بريطانيا، كما انتزع العرب حريتهم. ففي عام 1982 فازت، وهي ما تزال معيدة في الكلية على 538 مهندساً بتصميم عمارة "الذروة" The Peak، التي كان ينبغي أن تقام على ذرى الجبال المحيطة بمدينة هونغ كونغ في الصين0 ووقع نبأ فوزها وقع الصاعقة على مجموعة من أقدر المهندسين العالميين الذين ساهموا في المسابقة، وبينهم بعض اساتذتها الذين احتجوا علناً على ذلك. وتجاوز حجم التحدي الذي شكله فوزها المقاييس المألوفة في العمارة، حيث ذكر آراتا ايسوزاكي، الذي كان عضو لجنة التحكيم أن تصاميمها "تجاهلت جميع التعليمات التي نصت عليها المسابقة واستدعى ذلك رفضها ما اضطرها الى البدء من جديد". وفي عام 1994 فازت زهاء على 270 مهندساً بتصميم دار الاوبرا في مدينة كارديف في مقاطعة ويلز ببريطانيا0 وفي عام 1996 فازت على 296 مهندساً بتصميم "جسر سكني" في قلب مدينة لندن يحتوي على دور مسرح وسينما وفنادق ومطاعم0 مع ذلك لم تنفذ مشاريع المهندسة العربية بحجج مختلفة، مثل اعتبار تصاميمها بنايات عائمة في الهواء غير قابلة للتنفيذ. وتبدو هذه الشكوك في غير محلها بالنسبة لمهندسة من العراق الذي أشاد "الجنائن المعلقة" قبل أكثر من أربعة آلاف عام. وتعلق زهاء على هذه الشكوك بمرح وسخرية معلنة عن اعتقادها بأن البنايات يمكن أن تعوم، ثم تستدرك قائلة "اعرف أنها لا تعوم لكنني أكاد أؤمن بذلك - باستثناء عندما التقي بمهندسين طبعاً"!